19-مارس-2017

تصوير: محمد عابد (غزة)

في غزة يصبحُ اقتناء الأشياء الجديدة ترفًا بالنسبة لكثير من المستهلكين، مع ارتفاع أسعار السلع بما فيها الملابس، وفي ظلّ حالة الفقر التي يعيشها ما يزيد عن 50% من سكّان القطاع المُحاصر، فيجدُ الناس ضالتهم في أسواق البالة.

في المقابل، يضع كساد سوق البالة، الباعة أمام معضلة كبرى؛ حيث لا مناص من دفع الضرائب، والإيجار وفواتير الكهرباء وغيرها ممن لا يقوون على احتمالها، وبالتالي اتجه الباعة والمستهلكين على حد سواء نحو الأسواق الإلكترونية عبر موقع فيسبوك، هربًا من الأعباء المالية من جهة، وتلبية لاحتياجات محدودي الدخل من جهة أخرى.

 تحظى هذه الفكرة باستحسان ربّات البيوت اللواتي يفضّلن الشراء عبر الانترنت، أكثر من النزول إلى السوق التقليدي 

وللوهلة الأولى يبدو الأمر أنه استثمار أمثل للخصائص التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنّ الوجه الآخر للمسألة يمثّل انعكاسًا لحالة التهاوي التي يعانيها السوق التقليدي، فقد مكّنت أسواق البالة الإلكترونية عامّة الناس من تسويق ممتلكاتهم التي يرغبون ببيعها كالأثاث والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وحتى ملابسهم المستخدمة، سواء لغاية تجارية أو تغطيةً لاحتياج معيّن، رغم أنهم ليسوا متخصصين في علم التسويق.

اقرأ/ي أيضًا: غزة: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

وتحظى هذه الفكرة باستحسان ربّات البيوت اللواتي يفضّلن الشراء عبر الانترنت، أكثر من النزول إلى السوق التقليدي، بدافعين، كما تقول السيّدة سماح المصري (42 عامًا)، الأول: متعلّق بتوفير ثمن المواصلات، والثاني ذا صلة بحفظ ماء الوجه نظرًا للحرج الذي من الممكن أن تتعرّض له السيّدات بدخولهن لسوق البالة الذي يعد قِبلة الفقراء.

وتوضح المصري الأم لسبعة أبناء، أن زوجها متعطل عن العمل، وهي لا تتواني عن الاشتراك في المجموعات الخاصة بأسواق الأدوات المستخدمة لمتابعة العروضات اليومية التي يقدِّمها الباعة سواء من التجار أو الزبائن العاديين.

من مزايا السوق الإلكتروني أنّه يتيح مساحة واسعة للمساومة على أسعار السلع المعروضة، كما تقول إحدى السيّدات    

وتشير السيدة القاطنة شمال قطاع غزة، إلى أنها عرضت فكرة اقتناء جهاز تلفزيون على زوجها قبل أيام وقام الأخير بشرائه عبر التواصل المباشر مع البائع من خلال الرسائل، لافتةً إلى أنّ من مزايا السوق الإلكتروني أنّه يتيح مساحة واسعة للمساومة على أسعار السلع المعروضة.    

أمّا السيدة نبيلة عبد الله (35 عامًا) من سكان مدينة غزة، فلم تتردد للحظة عن طرق أبواب أسواق البالة عبر فيسبوك، حينما واجهتها معضلة اقتناء فستان جديد لحضور حفل زفاف شقيقها، يتناسب ثمنه مع دخل زوجها المحدود.

نبيلة التي تعاني أسرتها من أعباء الديون، دفعت بشقيقاتها أيضًا للحذو حذوها في اقتناء ما يناسبهن من أسواق البالة الإلكترونية، دون تحمُّل تكلفة التنقّل بين الأسواق التقليدية، وبما لا يوقعهن في الحرج نتيجة ارتياد (أسواق الفقراء)، كما تسميها.   

اقرأ/ي أيضًا: جامعات قطاع غزة: تعليم أم تجارة؟

على الجانب الآخر، عبّر التاجر الشاب محمد السنداوي عن رضاه التام، نتيجة حجم الإقبال على الملابس البالية التي يقوم بتسويقها بشكل شبه يومي عبر فيسبوك. فيقول إنّهم لا يضطرون لدفع أرضية مقابل إقامة بسطة في السوق التقليدي، أو إيجار محل، لهذا يعد "سوق الفيسبوك" نعمة ومكسب كبير لهم، في ظلّ حجم الإقبال الكبير على البضائع المستخدمة.

وأكد السنداوي وهو خريج كليّة تجارة، أنّ السوق الإلكتروني سهّل كثيرًا على التجار في عملية البيع والشراء، وأتاح لهم عرض بضائعهم دون عناء، باستثناء التقاط الصور للقطع المراد بيعها وتقديمها للزبائن والردِّ على استفساراتهم من وقت لآخر. ولم ينس بثَّ شكواه من كساد الحركة التجارية في الأسواق التقليدية، التي قال إنه "لا يمكن الاستغناء عنها"، على اعتبار أن جمهوره من المستهلكين هم عامة الناس من البسطاء الذين لا يجيدون كثيرًا استخدام التكنولوجيا. لكنّه عاد وأكدّ على أن أسواق الفيسبوك تتناسب والظرف الاقتصادي السّيء، "حيث تعد الأقل كلفةً، والأوفر حظًا في البيع.

من ناحيته، رأى أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، معين رجب، في هذه الأسواق أنها محاولة للتحايل على الحالة التجارية التي تعاني شللًا ملحوظًا، مُشجّعًا على الاستمرار في هذه التجربة من أجل تطوير ما يعرف بالتجارة الإلكترونية، والإسهام في تنشيط حركة البيع وتصريف السلع المتراكمة بما يلبي احتياجات المستهلكين الذين يعانون من محدودية مقدرتهم الشرائية، ويوفر سيولة نقدية للتجار.

وتقاطع قول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، مع ما قاله التاجر، من أن الأسواق الإلكترونية لا يمكن أن تسحب البساط من الأسواق التقليدية، حيث أن لكل منهما زبائنه، غير أن الأمر مناط بمدى استعادة السوق المحلي لعافيته وتجدد حركته النشطة التي كان عليها قبل تشديد الحصار ومحدودية الدخل وفقدان فرص العمل.


اقرأ/ي أيضًا:

طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة!

في غزة.. أن تُصاب بمرضٍ نفسي فإنها لعنة

بالصور: غزة.. هل يزيل الفن آثار العدوان؟