30-مارس-2023
يوم الارض

الترا فلسطين | فريق التحرير

على مدار 56 سنة أعقبت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، تحولت مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية هنا إلى طُرُق طولية وعرضية لخدمة المستوطنين، وفي حالات كثيرة لخدمتهم وحدهم مع تحريم هذه الطُّرُق على الفلسطينيين، في واحدة من أكبر تجليات الفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال، ولتُشكل هذه الطرق أحد أقوى أدوات الاحتلال في نهب الأراضي الزراعية الفلسطينية.

يُعرّف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" طرق الفصل العنصري بأنها "شبكة الطرق التي هي في المقام الأول لاستخدام الإسرائيليين، وتربط بين المستوطنات الإسرائيلية وغيرها من البنى التحتية ببعضها البعض وتربطها جميعًا بإسرائيل"

عمليات إنشاء هذه الطرق وقعت دائمًا تحت ادعاءات "بمصلحة السكان اليهود والعرب"، ولكن في النهاية يتبين أنها لخدمة "نظام الفصل العنصري"، وفق قول الباحث الميداني إياد حداد، من مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة "بتسيلم"، الذي أوضح أن هذه الشوارع تحمل مسميات مختلفة، فهي أحيانًا أمنية، وأحيانًا التفافية، وأحيانًا رابطة، وأحيانًا تطويرية.

ويُعرّف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" طرق الفصل العنصري بأنها "شبكة الطرق التي هي في المقام الأول لاستخدام الإسرائيليين، وتربط بين المستوطنات الإسرائيلية وغيرها من البنى التحتية ببعضها البعض وتربطها جميعًا بإسرائيل"، مؤكدًا أن حرية حركة الفلسطينيين على هذه الطرق "إما مقيدة أو ممنوعة".

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر قد صرح حول هذه الطرق بأنه "عندما تربط إسرائيل الـ200 مستوطنة أو نحو ذلك من المستوطنات مع بعضها بطريق، ثم تمنع الفلسطينيين من استخدام هذا الطريق أو في كثير من الحالات تمنعهم حتى من العبور، فإن هذا يعني ارتكاب ما هو أسوأ مما شاهدناه في جنوب أفريقيا من تجزئة وفصل عنصري".

ووفق مركز العمل التنموي "معًا" فإن طول الطرق المخصصة لاستخدام الإسرائيليين في الضفة الغربية يتجاوز 1600 كم، وقد أدت إلى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينينة، حيث أن لكل طريق مخصص لاستخدام الإسرائيليين منطقة عازلة يتراوح عرضها بين 50 إلى 70 متر على كلا الجانبين.

ويقول الباحث إياد حداد، إن هذه الطرق أدت إلى عزل الفلسطينيين من ناحية، ومن ناحية أخرى عزلت مساحات كبيرة من أراضي الفلسطينيين خارج نطاق هذه الطرق، وحدت من إمكانية الوصول إلى هذه الأراضي، بينما أتيحت، في المقابل، الحرية الكاملة للمستوطنين في استخدام هذه الطرق والوصول إلى هذه الأراضي والاستيلاء عليها، والتنقل بحرية تامة.

يؤكد الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي، أن الطرق الاستيطانية أثرت بشكل مباشر وسلبي على حياة الفلسطينيين من عدة جوانب، فمعظم الأراضي الزراعية الفلسطينية داخل هذه الطرق تم عزلها ومنع أصحابها من استثمارها، كما أن هذه الطرق منظمة حسب مخططات التنظيم العليا الإسرائيلية، وبالتالي حسب قانون التنظيم والبناء الإسرائيلي يمنع البناء على جوانب هذه الطرق لمسافة 15-20 متر، وهذه مساحات شاسعة.

