21-مايو-2017

انطلقت في العاصمة القطريّة الدوحة، السبت 20 أيار/ مايو، أعمال مؤتمر "خمسون عامًا على حرب حزيران/يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها"، بتنظيم من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على أن يستمرّ لثلاثة أيّام.

وناقش الدكتور عزمي بشارة في المحاضرة الافتتاحيّة، فقر المصادر والدراسات السياسية العسكرية العربية في تحليل دواخل حرب 1967، والنتائج التي طرأت على المنطقة بشكلٍ سريع، وتخصص في ذكر الهزيمة، وإمكانية الصمود وردع العدوان دونَ الحاجة لوجود سلاحٍ جوي وقتها، وكيف لعبت الأيديولوجيا دورًا أبطأَ الدراسات التي من المفترض أن تحلل الحرب.

يُلاحظ أنّ هناك قلة من دارسي النكسة الأكاديميين والسياسيين العرب، مقابل الأدبيّات الإسرائيليّة التي لا تنتهي في الموضوع

وتساءل عن سبب قلّة عدد دارسي النكسة الأكاديميين السياسيين العرب مقابل أدبيات إسرائيلية أو حتى بريطانية وأمريكية لا تنتهي في نفس الموضوع، وكيف كان من الصعب إيجاد عرب متخصصين قادرين على الكتابة العلمية في هذا الموضوع للحدث الذي لربما هو الأهم في تاريخ المنطقة في آخر نصفِ قرن.

ورأى بشارة أنّ حرب 1967 والتي احتلت فيها إسرائيل باقي أراضي فلسطين التاريخية والجولان السوري، كانت نقطة التثبيت لوجودِ إسرائيل على الأرض، وليس يوم نكبة 1948، بحيث انتصر في هذه الحرب جيش الاحتلال بسلاحٍ فرنسي على الجيوش العربية، وتدفقَ بعدها الدعم الأمريكي لإسرائيل وتغيرتْ سياساتها الاقتصادية واختلفت بعدها المرحلة العربية والفلسطينية.

بشارة: حرب 67 كانت النقطة الفعليّة لتثبيت وجود إسرائيل على الأرض

لم تتلخص الحربُ لدى بشارة بالفرق الذي يراه الجميع في العتاد والسلاح، بل يشير إلى تناسي الباحثين لفرق العددِ المهول الذي جمعت فيها الهاغاناه، أعدادًا تفوق الجيوش العربية. كما أنّ مفصلية الحرب لدى العدو الإسرائيلي كانت لمقولةٍ أشار لها بشارة، وهي مقولة أول رئيس وزراء إسرائيلي، دايفيد بن غوريون، الذي أصرّ أن حرب 1948 لم تكن كافية لتقنع الإسرائيليين بانتصارهم على الفلسطينيين، فوجبَ وجود حروبٍ أخرى تثبتُ النصر؛ وهذا كان دورَ حرب 1967 التي دخلها الإسرائيليون بقوة وجاهزية ليُثبّتوا قدمهم في المكان، ما أدّى إلى تدفق اللاجئين اليهود إلى إسرائيل بأضعاف ما كانوا عليه، واختلاف النظرة التي تقدمها إسرائيل عن نفسها في العالم. فلأول مرة تستخدم إسرائيل في دعايتها، الهولوكوست 1933 للترويج عن نفسها، فأصبحت بعد النكسة هي الدولة الوريث لضحايا المحرقة والتي تحتويهم وتدافع باسمهم.

