10-سبتمبر-2020

صورة توضيحية: بدأ إطلاق النار في عهد الدولة العثمانية في المناسبات - gettyimages

درج في الدولة العثمانية عبر تاريخها الطويل الاحتفال بولادة ابنٍ أو ابنة للسلطان. وكان يتم الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة بمظهرين؛ الأول أن يقوم الأهالي بإيعاز من أجهزة الدولة بإطلاق البارود ابتهاجًا وفرحًا لسبعة أيام متوالية إذا كان المولود ذكرًا، وخمسة أيام إذا كان المولود أنثى. أما المظهر الثاني، فيُذبح للذكر خمسة أضاحي وللأنثى ثلاثة1.

كان يتم إرسال كتب رسمية لمراكز الولايات العثمانية للاحتفال بإطلاق النار وذبح الذبائح

هذه الاحتفالات لم تقتصر على العاصمة اسطنبول، بل كان يتم إرسال كتب رسمية لمراكز الولايات العثمانية، اشتملت على أمرين؛ الإخبار بولادة ابن للسلطان يُذكر فيه اسم المولود وتاريخ ولادته، والطلب من مركز كل ولاية تعميم الكتاب على مراكز الألوية والمقاطعات والقصبات والمدن، وضرورة إقامة الاحتفالات بنفس الطريقة.

اقرأ/ي أيضًا: كلمات عثمانية على ألسنتنا

فمثلاً، أُرسل كتاب من مركز ولاية الشام في دمشق مؤرخ 5 جمادى أول 1228هـ. ولأن الدولة العثمانية كانت تعتمد التاريخ الهجري، فقد تم تحويل التاريخ إلى الميلادي من خلال برامج الحاسوب، وجاء موافقًا ليوم 5 حزيران/يونيو 1813م، وهو يفيد بولادة عبد الحميد ابن السلطان محمود خان، وذلك يوم السبت 4 ربيع أول 1228هـ الموافق 7 مارس/آذار 1813م، وهو ليس عبد الحميد الثاني الشهير.

يشير الكتاب إلى أن مركز ولاية الشام قام فعلاً بعمل الاحتفالات المطلوبة، ويطلب من متسلم نابلس إعلان ذلك والقيام بالاحتفالات، واستجلاب الدعوات من الرعايا للسلطان.

وبعد ستّ سنوات، أُرسل كتابٌ آخر مؤرخ 29 محرم 1235ه -الموافق 17 تشرين ثاني/نوفمبر 1819م- إلى مركز متسلمية نابلس، يُخاطب متسلمها موسى طوقان (كان قد ترك المتسلمية وعاد إليها مرة ثانية) وبقية علماء ومدرسين وفقهاء ووجوه وأعيان وتجار البلدة عموماً، يحيطهم علماً بولادة أحمد ابن السلطان محمود خان يوم الخميس 24 ذي الحجة 1234هـ الموافق 14 تشرين أول/أكتوبر 1819م، ويطلب منهم عمل فرح وسرور عظيم بهذه المناسبة لمدة سبعة أيام متواليات.

صورة البيورلدي وتعني المرسوم بالتركية الى متسلم نابلس سنة 1228هـ

لم يقتصر إطلاق النار من المدافع والبنادق على للاحتفال بولادة أبناء السلاطين فقط، فقد كان وجهًا من أوجه الاحتفال بالمناسبات الدينية أيضًا، كالمولد النبوي وقدوم العيد، بالإضافة طبعًا للتواجد في المساجد والاستماع لقصة المولد النبوي وإقامة الذكر وقراءة القرآن، وتزيين الشوارع وتوزيع الحلويات، وقد ورد ذلك صراحة في أحد الوثائق "... ولأجل صلاة العيد يقتضي إطلاق بنادق كثيرة جملة واحدة إشعارًا بدخول وقت صلاة العيد المبارك"2.

امتلاك السلاح كان أحد أوجه الزعامة والقوة والتفاخر حينها، إضافة لاستخدامه في الحماية

وعدا عن الغايات الحقيقية من وراء امتلاك السلاح الشخصي آنذاك؛ كالحماية في حالة السفر للتجار والمسافرين، أو خوف الأثرياء من اللصوص، أو للرعاة في الجبال والسهول البعيدة، أو حتى الناس العاديين. فإنه ليس من نافلة القول أن امتلاك السلاح يعد أحد أوجه الزعامة والقوة والتفاخر حينها، حتى أن بعض الهواة اشتروا البنادق غالية الثمن المطلية والمصنوعة من الفضة.

ولا شك أن كبار القوم والأعيان في الألوية والمقاطعات والنواحي العثمانية، ومن ضمنها فلسطين، قلدوا السلاطين وكبار القادة في امتلاك السلاح والاحتفال بمناسباتهم السعيدة الخاصة. ونظرًا لتوفر السلاح بين أيدي كثير من العامة، فقد انتقل التقليد إليهم، وارتبط إطلاق النار بالمناسبات السعيدة من هنا.

وللحقيقة فإن استخدام البارود وإطلاق المدافع آنذاك في إعلام الناس بخصوص حدث ما؛ مثل قدوم العيد أو ولادة ابن للسلطان أو تعيين والي أو متسلم أو غيره، كان طريقة فعالة أدت الغرض منها. ففي ذلك الوقت لم يكن هناك أي ضوضاء تعيق بلوغ الصوت لأبعد مسافة ممكنة، حيث كان يتردد صدى البارود بين الجبال والوديان.

مؤخرًا، أصبح إطلاق النار في الهواء محل انتقاد شديد بين الفلسطينيين، بعد تسجيل حوادث قتل عن طريق الخطأ خلال إطلاق النار في الأعراس أو في حفلات الثانوية العامة، ما دفع إلى إطلاق دعوات لمحاسبة تجار السلاح والضالعين في استخدام هذه الطريقة في الاحتفال، سواء في الضفة أو قطاع غزة.

صورة البيورلدي بخصوص ولادة أحمد ابن محمود خان سنة 1235هـ

1. مقال: ثقافة الترفيه في الدولة العثمانية

2. الراميني، أكرم، نابلس، ص 177


اقرأ/ي أيضًا: 

"دستور الجن" و"حتتكْ بتتكْ" وخرافات فلسطينية أخرى

عن "قَتْلة" العريس في يوم دخلته