رغم مرور 32 عامًا على وفاة قائد ثورة يوليو المصرية اللواء محمد نجيب؛ إلا أن مُربي الكلاب عادل الشُرفا لا يزال يتخذ من مقولته الشهيرة: "كلما زادت معرفتي بالبشر زاد احترامي للكلاب"، إلهامًا له تجاه شغفه في هوايته غير المنتشرة في غزة.
اللواء نجيب الذي قضى 30 سنةً في منزله كإقامةٍ جبرية حين أقاله الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، لم يختر صديقًا ليؤنس وحدته الطويلة سوى كلابٍ منزلية، حتى كتب على شاهد قبر أحدها: "هنا يرقد أعزُ أصدقائي".
نحو 60% من أنواع الكلاب في العالم، يمكن إيجادها في قطاع غزة المحاصر
وعودة إلى عادل (46 عامًا) الفخور باقتناء كلبيْن من نوع "جيرمن شيبرد" (الراعي الألماني)، فهو لم يجد شيئا "يُذهب شقاء يومه" أكثر منهما، خصوصًا عند ساعات محاولة الحديث إليهما مع حلول الظلام.
وإلى جانب عمله تاجرًا للأزياء في شارع عمر المختار وسط غزة القديمة، يقضي نهاره كاملًا مع زبائنه "العنيدين" ونظرائه من التُجار "المُراوغين"، حتى يحُل المساء لتفقد أحوال "ليزا" وابنها "جنكيز" اللذان يبدآن بالنباح ابتهاجًا بعودته.
اقرأ/ي أيضًا: لوحات غزة الإعلانيّة.. من التحرير إلى التحرر
وبحسب مربي الكلاب في غزة، فإن نحو 60% من أنواع الكلاب في العالم يمكن إيجادها في القطاع المحاصر مثل (القوقازي، ومالينو، وجيرمن شيبارد، وبيتبول، وهاسكي، وماستيف، ودوبرمان، ودوغوأرجنتينو)، في اقتصاد ضمن أسوأ الحالات في العالم، مسجلًا أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43%، بحسب تقرير للبنك الدولي في أيار/ مايو الماضي.
ويحسد مربو الكلاب امتلاك عادل "الكلب الأمثل" من هذه السُلالة طبقًا للمواصفات الجمالية، فلدى "ليزا" (3 أعوام) شعرٌ كثيف وانحناءة في أسفل ظهرها وأذنان متوازيتان رأسيًا، عدا عن مهاراتها البوليسية والمنزلية.
تتراوح تكلفة تربيّة الكلاب بين 100-300 دولار شهريًا، وبعضها يُباع بسعر لا يقل عن ألف دولار.
ويؤمن عادل أن تربية الكلاب -تكلف أصحابها نحو 100 -300 دولارٍ شهريًا- كما الأطفال، "فما تزرعه في كلبك من صفات كالطاعة أوالشراسة واحترام الغرباء يبقى ملازمًا له طوال حياته، في حين أن ضربه دون مبرر يجعل منه كلبًا لا مباليًا ومحطم المعنويات".
وعلى الرغم من أن "ليزا" وجروها يمثلان ثروةً مالية -3300$ لكليهما- إلا أن عادل لا يفكر ببيعهما مطلقًا، بعد أن أصبحا جزءًا من عائلته المكونة من زوجته وستة أبناء، هم أيضًا ورثوا هواية والدهم وجدهم مذ كان الأخير في ألمانيا قبل عقود، فـ "ليزا بغلاوة عُلا، وجنكيز بغلاوة عصوم" يقول عادل لـ"ألترا فلسطين".
ولدى عادل طقوسٌ يومية وأسبوعية في تربية كلبيه اللذان يحملان شهادة ميلاد من نادي تربية الكلاب في "إسرائيل"، فهما يحظيان بوجبةٍ فاخرة من الدجاج يوميًا، وحمامٍ دافئ وغنيّ برغوة الشامبو كل يومين، وأطواق وسلاسل يرتديانها فور الانتهاء من حمامهما وتجفيف شعرهما بمصفف الشعر، عدا عن عشقهما الاستثنائي للشوكولاتة.
اقرأ/ي أيضًا: مسار إبراهيم.. كل ما تحتاجه لعطلة مميزة!
