15-أكتوبر-2017

تحت عنوان "الدين والسياسة والمجتمع في إسرائيل: التحولات الأخيرة في الصهيونية"، عقد برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت، وبالتعاون مع المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية – مدى الكرمل، يومًا دراسيًا لرصد وبحث التحولات الأخيرة التي يشهدها المجتمع في إسرائيل فيما يتعلّق بعلاقة الدين بالدولة، بالمجتمع وبالمؤسسات الرسميّة، وتتبع أثر هذه التحوّلات على الخطاب الإسرائيلي والمؤسسات الإسرائيلية، وصولًا لاستشراف المآلات المستقبليّة لما سمّي بعودة الدين إلى الحيّز العام.

 التحولات الجارية داخل المجتمع الإسرائيلي، من الأقل تطرفًا إلى الأكثر تطرفًا، كلُّها تصبُّ في مكانٍ واحد، أو تتجلى فيه: المسجد الأقصى

اليوم الدراسي الذي انعقد في جامعة بيرزيت، شهد مشاركة نخبة من الباحثين الأكاديميين، إضافة إلى جلسة خاصة لطلبة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية وبرنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية في جامعة بيرزيت، وناشطين حقوقيين في قضايا الأرض والمسكن وحقوق الإنسان في الداخل المحتلّ. وبين الأوراق البحثية الأكاديمية المقدّمة، والأوراق التي استعرضت بعض السياسات الإسرائيليّة النابعة من التحوّلات الدينية الأخيرة في إسرائيل على أرض الواقع، سعت المداخلات إلى تبيان صيرورة عودة الدين إلى الحيز العام، ودور هذه العودة في تكريس سياسات عنصرية متطرفة، في السياسات الداخلية والخارجية الإسرائيلية، وخصوصًا تجاه أراضي عام 1967 والفلسطينيين عمومًا.

وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أكد د. طلال شهوان، عميد كلية الدراسات العليا في جامعة بيرزيت، على أهمية دراسة هذه التحولات لما لها من أثرٍ على الحاضر والمستقبل، ولما لها من أثر هام ومباشر على تفاصيل حياتنا اليومية "كشعب يخضع لاستعمار استيطاني، طال أمده وقلّ نظيره".

وشدد شهوان على أهميّة برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية "كأحد البرامج الهامة في فلسطين والمنطقة العربية"، التي تهدف إلى تخريج باحثين أكاديميين قادرين على دراسة ظواهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وقضايا أخرى في المجتمع الإسرائيلي، وذلك في سياق دراسات الاستعمار الاستيطاني.

وفي السياق ذاته، أكد مدير المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية – مدى الكرمل، د. مهند مصطفى، أن هذا اليوم الدراسي يسعى لتقديم مقاربات نقدية وتحليلية جديدة في موضوع الدين والدولة في إسرائيل، وما نريده ليس فقط دراسة علاقة الدين بالدولة، كمسألة عامة، بل أن نفهم علاقة الدين بالدولة في ظل خصوصية الحالة الإسرائيلية، أي، هل هنالك خصوصية للحالة الإسرائيلية تميّزها عن كل التحولات الجارية في العالم في موضوع عودة الدين إلى المجال العمومي؟.

وتوزع اليوم الدراسي على أربع جلسات تحت عناوين مختلفة، وقد أدارت الجلسة الأولى منها "مقاربات سوسيولوجية للدين والسياسة في إسرائيل"، الدكتورة لورد حبش، وتحدث فيها كل من الدكتور خالد الحروب، الباحث في مركز الدراسات الإسلامية في جامعة كامبريدج، ومديرة مركز "مدار"، هنيدة غانم، والأكاديمي الفلسطيني المتخصص في دراسات التربية والمجتمع والثقافة، د. أيمن إغبارية. أما الثانية، التي حملت عنوان "الدين، السياسة والمجتمع في إسرائيل: مواقع التوتر والتكيف"، فقد تحدث فيها كل من الباحث الفلسطين أنطون شلحت، ومدير مركز مدى الكرمل، مهند مصطفى، والمحامي الفلسطيني علاء محاجنة.

وأدار الجلسة الثالثة، تحت عنوان الدين والعقيدة الأمنية في المشروع الكولونيالي الصهيوني، د. سامي محاجنة، وتحدث فيها كل من الباحث الفلسطيني أشرف بدر، الذي قدم ورقة بعنوان المتدينون اليهود في الجيش الإسرائيلي، والباحثان في برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية، أحمد سعيد قاضي، ولينا أبو الحلاوة. أما الجلسة الرابعة والأخيرة، فقد قدّمها رئيس برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية، د. منير فخر الدين، بعنوان "مقاربات نقدية لنقاش الدين والسياسة في إسرائيل".