"أولى مراحل تمويه الهزيمة العربية كان بتلطيف اللفظة بحد ذاتها لتحويله إلى "نكسة"، وكأنَّ الأمر يتعلق بزلة محزنة لأنظمة تسير على طريقٍ صحيح"

يسردُ بشارة بدقة مرحلتين من التمويه العربي الذي تم للهزيمة، فيقول "إن أولى مراحل تمويه الهزيمة العربية كان بتلطيف اللفظة بحد ذاتها لتحويله إلى "نكسة" وكأنَّ الأمر يتعلق بزلة محزنة لأنظمة تسير عمومًا على طريقٍ صحيح، وبحسب هذا التصوير أن لكل مسيرةٍ عظيمةٍ نكسةً أو نكسات، مثلما لكلِ حصانٍ كبوة. والتمويه الثاني العربي كان بقلب الهزيمةِ انتصارًا لأن إسرائيل لم تنجح بإطاحة ما سميَ بالأنظمة التقدمية، وأن كل ما استطاعت فعلهُ هو احتلال الأرض فقط، فهذه فضيحةٌ تستحقُ كتبًا وأبحاثًا في تحليل البلاغة السياسة العربية التي تستبيح سائر المعايير العقلية والذهنية".

ويكمل أنه بعد الاعتراف بالفشل العسكري أصبح هناك حالة عربية من تحويل القدرات والعتاد العسكري الإسرائيلي إلى أسطورة في العظمة، ما يخفف شعور الهزيمة، ويشمل الترويج لمؤامرة صهيونية عالمية، وحالة التهويل هذه أدت، حسب بشارة "إلى ما استُخْدِمَ لاحقًا في عملية تصفية القضية الفلسطينية وتبرير عمليات السلام المنفردة بأنه إذا كانت إسرائيل تمتلك هذه القوى الخارقة، يصبح أي فتاتٍ تقدّمهُ على مائدة المفاوضات إنجازًا مُهمًا".

البحث في أسباب الهزيمة، والتساؤل عن الإخفاقات العسكريّة كان من المحظورات، لأنّه لا بُدّ أن يمسّ الأنظمة القائمة

اختلفت التيارات في الردود المختلفة، لكن الاعتراف بالهزيمة كان من التيارات المعارضة بالدرجة الأساسية، بكونها هزيمة للأنظمة ولكنها أيضًا لم تبحث في الأسباب الجديّة للهزيمة، فأصبح التدقيق الجدي، حسب بشارة، هو من المحظورات، وأصبح من الممنوع التساؤل حول الإخفاقات العسكرية والتخبط في صنع القرار السياسي، لأنه لا بدَّ أن يمسّ ممارسات أنظمةٍ ظلت قائمةً بعد الهزيمة، وأي نبش في دفاترها ومستنداتها يعني التعرض لقياداتها.

اقرأ/ي أيضًا: تحولات مهمة في فلسطين (1): الانقسام ومشروعية المؤسسات السياسية

يقول بشارة "يكتفي من يقاربون موضوع الحرب عسكريًا وليس إيديولوجيًا بالقول إن إسرائيل حسمت المعركة من الجوّ حين أبادت سلاح الطيران المصري المرابط في المطارات، ولكن حتى جيوش الأنظمة غير الديموقراطية والمتخلفة والقمعية يمكنها الصمود على نحوٍ أفضل بعد سماع دوي الطيارات، والمقاومة في أنحاء العالم كله، ومنها مقاومات عربية في غزة وفي لبنان تثبت أنه بالإمكان الصمود دون سلاح طيران، وربما لا يمكن تحقيق انتصار ولكن يمكن ردع العدوان والصمود، وهذه كلها أمور متعلقة بفهم النسبة بين قدرات العدو والقدرة الذاتية، وتكييف مناهج القتال وأساليبه، وثمة أمور يجب أن تُدرّس ويستفاد منها".