وليد (19 عامًا)، هو الآخر ورث حبه للكلاب عن والده عادل، حيث لا يتردد في التحدث إلى كلابه وكلاب أصدقائه والإحساس بها إذا ما كانت غير راضية، أو تشعر بالغيرة من نظيرتها في ذات المكان إذا ما تلقت "دلالًا" أكثر منها.
لا يجب أن تُظهر اهتمامًا بكلبٍ أمام آخر، فهي سرعان ما تُنكس رؤوسها وتتغير حدقات عيونها حزنًا وغيرةً.
"لا يجب أن تُظهر اهتمامًا بكلبٍ أمام آخر، فهي سرعان ما تُنكس رؤوسها وتتغير حدقات عيونها حزنًا وغيرةً، فذلك يتسبب لها بانتكاسة كما البشر، عدا عن أنها تجيد فن الاعتذار إذا ما هاجمتك وأحسّت بالذنب من خلال الدوران حولك بلطف". يقول وليد، الذي يمتلك سجلًا وافرًا عن غالبية الكلاب التي يتم جلبها من "إسرائيل" وحول مُلاكها ونسبها في حالة التزاوج.
وللتزاوج طُرفةُ أخرى، حيث يرغب بعض مربي كلابٍ ليست أصيلة بمزاوجتها بأخرى كذلك، مقابل 200 دولار بدلًا عن ذلك "الموعد الغرامي" أو الحصول على ثُلث ما تلده الأنثى من جراء.
اقرأ/ي أيضًا: منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة
وتعد تربية الكلاب هوايةً ليست دارجة بين الأهالي في غزة، حيث يعتقد هُواتها أنها تقتصر على الأغنياء لما يحتاجه الكلب من غذاءٍ صحيّ وفيتامينات وعناية مكثفة، عدا عن أنها تدفع بصاحبها للتفاخر حالما اقتنى كلبًا مفعمًا بالصحة والجمال وذا نسب، حيث درج هؤلاء على تسمية نسب كلابهم كقول: "ليزا ابنة الكلب جيمي" أو "برونو أبوكويك"، والأخير لاسم عائلة مالكها، وكلا الكلبين ذا نسب حقيقي.
أما خبَاب السلحوب الذي يمتلك كلبين قوقازيين من فصيلة هي الأكثر وحشية عالميًا بستة آلاف دولار، يقول إنه يُفضل التجاهل مع من يدفعونه لترك هوايته من أصحاب "الرؤوس العنيدة"، فيما يحاول إقناع أصحاب "الرؤوس اللينة" بوجهة نظره.
وإلى بلدة جباليا شمال قطاع غزة، يمتلك محمد أبو الخير الكلبة "ريبانزل" من فصيلة "ماستيف"، بسعر يزيد عن ألف دولار.
أبو الخير (48 عامًا) لا ينسى حين قالت له ابنته أميمة إنها تطالبه بمعاملتها كما يعامل الكلاب، فهو لا يتوانى عن استقبالها في غرفة نومه وتدليلها بالدفء والحلوى والفراش الناعم"، وفق ما يقول لـ"ألترا فلسطين".
فذات مرة باع كلبه "ميكي" من سلالة "روتوايلر" لآخر على بعد سبعة كيلومترات، لكنّ الكلب عاد وصعد إلى الدرج، ودق باب غرفة نومه بقدمه دون نباح.
واليوم يطمح أبو الخير لاقتناء كلبٍ من ذات السلالة رغم أن ذلك سيكلفه أربعة أضعاف "ريبانزل".
اقرأ/ي أيضًا: مقبل مجنونٌ أم عاقل؟
سنوات الحصار الطويلة على غزة، دفعت شبانًا لاكتشاف هواياتٍ أخرى نادرة، فكان اقتناء الكلاب والعناية بها إحدى تلك الوسائل. ويقول أبو الخير الذي أمضى خمس سنوات في هذه الهواية إنه مرَّ سابقًا بصدمةٍ نفسية من صديقٍ مقرب دفعته للعزوف عن البشر والاتجاه إلى "من هم أوفى منهم"، على حدّ قوله.
ويلبي نحو 200-300 من محبي هذه الهواية دعوةً أسبوعية أو نصف شهرية بالالتقاء عادةً في ساحة الكتيبة أو على رصيف الكورنيش غرب المدينة، للتباحث في آخر مستجدات أخبار وطرائف الكلاب، وما استجد من جِراء رأت النور حديثًا، عدا عن تبادل للنصائح فيما يتعلق بالتربية أو الأمراض الطارئة.
اقرأ/ي أيضًا: