في مسافر بني نعيم، وبين سفوح الخليل، انتشرنا ملتقطين كاميراتنا باحثين عن تلك السوسنة الفريدة، سرنا في جولة جبلية قرابة 15 كيلومترًا، في محاولة لالتقاط صور لها وتوثيقها للمحافظة عليها إرثًا ورمزًا فلسطينيًا، تزامنًا مع فعاليات يوم الأرض.
تحوي فلسطين 20 نوعًا من السوسن، أشهرها سوسنة فقوعة وبني نعيم، ولهذه الزهرة أبعاد وطنية تتعدى جمالها الآخّاذ
اجتمعنا عشرات المصورين من الملتقى الفلسطيني للتصوير والاستكشاف بين صحفي وهاوٍ، بالشراكة مع جمعية الحياة البرية ووزارة السياحة، هدفنا واحد، هو التمسك بزهورنا البرية من خلال الصورة التي يمكنها أن تصل لأبعد الحدود الجغرافية، وتدحض كل محاولات التهويد التي تجري عليها.
لا يتوقّف الاحتلال عن محاولة السيطرة على موروثنا الفلسطينيّ، ومنذ عام 2013 اعتمدت "إسرائيل" زهرة (شقيقة النعمان/ شقائق النعمان) زهرة وطنية لها، وتصدّر اليوم منها 60 ألف شتلة سنويًا، بادّعاء أنّ الموطن الأصليّ لهذه الزهرة، هو "أرض إسرائيل"، كما أنّ مركز معلومات النبات الإسرائيلي "روتم" اتَّخذ هذه النبتة شعارًا له، حسبما تحدّث الخبير في التنوع الحيوي بنان الشيخ.
اقرأ/ي أيضًا: صور | كلابٌ مدللة في غزة
تتميز هذه السوسنة بلونها البُنّي القاتم، ويترواح طول ساقها بين 25-35 سنتيمترًا، وتتكون من عدة بتلات ناعمة تلتف على بعضها البعض، تتوسطها بعض البقع الصفراء، وتمتدّ فترة حياتها من بداية آذار/مارس إلى أواخر نيسان/ ابريل، وتعرف بقدرتها على الصمود في ظلّ الظروف القاسية، ودرجات الحرارة المرتفعة.
وتُعرّف موسوعة ويكيبيديا السوسن Iris، بأنّه جنس نباتيّ ينتمي للفصيلة السوسنية، ويزرع لأزهاره الجميلة التي ينتشر معظمها في العالم القديم، ويوجد منه أكثر من 40 نوعًا في بلاد الشام. وهو نوع مُعمّر شتويّ، أزهاره بشكل قوس قزح بنفسجية أو بيضاء اللون ذات رائحة خفيفة، ويُزرع في الحدائق في أماكن نصف ظليلة أو مشمسة، ونادرًا ما يُزرع في أصص.
إن أردت زهرة تستطيع أن تنمو في الظروف الصعبة، فالسوسن هو الخيار المُفضّل
تحتوي فلسطين على 20 نوعًا من السوسن، أشهرها ذات اللون الأزرق، وسوسنة فقوعة التي اعتمدها مجلس الوزراء، الزهرة الوطنية لفلسطين العام الماضي، وسوسنة بني نعيم القاتمة، ولهذه الزهرة أبعاد وطنية تتعدى جمالها الآخّاذ، فهي الرمز الذي يتكون منه شعار الكشافة الفلسطينية.
أخذت السوسنة القاتمة اسمها من بلدة بني نعيم، موطنها الأساسي، حيث تتميز هذه المنطقة باحتوائها على ثلاثة نظم مناخية، وهي: البحر المتوسط، حفرة الانهدام، والسفوح الشرقية، وفي كل نظام منها تنوع بيئي يختلف عن الآخر، لكن السوسنة تنتشر على مستوى السفوح الشرقية، إضافة لمناطق تياسير والحمرا والجفتلك وكفر مالك وتقوع والعوجا، ولهذا يسميها البعض "سوسنة الشفا الغوري".
اقرأ/ي أيضًا: الصيادون في غزة.. عُزلة وحربٌ في الظلمات
جامعة القدس أسست ومنذ نحو عشر سنوات، مشروع حديقة التنوّع الحيوي، وأدخلت عليها عام 2009، نبتة سوسنة بني نعيم القاتمة. ويقوم الطلبة بجمع عيّنات من مختلف أجزائها لتحليل المادة الوراثية ودراسة العائلة والجنس والخصائص الطبيعية، إضافة لمحاولات زراعتها في بيئات مختلفة وإجراء التعديلات الجينية عليها بهدف التقليل من خطر الانقراض الذي يحدق بها.
ويقول المحاضر في قسم الأحياء بجامعة القدس، خالد صوالحة، إنّهم ينظّمون جولات علمية بشكل دوري لتحديد مواقع تواجد النبتة وأماكن انتشارها على الخريطة، ورصد التغيّرات التي تطرأ على مواطنها.
اقرأ/ي أيضًا: بالصور: الببغاء في فلسطين مهاجرة.. ما هو أصلها؟
المخاطر التي تجعل من هذه الزهرة مهددة بالانقراض، تتمثّل في الرعي الجائر، والقطف العشوائي من الأطفال والعائلات، إضافة إلى أنّ يرقات الحشرات تتغذى على عنق الزهرة، وبالطبع الزحف العمراني للمدن على مناطق انتشارها، وفقًا لمدير جمعية الحياة البرية عماد الأطرش.
ويقول الأطرش في هذا السياق إنّ دورهم دور توعويّ بالدرجة الأولى، حيث يعملون على مشروع المحميّات الطبيعيّة والسياحة البرية بالشراكة مع مؤسسات أجنبية وعربية، ويتعاونون مع مصورين ووسائل إعلام لنشر الفكرة حول أهمية هذه الأزهار، للحافظ على تواجدها في أماكنها الأصلية.
وبعد أن اقتربنا من نهاية المسار، الذي سلكناه طوال أربع ساعات ونصف، التقينا "سوسنتنا" على رأس التلة، فكانت السوسنة الأخيرة في مسارنا، وهي الأولى كذلك، فانهالت عليها العدسات التوثيقية من كل حدب وصوب.
اقرأ/ي أيضًا:
مسار إبراهيم.. كل ما تحتاجه لعطلة مميزة!