20-أبريل-2019

ينص القانون الأساسي الفلسطيني على أن نظام الحكم في فلسطين نظامٌ ديمقراطيٌ نيابيٌ يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، ويُنَتَخبُ فيه رئيس السلطة الوطنية انتخابًا مباشرًا من قـبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني، وينص أن الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.

وانبثق النص الدستوري المبين أعلاه مما جاء في إعلان الاستقلال الفلسطيني في عام 1986 بأن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستورٍ يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل، وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون.

خلال 50 سنة، تولى رئيسان رئاسة منظمة التحرير مقابل 10 رؤساء وزراء لـ إسرائيل و10 رؤساء لأمريكا

أُقيمت منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، وخلال الأعوام الخمسة الأولى لنشوئها تداول شخصان على رئاستها، الأول هو أحمد الشقيري، والثاني يحي حمودة. منذ تاريخ 4 شباط 1969 ولغاية اليوم، أي خلال خمسين عامًا لم يتداول على رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية سوى رئيسين، هما الرئيس الراحل ياسر عرفات والرئيس محمود عباس، بينما تداول مثلًا على حكم إسرائيل خلال ذات الفترة أكثر من 10 رؤساء وزراء هم: ليفي أشكول الذي أنهى ولايته في ذات العام، وييغال ألون، وجولدا مائير، وإسحاق رابين، ومناحم بيجن، وشمعون بيريز، وإسحاق شامير، وإيهود باراك، وأرئيل شارون، إيهود أولمرت، وبنيامين نتنياهو، تداول بعضهم الحكم أكثر من مرة. وتداول خلال الفترة ذاتها على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية 10 رؤساء، حكم بعضهم أكثر من ولاية رئاسية متتالية.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة الوداع الفلسطيني

ليس من العدل مقارنة المنظمة بدولة، فقد كانت حتى عام 1993 ثورة، بعد ذلك أُقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية، وأصبحت للفلسطينين لأول مرة سلطةٌ على الأرض وقانونٌ يكفل إنشاء نظامٍ ديمقراطيٍ مبنيٍ على فكرة تداول السلطة، وجرت في عام 1996 أول انتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعيةٍ، وفاز الرئيس عرفات بمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وبعد وفاته جرت في عام 2005 انتخاباتٌ للمرة الثانية منذ نشوء السلطة الفلسطينية، وانتُخِبَ بموجبها محمود عباس رئيسًا، وما زال منذ أربعة عشر عامًا يتولى ذات المنصب استنادًا الى هذه الانتخابات، فخلال ربع قرن منذ نشوء السلطة كان يتوجب أن تجري خمس دوراتٍ انتخابيةٍ بعد عام 1996، ومع ذلك لم تُقام الانتخابات سوى مرتين.

القانون الأساسيُّ حدد نظام الحكم في فلسطين أنه حكم ديمقراطي، وأن مدة كل دورةٍ انتخابية هي أربع سنوات، ولا يجوز لرئيس السلطة أن يتولى الحكم أكثر من دورتين، فهي المدة التي يمكن أن يبقى فيها أي رئيس في الحكم دون أن تمد جذوره عميقًا في مؤسسات الدولة، وهذا ما دفع صناع الدساتير في الدول الديمقراطية لمنع الولاية أكثر من دورتين انتخابيتين.

ما يميز بين فهمٍ دستوريٍ للحكم بأنه ديمقراطي وبين نظام حكمٍ يوصف على أرض الواقع بأنه ديموكتاتوري، أن هذا الحكم جاء بطريقة ديمقراطية واستمر بطريقة ديكتاتورية، فكلمة ديكتاتوري هي شكلٌ من أشكال الحكم المطلق، وتكون سلطات الحكم محصورة في شخصٍ واحدٍ كالملكية أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو ديكتاتورية عسكرية.

الديموكتاتورية الفلسطينية تقصي خصومها السياسيين بالقانون والمحاكم وليس بطريقة دموية

الديموكتاتورية هي طريقة الحكم في الكيان الفلسطيني، فقد تم الوصول الى الحكم من خلال انتخابات نزيهة وشفافة، وتم التصويت للمتنافسين بحريةٍ تامةٍ دون إكراهٍ ودون ضغط، وبقي الحاكمان يتمتعان طيلة فترة حكمها بتأييدٍ واسعٍ يتيح لهما تولي الحكم لولايةٍ ثانيةٍ بطريقةٍ ديمقراطية، ومع ذلك فضلا ولاية حكمٍ تبدأ بانتخاباتٍ وتُبقى شرعيتهما مستمدة منها ما داما على قيد الحياة، وبالتالي شيدت فلسطين نوعًا جديدًا من الحكم لا يمكن وصفه بالديمقراطي ولا يوصف بالديكتاتوري، بل مزيجًا بينهما يعرف باسم الديموكتاتورية.

الديموكتاتورية الفلسطينية لا ترفض وجود فصائل وأحزابًا سياسية أخرى وتسمح لها الى حد ما بممارسة حرية التعبير، وتقصي خصومها السياسيين بالقانون والمحاكم، ولا تقوم بتصفية الخصوم بطريقةٍ دمويةٍ على غرار ما يجري في الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، فلم يسجل في تاريخ النظام السياسي منذ نشوء السلطة لغاية اليوم أن استخدمت التصفية الجسدية كوسيلة تجاه أشد الخصوم السياسيين، بل يستخدم القانون -وإن كان أحيانًا بطريقة غير عادلة- لإنهاء الخصوم، فالمحاكم وغير ذلك من الوسائل غير العنيفة وسيلة لإزاحتهم من الطريق.

لا أحد يعرف مستقبل النظام السياسي الفلسطيني إن كان سيتحول إلى نظامٍ ديمقراطي أم دكتاتوري، فالمرحلة خطيرة، ولا يوجد مجلس تشريعي كما كان الحال حين استلم الرئيس عباس الحكم، ولدينا محكمة دستورية قادرة على تحليل ما حرمه الدستور، وبالتالي تزداد الخشية من انهيار هذا النظام المهجن لصالح نظامٍ يفتقر لأبسط قواعد الديمقراطية، ما لم يبادر الرئيس لدفع سفينة الانتخابات وقيادتها، ويعاد بث الروح في النظام السياسي من جديد، فنظام حكم ديموكتاتوري يتم تجديده أهون بكثيرٍ من نظامٍ دكتاتوري يسلب الحقوق والحريات ولا يبقي شيئًا من رائحتها، وهذا ما لا نتمنى تجريبه إن كان يتعذر علينا العيش في نظام ديمقراطي.


اقرأ/ي أيضًا:

"إثارة النعرات الطائفية" تهمة فلسطينية بلا مواصفات

كراج بكدار المزدحم

هيئات الدولة أم الفيسبوك؟