لم تنل مني مشاعر الغضب كما يجب، ولم أهتم كثيراً بما أعلنه ترامب عن نقل سفارته إلى القدس، ما يهمني كان بسيطاً جداً، وهو أن يعود كل فلسطيني إلى بيته حياً يوم الأربعاء الفائت. تصريحات ترامب ورؤساء العالم لم تعد تعني لي شيئاً، لم تعد ترعبني.. لم تعد تبهجني. بات كل شيء يقوله هؤلاء بالنسبة لي جزءاً من مسرحية ما.
هذا التلبد العاطفي ليس طبيعياً البتة، وليس لطيفاً أبداً، ولا يستحق التصفيق، لكنه حقيقي، وربما يعاني منه الكثيرون مثلي، ولكنه ولحسن الحظ مؤقتٌ أيضاً، فالتفاعل مع الأخبار ليس له شكلٌ ثابت؛ بل هو أمرٌ متغيرٌ، فأحياناً تكون هذه الأخبار مصدراً جيداً للنكات وأحياناً أخرى تكون مثل فيلم حزين لا نتوقف أمامه عن البكاء.
التفاعل مع الأخبار ليس له شكلٌ ثابت؛ بل هو أمرٌ متغيرٌ، فأحياناً تكون هذه الأخبار مصدراً جيداً للنكات وأحياناً أخرى تكون مثل فيلم حزين لا نتوقف أمامه عن البكاء.
وعلى ذكر البكاء فإنه من المحزن أن يكون تأجج مشاعر الجمهور حول أي قضية مرهون بكمية التداول الإخباري لها، أي أن تكون مشاعر الإنسان في حالة تبعية لمجموعة من "الهاشتاجات" على الفيسبوك أو "الوسوم" على توتير، وأن تحتاج إلى رؤية كمية معينة من هذا وذاك حتى تحزن أو تغضب أو تشعر بجدية الموضوع، ومع كل هاشتاج جديد سينقلك الحب الإلكتروني إلى قصة جديدة تستحق أن تضع فيها مشاعرك!
اقرأ/ي أيضاً: بهذه البساطة: إنها أرضنا
ومثل أي مناسبة اجتماعية فإن مشاركة صور القدس والأغاني الوطنية بات واجاً علينا ممارسته تجاه أنفسنا كفلسطينيين وتجاه البلاد المحتلة. واجب اجتماعي بحت له طقوسه التي يتبعها الجميع بدقة، ومثلما تجري العادة أن يزور الناس بعضهم في الأفراح و الأتراح، فإن الممارسات الالكترونية شبيهة جداً بذلك من حيث نشر ذات الصور وذات التعليقات التي تحمل التصور المجتمعي لمشاعر الغضب أو الحزن الذي يتوجب علينا مشاركته مع الآخرين في هذه المناسبة.
الموضوع ببساطة أن أصدقاءك على الفيسبوك لن يصدقوا أنك تجيد الطبخ، إلا اذا شاركت صور طعامك معهم، ولن يصدقوا أنك بخير وأنك تقضي نهاية أسبوع سعيدة، إلا عندما تشاركهم صور سعادتك، ولن تتخيل ما قد تعكسه مشاركتك دعاء يوم الجمعة عن درجة إيمانك، ومثلما قد يتساءل الناس عن السبب وراء قلة استعراضك لحياتك الشخصية فإنك معرض أيضاً للاستجواب حول تفاعلك الإلكتروني مع القضايا الوطنية، عليك أن لا تكون مقصراً في حب البلاد إلكترونياً أيضاً.
ومع كل هذا التشويش العاطفي الذي أصابتنا به مواقع التواصل الاجتماعي، فإن العجز الحقيقي لم يعد عجزاً عن المشاركة الحقيقية في الأحداث بل عن الشعور الحقيقي بها، حيث أصبحت المشاركة في الحدث تأتي بهدف مشاركة الصورة إلكترونياً. إذن بات الواقع مادة تُصنع وفقاً لما يناسب الافتراضي ويلبي احتياجاته، وإذا كانت احتياجات الافتراضي أو نجاحاته مرهونة بنسب مشاهدات أو أعداد "اللايكات" فإن الواقع سيُصمم بما يكفي لحدوث ذلك وسيتوقف عنده، لذلك سهُلَ علينا الانتقال من مشاعر الغضب من الواقع، إلى الوقوع في حب الصورة التي التقطناها لنُظهر غضبنا من هذا الواقع!
اقرأ/ي أيضاً:
عن الدعوة البائسة للغضب: أن تكون عبداً للقانون