04-فبراير-2017

صورة تعبيرية - Getty

"لم أكن أعلم معنى الغربة والوحدة والخوف والعجز، إلا عندما سافر زوجي إلى السويد.. لو أني عشت تلك المشاعر الرهيبة من قبل، لما تركته يسافر". هكذا تحدثت العشرينية ميرفت إبراهيم محاولةً تلخيص عذاباتٍ مازالت تعيشها في غياب زوجها، الذي هاجر بحثًا عن حياةٍ أفضل، وتركها تعيش حياةً أكثر سوءًا من تلك التي قضتها بحضوره.

ميرفت واحدةٌ من عشرات الزوجات اللواتي وجدن أنفسهن محاصراتٍ داخل بقعةٍ محاصرةٍ من الأرض هي قطاع غزة، بعد أن هاجر أزواجهن في الفرص النادرة التي أتيحت لهم خلال السنوات العشر الأخيرة، ولا تستطيع أغلبهن حتى مجرد الشكوى والاحتجاج.

كان الاتفاق بين ميرفت وزوجها قبل أربع سنواتٍ أن يؤمّن عملاً ومكان إقامة "محترمين" في السويد، ثم يرسل إليها لتحضر أطفالهما الثلاثة ويلتحقوا به، "وهذا وجه الضيف"، كما تقول ميرفت، كنايةً عن أن الأمور توقفت عند الوعد الذي لم يدخل حيز التنفيذ.

تعيش زوجات المغتربين في قطاع غزة معاناة مع عوائل أزواجهن لا تقتصر على انتهاك خصوصيتهن وحرمانهن من تربية أبنائهن

وتروي ميرفت لـ"ألترا فلسطين"، أنها احتاجت أشهرًا حتى تستطيع التغلب على خوفها، وتستطيع النوم في بيتها برفقة أطفالها الثلاثة، بعد أن أسندها خلال هذه الفترة إخوتها الذين كانوا ينامون في منزلها لتخفيف إحساسها بالوحدة والخوف.

اقرأ/ي أيضًا: من غزة إلى بلجيكا.. مغامرة ينقصها الموت

مشاعر الخوف هذه لم تكن جوهر معاناتها ولا أبرز ملامحها، فميرفت تتحدث عن إيداعها في ما يشبه السجن من قبل عائلة زوجها، التي تكفلت، أول الأمر، بتلبية كافة احتياجاتها وأبنائها، شريطة عدم فتح باب البيت لأي طارق، ولا الخروج من البيت إلا للمستشفى أو منزل العائلة، بل واشتراط عدم ارتدائها "ملابس قصيرة" في منزلها، إذ تعلّق متعجبة من الشرط الأخير، "لمن سأرتدي القصير وزوجي مسافر!".

وتفيد ميرفت، بأن عائلة زوجها ألزمتها لاحقًا بالانتقال مع أطفالها إلى منزلهم، وعللت ذلك بالخوف عليهم والرغبة في حمايتها كونها "تنام في البيت وحدها دون رجلٍ يحميها"، مضيفة، أن هذه الخطوة لم تكن إلا "فاتحةً لمسسل من التعذيب النفسي بالإهانة والشتم، والتأكيد أنها ليست من العائلة كلما حاولت تأنبيت أطفالها والقيام بدورها في تربيتهم".

وتضيف، "أصبح على أطفالي إطاعة جميع أعمامهم والالتزام بأوامرهم لأنهم يحلون محل والدهم"، موضحة، أن هذا الحال دفعها للعودة إلى منزل عائلتها بيت لاهيا، فيما بقي أطفالها في بيت أهل زوجها بمدينة غزة.

ولا تعد ميرفت حالةً فريدةً في قطاع غزة المحاصر، في ظل الإقبال الشديد لدى الشبان على الهجرة بشكل عشوائيٍ وغير شرعيٍ خلال السنوات الماضية، في رحلاتٍ عبر البحر انتهت بالكثير منهم إلى الموت.

وأظهر استطلاعٌ للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية عام 2015، أن 50% من سكان قطاع غزة يفكرون بشكلٍ جديٍ في الهجرة. فيما أظهر تقريرٌ لمركز الإحصاء الفلسطيني نُشر في شهر آب/أغسطس 2016، أن 37% من فئة الشباب في قطاع غزة يرغبون في الهجرة.

وكان تقريرٌ أصدره جهاز الأحصاء المركزي أيضًا، أظهر أن 22 ﺃﻟـﻑ ﻓـﺭﺩ ﻫﺎﺠﺭﻭﺍ ﻟﻺﻗﺎﻤﺔ ﺨﺎﺭﺝ ﺍﻷﺭﺍﻀﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﺔ ﺨﻼل ﺍﻟﻔﺘﺭﺓ 2009-2007، علمًا ﺃﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻌﺩﺩ ﻻ ﻴـﺸﻤل ﺍﻷﺴـﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﺎﺠﺭﺕ ﺒﺎﻟﻜﺎﻤل، وأن 6.7% من الأسر الفلسطينية لديها مهاجرٌ واحدٌ على الأقل.

ولا تتوفر حتى اللحظة معطياتٌ مؤكدةٌ ومفصلةٌ من مصادر رسميةٍ حول أعداد المهاجرين من قطاع غزة خلال العامين الماضيين، إلا أن المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أفادنا بأن أعداد المهاجرين من قطاع غزة تصل سنويًا إلى ثلاثة آلاف شخصٍ، وأنه لا تتوفر حاليًا معلوماتٌ حول أعداد المتزوجين منهم والعازبين.

وتختفي خلف هذه الهجرات التي لم يتم رصدها، العشرات من قصص العذاب المسكوت عنها لنساءٍ هاجر أزواجهن إلى المجهول، إذ أنه في حال عُرف مصير المهاجرين فإنه يصعب عليهم غالبًا تحقيق وعودهم باصطحاب زوجاتهم، كما يصعب عليهم العودة، في ظل استمرار إغلاق معبر رفح وفتحه لفتراتٍ محدودةٍ لمراتٍ معدودةٍ طوال العام.

وتفيد المحامية سهير البابا من العيادة القانونية لمركز شؤون المرأة في غزة، بأن المركز تابع مؤخرًا سبع قضايا في سياق الهجر والتفريقٍ، تنوعت بين الهجر والتعليق، وتطليق لعدم الاتفاق، وشقاق ونزاع، وتفريق للجنون، وضرر من الغياب.

وتوضح المحامية سهير لـ"ألترا فلسطين"، أن قضايا هجرة الأزواج وترك نسائهم تندرج في إطار الضرر من الغياب، مبينة، أنه تم البت في بعض القضايا وإصدار أحكامٍ بالطلاق، لكنها استغرقت وقتًا طويلاً، ولم تصدر الأحكام فيها بسهولة.

استطاعت بعض زوجات المغتربين في غزة الحصول على الطلاق نتيجة غياب أزواجهن لكن بعد عذابات طويلة في المحاكم

وتضيف، أن إجراءات المحاكم في هذه القضايا معقدةٌ، وتتضمن بحثًا دقيقًا وتحرياتٍ واسعةٍ، إذ يجب إصدار أوراق بحثٍ من الشرطة، والمحاكم الشرعية، إضافةً لشهادةٍ من مختار عائلة الزوج تؤكد غياب زوج الشابة المتضررة.

وتتضمن الإجراءات أيضًا إحضار شهودٍ من المرأة يثبتون الضرر الواقع عليها، وكذلك إلزامها بحلف يمينٍ بأن زوجها غاب عنها مدة سنةٍ متواصلة، إذ لا يجوز للزوجة رفع قضيةٍ وطلب الطلاق إذا لم يكن قد مر عامٌ كاملٌ على سفر زوجها خارج البلاد، وهجره لها.

وتحدثت الأخصائية النفسية سالي المصري لـ"ألترا فلسطين"، عن تباينٍ في تعاطي زوجات المغتربين مع الواقع الذي ينشأ عن غياب أزواجهن، موضحة، أن أغلب الحالات التي اطلعت عليها استسلمت فيها الزوجات لشروط عائلات أزواجهن، وبحثن عن إرضائهم تجنبًا للإهاناتٍ والكلامٍ البذيء الذي يصدر عنهن.

وأوضحت، أن حالاتٍ نادرةٍ استطاعت فيها الزوجات معاكسة تيار الأهل، مؤكدة، أن هذا يعتمد غالبًا على طبيعة شخصية الزوجة، ودرجة العلم والثقافة لديها.

وتؤكد سالي المصري أن بعض زوجات المغتربين أصبن بأمراضٍ نفسية وإدمانٍ على "الترامادول" وغيره، هذا إضافةً إلى العصبية الزائدة، محذرةً من أن المشكلة تبدأ أصلاً من إحساسها بالحرمان العاطفي وفقدان الأمان والوحدة نتيجة غياب زوجها، وتتفاقم بالضغوطات التي يمارسها الأهل والمحيط عليها.

اقرأ/ي أيضًا: 

غزة.. و"بديهيات الحب" في "حارة العبيد"

في غزة.. أن تُصاب بمرضٍ نفسي فإنها لعنة

سرطان الثدي قد يعني الطلاق بغزة