اتجهت الأنظار في الآونة الأخيرة نحو الأحداث التي تجري في المخيمات الفلسطينية بلبنان، السبب الذي وجّه الفكر إلى ضرورة وجود منظومة إعلامية. تلك الفكرة التي أوجدت من أجل الحصول على معلومات عمّا يدور حولنا في قلب الأحداث، بغض النظر عن نوعه، وفي الساحة الفلسطينية، كان لا بد من وجود أنظمة متطورة تهدف بشكل أساسي للحصول على بيانات الأفراد والجماعات على حد سواء.
الأحداث الأخيرة الواقعة في المخيمات الفلسطينية بلبنان وجهت النظر إلى ضرورة إيجاد منظومة إعلامية تنقل الواقع هناك بوضوح وشفافية
وسائل الإعلام هي عبارة عن منظومة متكاملة، تساعدك بشكل أو بآخر للحصول على البيانات والأخبار من الأفراد والجماعات المحيطة. ويهدف الإعلام إلى تقريب وجهات النظر وتحويل المكان البعيد إلى مكان قريب.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يفشل الإعلام الفلسطيني في حفظ السلم الأهلي؟
ولهذا السبب كانت الحاجة للإعلام الذي يشرح وجهات النظر، وينقل واقع المخيمات بصورة شفّافة واضحة، ويفسّر الظواهر الطبيعية التي تحدث حولنا، ولا نجد لها أي تفسير. عند الحديث بشكل معلن ومفهوم، فلا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ الإعلام جعل الحياة بشكل عام أسهل بكثير مما يظنّه البعض، فلو كانت الحياة دون وسائل إعلام، لم يكن هناك سهولة في نقل الأخبار، أو التعرّف إلى الأحداث المحيطة بك، بالتالي فالعالم كلّه سيصبح ضبابيًا، ولا يوجد رؤية واضحة تحدد المفهوم الرئيس للتعاملات الخارجية مع الأفراد والمنظمات.
ولعلّ اللافت الوحيد في موضوع الإعلام ووسائله، أنّه لا يوجد سبيل آخر للحصول على بيانات محددة للأحداث والإشكاليات التي تدور على مسافات بعيدة عنّا.
إن أهمية الإعلام بوسائله المتعددة (المسموعة والمقروءة والمرئية)، كونه أحد أهم الآليات العصرية والمتطورة لمخاطبة العقول والتأثير على سلوكياتها ومفاهيمها، بما يمتلكه من قدرة تأثير من خلال مخاطبة الحدث وتحليل مجريات الأحداث، فهل ساهم الإعلام الفلسطيني بشكل عام في لبنان في نقل صورة معاناة اللاجئيين الفلسطينيين أم هي حالة من الفوضى التي يعيشها هذا الإعلام، أم هي أزمة صحفيين ومنابر؟
اقرأ/ي أيضًا: المخيم ومضاعفة النكبة
ما يمر به الإعلام الفلسطيني يمكن تسميته بـ"الطفرة" الإعلامية، وانزواء كل حارة أو كل مخيم، وكل مدينة أو كل منطقة عن بعضها البعض، دون مواكبة للهم الفلسطيني الجامع، والتأكيد على انتمائها الفلسطيني.
ويمكن اعتبار أن تعدد المواقع الفلسطينية والعربية المعنية بأمور مشابهة، يحدّ من انتشارها، ويجعلها أكثر محلية، فيجب عليها حينئذ، تطوير أدائها وابتكار وسائل متجددة لتبقى في الواجهة.
رغم حالة التشتت واللجوء، يمكن اعتبار الإعلام الفلسطيني في لبنان جزء من الإعلام الفلسطيني العام، الذي يُعتبر ضرورة في نقل واقع المخيمات الفلسطينية، أو الشتات بشكل عام. وكان وما زال هذا الإعلام يركّز بشكل أساسي على القضية الفلسطينية، ويحاول نقل أخبار المواجهات المستمرة مع العدو الإسرائيلي، ويعدّ التقارير التي تفضحه أمام الرأي العام العالمي، وينشر المقالات والدراسات، ويبث الوثائقيات التي تحلل أوضاع الشعب الفلسطيني بكل أبعاده، في مقاومته وفي مظلوميّته.
وبسبب حالة الشتات التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 1948، وخاصة بعد اختفاء دور منظمة التحرير وإعلامها المركزي، بعد اتفاقيات أوسلو، أصبح الإعلام الفلسطيني يعيش حالة انقسام، أو بمعنى آخر تشتتًا فكريًا، مع فقدان للهوية أو الاتجاه الواضح لنقل الهدف نحو المكان الصحيح بين الداخل والخارج، بين الأراضي المحتلة عام 1984، وبقية المناطق الفلسطينية، وبين دول الشتات.
