وجد إبراهيم إرحيم (30 عاماً) رسوماً إضافية على فاتورته من شركة "جوال"، بعد أن اكتشف أن حزم الانترنت تحسب ضمن الفاتورة دون علمه، فتواصل مع الشركة دون جدوى، ليضطر إلى التوجه لمقرها في مدينة غزة، ويجد نفسه في قلب مشكلة جديدة زادت همّه الأول، بدأت بانزلاقه أثناء دخول مقر الشركة من الممر المخصص لذوي الإعاقة الحركية، وهو منهم.
ولا يزال إبراهيم منذ شهر تموز/يوليو الماضي في خلاف مع الشركة التي يقول إن المدخل المخصص لذوي الإعاقة في مقرها شديد الميلان، وقد تسبب بانزلاق الكرسي الكهربائي الخاص به، حتى تدخل شاب لمساندته.
ذوو إعاقة حركية يشتكون من أن الممرات الخاصة بهم في شركات الاتصالات ليست وفق المعايير العالمية، وقد ألحقت الأذى بهم
يبين إبراهيم لـ"الترا فلسطين" أن الشركة أرسلته لطرح قضيته أمام مدير أحد أقسام الشركة، لا صلة لعمله بالمواءمة، ثم طُلب منه التوجه إلى غرفة لم يستطع دخولها بسبب وجود درجات فيها، لتنتهي محاولاته بعد ذلك بالفشل.
اقرأ/ي أيضاً: العريس "سليم" والعروس "ذات إعاقة".. معقول؟
وبالعودة إلى المشكلة الأساسية التي توجه إبراهيم بسببها إلى الشركة، فإن الأخيرة طالبته بدفع قيمة فواتيره كاملة وإلا فإنها ستلجأ إلى القضاء، ليرد قائلاً: "عند التحدث عن القانون، فالأولى بكم أن توائموا مداخل مقراتكم بشكل صحيح".
ويضيف، "المواءمة حق مكتسب وليس منة، وشركة جوال وغيرها من الشركات الخدماتية التي لها علاقة بالجمهور ضمن القانون الأساسي الفلسطيني ملزمة بالمواءمة. جوال وعدت بحل قضيتي، لكن أنا أنتظر لغاية اللحظة، ولن أصمت عن مطالبتي بمواءمة جميع المقرات لذوي الإعاقة".
وتمنح شركة "جوال" المواطنين ذوي الإعاقة برنامجاً خاصاً تُخفض فيه سعر الدقيقة لهم، لكن الشركة تطلب من المواطن الراغب بالاستفادة من البرنامج الحضور بنفسه للحصول على البرنامج الخاص به، وهذا ما يثير غضب الكثير منهم، لأنهم يجدون صعوبة في التنقل بين مقرات الشركة، ويعتبر كثير منهم أن المواءمة في هذه المقرات ليست مناسبة.
وتنص المادة (12) من قانون حقوق المعوقين رقم 4 لعام 1999 في القانون الأساسي الفلسطيني، على توفير بيئة مناسبة لذوي الإعاقة، لضمان حرية تنقلهم واستخدامهم الآمن للأماكن العامة. كما نصت المادة (2) من القانون على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التمتع بالحياة الحرة والعيش الكريم والخدمات المختلفة كغيرهم من المواطنين.
وشركة "جوّال" جزء من مجموعة الاتصالات الفلسطينية "بالتل"، التي تضم أيضاً شركة الاتصالات التي تحتكر تقديم خط الهاتف الأرضي وخط النفاذ، وهذه أيضاً لا تقدم المواءمة بالشكل المطلوب، وفق قول أيمن أبو ضبة (39 عاماً) الذي انزلق سابقاً عند مدخل الشركة، ما جعله يتجنب التوجه إليها في فصل الشتاء. يشير أيمن إلى أن اثنين من أصدقائه يشاركانه الموقف ذاته بعد تعرضهما أيضاً للانزلاق في فصل الشتاء.
مقر شركة حضارة في طابق علوي في أحد أبراج غزة، تعذر الوصول إليه كثيراً على ذوي الإعاقة الحركية بسبب تعطل المصعد وانقطاع الكهرباء
وتضم مجموعة الاتصالات أيضاً شركة حضارة المتخصصة في تقديم خدمة الانترنت. يقول أبو ضبة إنه يعاني عند التوجه إلى مقر الشركة لدفع فاتورته، فالمقر موجود في أحد الأبراج الكبيرة في غزة، وفي زيارات كثيرة وجد أبو ضبة المصعد معطلاً، أو الكهرباء مقطوعة، فلم يستطع الصعود للشركة في أغلب الزيارات، واضطر في إحداها إلى الصعود من خلال عكازين بمساندة آخرين، ليعود إلى منزله حاملاً آلاماً شديدة.