وتحت عنوان "علمنة المقدس وتحريره: المسجد الأقصى في الخطاب الصهيوني- الديني الراهن"، بيّن مدير مركز مدى الكرمل، مهند مصطفى، أنّ جميع التحولات الجارية داخل المجتمع الإسرائيلي، من اليسار إلى اليمين، ومن الأقل تطرفًا إلى الأكثر تطرفًا، كلُّها تصبُّ في مكانٍ واحد، أو تتجلى في هذا المكان، وهو المسجد الأقصى.

ويعتقد الباحث أنّ السؤال الأساسي اليوم هو "لماذا تحول الأقصى إلى مركز الخطاب الصهيوني في السنوات الأخيرة؟"، وهو السؤال الأكثر أهمية بنظر الباحث "لأن له تداعيات على المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى قضيّة مركزية أخرى"، التي تحيل إلى سؤال أكثر أهمية وهو: "هل تحدي المشروع الخلاصي الصهيوني في القدس، يكون بإنتاج مشروع خلاصي آخر إسلامي في القدس؟".

وعن هذين السؤالين، يخلص الباحث إلى أن الأقصى، كالقضايا المقدّسة الأخرى بالنسبة للحركة الصهيونية والتيارات الدينية الحريدية والصهيونية القومية، قد كان أحد المقدسات التي تمت علمنتها وكان هناك إجماع بالابتعاد عنه من الحركة الصهيونية والتيارات الدينية الصهيونية. إلّا أنّه وبعد احتلال عام 1967، كانت قد بدأت المحاولات للاقتراب منه والسيطرة عليه، من خلال تفجيره أو حرقه، والتي توّجت بحركة يهودية إرهابية لتفجير الأقصى في أوائل الثمانينات وهي العملية التي تم إحباطها من قبل المخابرات الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: بشارة: حرب 67 هي التاريخ الحقيقي لنشوء إسرائيل

يبيّن الباحث أن هذه المحاولات جميعها، تختلف عن المحاولات الجارية اليوم للسيطرة على الأقصى، وذلك على ثلاثة مستويات: الأول، أن محاولات السيطرة السابقة، كانت عبارة عن محاولات فردية، تجري خارج الدولة والمؤسسة الرسمية، أمّا اليوم، فإن العمل هو عمل مؤسساتي، وبكلمات أخرى "دولة إسرائيل مجنّدة بالكامل للسيطرة على المسجد الأقصى". ثانيًا: كانت فكرة محاولة السيطرة على الأقصى هزلية وغريبة، أما الآن، فهناك إجماع على فكرة السيادة عليه. ويوضح الباحث أن "فكرة السيادة تتمثّل بالاحتلال، بالاستيطان، وبتغيير المعالم. والمستوى الثالث، هو مستوى المسوّغات الثيولوجية، الذي بدأ في شهر شباط/ فبراير 1996، بفتوى هي الأولى من نوعها في تاريخ اليهودية، في مجلس حاخامات المستوطنين، تسمح لليهود بالصعود لـ "زيارة الحرم القدسي"، وهي الفتوى التي تعتبر ثوريّة إذ قلبت كل أسس التعامل مع مسألة الأقصى الشريف، لأنها كرّست الاقتراب منه روحانيًا، وشرعنته دينيًا وفيزيائيًا.

وعودة لفكرة السيادة، يؤكد الباحث أن التحول الكبير والمفصلي قد حدث بعد حرب 1967، التي يرى عديدون أنّها شرعنت الوجود الإسرائيليّ في عام 48. ولكن التيار الديني رأى أن احتلال 1967 هو المشروع الصهيوني الحقيقي، وتتجلى حقيقة هذا المشروع بالسيادة اليهودية الكاملة على مناطق 1967.

وهنا، يقول الباحث "أنه وعلى الرغم من كل انتقاداتنا لأوسلو، فإن أوسلو قد ضرب كلّ المنظومة الخلاصية للتيار الصهيوني الديني. إذ رأى هذا التيار أن عملية الخلاص اكتملت، على أرض الواقع، من خلال السيطرة على القدس، الخليل، أريحا". وفي هذا الإطار، فإن أوسلو، كما يعتقد الباحث، قد ضرب فكرة السيادة اليهودية وليس السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية عندما تسلّمت السلطة الفلسطينية سيادة على بعض الأراضي الفلسطينية، وهنا، كان ردّ التيار الصهيوني الديني بالمغالاة في التصوّر الخلاصي الصهيوني الديني وتركيزه في الأقصى.


اقرأ/ي أيضًا:

ما بعد إسرائيل.. تشريح الذات الصهيونية

الدراسات الثقافية الفلسطينية.. أداة مقاومة

ماجستير الدراسات الإسرائيلية ببيرزيت: أول من نوعه