المخيمات الفلسطينية في لبنان.. من ينقل الواقع؟
منذ تصاعد الأزمة السورية، وامتداد أثرها إلى لبنان، باتت المخيمات موضع ترقب كبير من قبل الأمنيين اللبنانيين، لما تختزنه هذه المخيمات من مقومات الانفجار، فالبؤس والفقر والحرمان الذي تعيشه، معطوفة على ما يعانيه الفلسطينيون في أرضهم والمهجر؛ تشكل بيئة خصبة لانتشار أكثر الحركات تطرفًا وتشددًا.
بسبب الشتات الذي يعيشه الفلسطينيون، واختفاء دور منظمة التحرير وإعلامها المركزي، بات الإعلام الفلسطيني يعاني الانقسام
ووفقًا لديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، فمن بين الدول التي تعمل فيها "الأونروا"، يتسم لبنان "بخاصية مثيرة للريبة، وهي أنّه يتضمن أكبر عدد من القضايا ذات الصعوبات الخاصة، أي يوجد فيه أكبر عدد من أفقر الفقراء، الذين يشكلون نحو 30% من السكان الفلسطينيين".
اقرأ/ي أيضًا: مخيم "البارد".. الرازح تحت سطوة الفقر والأمن
يوجد في لبنان 12 مخيمًا رسميًا أنشأتها الدولة اللبنانية ووكالة أونروا، وقد اكتسبت هذه المخيمات صفة الدائم مع مرور الزمن، كما ورثت من الوجود الفلسطيني في لبنان صفة الاستقلالية شبه الكاملة عن الدولة اللبنانية، بحيث تحتفظ بإدارتها الذاتية في كل المجالات تقريبًا، ما عدا الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، والتي تصلها من المؤسسات اللبنانية الرسمية بكفالة الوكالات الدولية.
بالتالي، وبما أن للمخيمات الفلسطينية خاصية مستقلة بكل الموارد المتاحة أمامها، فإن أهمية وجود الإعلام وخاصة المرئي، أصبح حاجة ضرورية، بعد أن شهدت المخيمات أوضاعًا أمنية كانت شبه مرهونة للإعلام الخارجي، وأصبح العبث بنقل صورة المخيمات شيئًا عاديًا، ما أدى إلى إضعاف الجهد الإعلامي، مع أن هناك العديد من فئة الشباب الجامعيين والمهنيين الذين درسوا الإعلام في الجامعات والمعاهد، وهذه قد تكون مشكلة أخرى تنضم إلى العديد من المشاكل التي يعانيها سكان المخيمات المتعلقة بفرص العمل.
12 مخيمًا تتوزع في مناطق لبنانية مختلفة، من الشمال حتى الجنوب، وتتفاوت الأحداث الأمنية والاجتماعية والخدماتية والاقتصادية فيما بينها، ولأن ما يحصل في مخيمات لبنان ارتهن سابقًا بقوانين أصدرتها الدولة حول ما يتعلق بحق المكلية وحق العمل؛ أصبحت المخيمات تعاني عبئًا ملموسًا، ما أدى إلى شبه انجراف الهوية الفلسطينية. ما يجري في المخيمات، أو كما ذُكر أعلاه، أن كثرة نقل الأحداث بأساليب مختلفة، أدى إلى نقل صورة ضبابية عمّا يحدث.
ففي مخيم عين الحلوة، على سبيل المثال، وما جرى في الآونة الأخيرة، ارتهنت أحداثه للإعلام الخارجي، وأدى تراكم نقل الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدلًا من تصوير الواقع، إلى نقل الأخبار بطرق مشتتة.
وهناك كذلك الأحداث التي وقعت في مخيم برج البراجنة، حيث كادت الأخبار المتناقلة عبر واتس آب، أن تؤدي إلى وقوع فتنة بين صفين لبناني وفلسطيني، مع العلم أنه لا علاقة للفلسطينيين بما يجري، إلا أن المجموعات تناقلت أنباءً غير واضحة، وليس ثمة محطة إعلامية فلسطينية لتنقل بالفعل ما حدث.
ومخيم نهر البارد الذي يعاني منذ عشر سنوات من قحط خدماتي ومعيشي وإنساني جراء الحرب، اتضح أن الإعلام المرئي غائب كليًا عن ساحته، ما جعل المخيم يقع في تراكم المشاكل.
تواجد الإعلام الحقيقي لهو حاجة ماسّة بالنسبة للمخيمات، على الأقل لتوضيح حقيقة أنها مخيمات وليست مربعات أمنية يخشاها الناس
لذا فإن تواجد الإعلام الحقيقي، خاصة المرئي، هو حاجة ماسّة بالنسبة للمخيمات، على الأقل لتوضيح حقيقة أنها مخيمات وليست مربعات أمنية يخشاها الناس. وعليه فإن وجود قناة إعلامية تصوّر الحالة عن قرب ومن داخل المعاناة، قد تساهم في توضيح شكل المخيمات، وهو دور هام في إطار قضية فلسطينيي المهجر.
اقرأ/ي أيضًا:
أمن المخيمات في لبنان.. "عين الحلوة" والكأس المرّة