مع فقر الدراسات العلمية بعد الحرب، إلا أن الأيديولجيات تيارٌ مهم في الأبحاث التي طرحت، والتي تبرز كلٌ منها تميز أيديولوجيا عن الأخرى، العلمانية الدينية الشيوعية الماركسية وغيرها، وأنه لو اتبعَها النظام لكان الانتصار في الحرب، إلا أنه من الضروري حسب بشارة النظر للحرب بدقة وصرامة عمليتين، "فالهزيمة لم تكن حتمية، لا لسببِ حضارتنا و"تخلفنا"، ولا لسببِ غياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية، كان بالإمكان في وضع الأنظمة العربية فيما كانت عليه ألا يسقط الجولان هذا السقوط المدوي"، ويشيرُ بهذا أن أحد أوجه المشكلة غياب العلاقة الضرورية بين المستوى العسكري والسياسي، وفي العلاقة بين القدرات العسكرية وعملية صنع القرار السياسي، ووضع الجيوش العربية وتدريبها وتسليحها ووسائل اتصالها ولماذا تضع خططاً لا تنفذ؟

اقرأ/ي أيضًا: القومجيون العرب كمصيبة عربية!

هذه الأيديولوجيات المختلفة كان من الممكن أن تتوافر لدى أيٍّ منها شروط الحرب الحديثة في عصرنا، والتي إن تحررنا من نقاش تفوقها في 1967 سيصبح من الممكن رصد الإخفاق العسكري، والذي لا يُدرَس.

ويشير بشارة هُنا، لما أسماه "صدمة الحداثة" التي تعرض لها عديدون بعد تهويل إسرائيل وعتادها وسلاحها ودولتها، التي غالبًا ما استخفوا بها في السابق وعدّوها كيانًا هشًا مؤقتًا باعتبارها عصابةً صهيونيةً حاكمة لا تشكلُ شعبًا وأمةً في زمنِ انتشار القومية العربية، وكان هذا مبررًا أمام العديد من الأنظمة العربية لتبرير توقيع اتفاقيات السلام قبل الوصول لحل لمشكلةِ فلسطين.

وناقش بشارة في محاضرته، "الضحية والمجرم في القضية الفلسطينية الإسرائيلية"، والتي لعبت فيها إسرائيل دور الضحية بامتياز عندما ربطت نفسها بضحايا الهولوكوست وتاريخ اليهود في أوروبا.

العالم قد يتعاطف مع الضحية، لكن لا يتنصر لها

وأشار إلى أنّه "لكن لا حاجة إلى عبقرية خاصة لندرك أن ما يعَبَرُ عنهُ من ألفاظ مثل العالم أو المجتمع الدولي وغيرها من المصطلحات الضبابية نتيجتها ربما يتعاطف العالم مع الضحية، وتحديدًا ضحية تقاوم، لكنّه لا ينتصرُ لها، والشعب الفلسطيني بالتأكيد ضحية لمشروعٍ استيطاني كولونيالي وقد أصبح ممكنا تحقيق التعاطف الدولي معه بعد أن انتزع زمام المبادرة وناضلَ ضد الاحتلال، ولكن من الصعب على العالم أن يفهم أن الدول العربية كلها بأنظمتها وثرواتها عبارة عن ضحية".

"المنتصر عسكريًا وفي مجالاتٍ مختلفة يجد من يتعاطف معه، ويعجب به، حتى وإن تعرضَ للشيطنة سابقًا، فهو حققَ ما يمكن الدفاع عنه"، لهذا ينصح بشارة المهزوم بالتخلي عن لعب دور الضحية ويكونَ أكثر عقلانيةً وواقعية في هذه المرحلة، ليبحث عن عناصر القوة التي تمكنه من التفوق والانفصال، وهذا دون نسيان أهمية فحص أسباب الهزيمة.

ويختم قائلًا "إن طرح قائمة بمعايير أيديولوجية وحتى قيمية ليس كافيًا، ومن يريد التغيير لا يكفي أن يكون مع الحرية والعدالة، يجب على من يعمل في السلطة أن يتقن العمل مع مؤسسات تتقن إدارة العمل بالدولة والاقتصاد والسياسة الخارجية والحرب والسلام.


اقرأ/ي أيضًا: 

من ذاكرة الهزيمة

عزمي بشارة: المدينة الغائبة

كأننا..