اقرأ/ي أيضاً: عريس وعروس من ذوي الإعاقة.. غير ممكن في غزة
ولا يقتصر الخلل في هذا الجانب على ذوي الإعاقة الحركية، فالشاب أحمد المدني (31 عاماً) وهو من ذوي الإعاقة السمعية ويعمل نجاراً، يحتاج لخدمات الانترنت ورسائل الجوال فقط، لكنه لا يفضل التوجه لشركات الانترنت إلا مع شقيقه، إذ سبق أن توجه عدة مرات ولم يجد تعاملاً ملائماً لإعاقته، فالشركة تضع صوراً توضح الأقسام فقط، دون وجود أي موظف يتعامل معه بلغة الإشارة، وفق قوله.
ومن خلال متابعته لصفحات شركة الاتصالات وشركة "جوال" على مواقع التواصل الاجتماعي، وجد المدني أنهم يدعمون مشاريع شبابية واحتفالات. يقول: "بدلاً من أن تمول هذه الشركات مشاريع لا نستفيد منها غير أننا نراها على حساباتهم، عليها أن توفر مواءمة صحيحة ولغات الإشارة في كل مقراتها".
ويضيف المدني الذي تحدث لـ"الترا فلسطين" من خلال مترجم الإشارة، أن غزة تتعرض للقصف والحروب من الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فإنه من الممكن أن يزيد عدد من يعانون مستقبلاً من الإعاقات المختلفة، لذلك فإنه يتوجب على الشركات التي تقدم خدمات للناس أن تسارع إلى توفير المواءمة بالشكل السليم.
ذوو الإعاقة السمعية لا يجدون من يتحدث إليهم بلغة الإشارة في شركات الاتصالات، فيُضطرون إلى اصطحاب أقاربهم في كل زيارة
ويجد المحامي حمزة دردس (33 عاماً) من ذوي الإعاقة البصرية، أن التقصير في توفير المواءمة سمة عامة في أغلب الشركات التي تقدم الخدمات في قطاع غزة. يقول لـ"الترا فلسطين" إن هناك "ثقافة خاطئة" تسود في هذه الشركات، بأن المواءمة تقتصر على ذوي الإعاقة الحركية فقط، فلا يتم توفير متحدثين بلغة الإشارة، ولا لوحات ناطقة، وحتى المواءمة لذوي الإعاقة الحركية ليست وفق المعايير الدولية الصحيحة، حسب قوله.
شركة "جوال" أجابت على تساؤلاتنا بالتأكيد على أن جميع مقراتها المخصصة لاستقبال الجمهور مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية. وقالت في ردها الذي أرسلته لـ"الترا فلسطين" إنها عملت على تهيئة جميع مقراتها منذ عام 2013 لمواءمة استقبال ذوي الإعاقة، وقد اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك أن "جوال" الشركة الأولى في فلسطين في مواءمة معارضها وخدماتها للأشخاص ذوي الإعاقة.
أما بخصوص الإعاقة السمعية، فالشركة تقول إن هناك مشروعاً تم تنفيذه في الضفة الغربية لتخصيص موظف متخصص في لغة الإشارة في كل معرض من معارضها. تضيف الشركة إن هذه المشروع سيُنفذ في قطاع غزة قريباً، دون أن تحدد سقفاً زمنياً لذلك، لكنها إشارت إلى أنها قدمت "العديد من المشاريع" التي تخدم فئة ذوي الإعاقة، إضافة لمنح دراسية.
شركتا "جوال" والاتصالات ترفضان اعتبار ممرات ذوي الإعاقة الحركية في مقراتهما غير ملائمة، وتتعهدان بتوفير موظفين متخصصين في لغة الإشارة قريباً
حملنا الشكاوى ذاتها إلى شركة الاتصالات، وتحدثنا بعد طول انتظار ومحاولات عديدة مع شاكر أبو عجوة، مدير العناية بالمشتركين، الذي أوضح أن الشركة ترسل موظفاً إلى كل مشترك من ذوي الإعاقة في قطاع غزة في مكان وجوده إذا تم طلب ذلك، مبيناً أنه إذا حضر مشترك من ذوي الإعاقة إلى الشركة فإن الموظف المتخصص في قضيته يتوجه إليه في الطابق الأرضي لتقديم الخدمة له.
اقرأ/ي أيضاً: في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط
ويضيف أبو عجوة، أنه أصبح بإمكان أي شخص من ذوي الإعاقة طلب أي خدمة عبر "شات مباشر" يربطه عبر الانترنت مع موظف خدمات الشركة، ما عدا خدمات الكشف التفصيلي، وعملية فصل الاشتراك، أو نقل ملكيته، منوهاً إلى أن الشركة تجري حالياً دورات إشارة تمهيداً لتخصيص موظف في كل معرض لذوي الإعاقة السمعية.
ويشير أبو عجوة إلى أن الشركة تجري حالياً إعادة تهيئة لمرافق المواءمة القديمة في معارضها، مضيفاً، "تُصنف الإعاقات في الشركة ثلاثة أصناف، الجريح، والكفيف، وذوي الإعاقة بجميع أصنافها، وهم يحصلون على نسبة خصم في فواتير الاتصالات، وعدد المشتركين من الفئة 2600 مشترك من ذوي الإعاقة".
اقرأ/ي أيضاً:
قصار القامة في غزة: صناعة الضحك تخفي أوجاعاً