الطرق الاستيطانية أثرت بشكل مباشر وسلبي على حياة الفلسطينيين من عدة جوانب، فمعظم الأراضي الزراعية الفلسطينية داخل هذه الطرق تم عزلها ومنع أصحابها من استثمارها، كما أن قانون التنظيم والبناء الإسرائيلي يمنع البناء على جوانب هذه الطرق لمسافة 15-20 متر

يُدلل رائد موقدي على آثار هذا القانون بما حدث خلال إنشاء المقطع الاستيطاني الجديد الذي يتم العمل عليه في قرية النبي إلياس قضاء قلقيلية حاليًا، وبسببه تلقت معظم المنشآت الزراعية القائمة على جانبي الطريق إخطارات بوقف البناء، وتم بالفعل هدم جزء كبير منها، وهذا عرض حياة الفلسطينيين للخطر الشديد.

ويتجلى مشهد طرق الفصل العنصري بشكل واضح في الطريق رقم 4370 الواصل بين بلدتي عناتا والزعيم، شرقي القدس، الذي افتتح في العام 2019، حيث يفصل بين الشارع المخصص للمستوطنين والثاني المخصص للفلسطينيين جدار فصل عنصري بطول 8 متر.

ومن طرق الفصل العنصري الأخرى الشهيرة، الطرق الثلاثة التي تمتد من الشمال وحتى الجنوب، وهي: الطريق السريع رقم (6)، وهو طريق يمتد في الجهة الغربية من الضفة الغربية على طول الخط الأخضر. والطريق رقم (90) الذي يمتد على طول نهر الأردن ليربط الكتل الاستيطانية الشرقية. وطريق رقم (60) الذي يمتد من مدينة الناصرة إلى مدينة بئر السبع مرورًا من وسط الضفة الغربية، ويسمح للفلسطينيين بالسفر عبر أجزاء منه.

كما أن هناك طرق عرضية شهيرة تتكرس فيها سياسة الفصل العنصري، منها: طريق رقم (1) الذي يبدأ من "تل أبيب" ويمر عبر الضفة الغربية من خلال القدس ليربط مستوطنة "معاليه أدوميم" بطريق رقم (90) في الأغوار. والطريق السريع رقم (5) الذي يمتد على طول الحد الشمالي لكتلة "ارئيل" الاستيطانية.

وأشار رائد موقدي إلى وجود مخطط إسرائيلي تم تنفيذ جزء منه، يقوم على ربط المستوطنات الإسرائيلية بشبكة طرق موحدة، وهذه الطرق الهدف الأساسي منها السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وخلق توازن ديمغرافي في المستوطنات بشكل عام، ومنع المواطن الفلسطيني من استخدام أرضه الزراعية والوصول إليها.

يقول خبير الخرائط والاستيطان خليل تفكجي، إن سلطات الاحتلال طوقت المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بالشوارع الطولية والعرضية، مثل مشروع الطرق الضخم الذي يتم الآن على أراضي حوارة وبيتا جنوب نابلس، وبالتالي منع أي تمدد طبيعي للمدن والقرى الفلسطينية، وتحويلها إلى أرخبيلات أو مجموعة من الجزر بين المستوطنات أو الأراضي التي تصنفها إسرائيل مناطق نفوذ مستوطنات.

وأكد خليل تفكي، أن هذه الشوارع ستكون في فترة ما حسب القرار الإسرائيلي فقط لاستخدام المستوطنين، كما حدث في فترة الانتفاضة الثانية عندما منع الاحتلال الفلسطينيين من استخدام الشوارع الإسرائيلية المقامة على أراضي الفلسطينيين أنفسهم.

سلطات الاحتلال طوقت المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بالشوارع الطولية والعرضية. وشق هذه الشوارع يتم في المناطق المصنفة "ج"، التي تُشكل 61% من إجمالي أراضي الضفة الغربية

وأوضح، أن شق هذه الشوارع يتم في المناطق المصنفة "ج"، التي تُشكل 61% من إجمالي أراضي الضفة الغربية، وهي المناطق التي تخضع للسيادة الإسرائيلية أمنيًا ومدنيًا حسب اتفاق "أوسلو".

الباحث الإسرائيلي شاؤول أرائيلي، في محاضرة ألقاها عام 2017 أمام "معهد الأمن القومي" الإسرائيلي، أفاد أن المستوطنين في الضفة الغربية يستخدمون ربع الشوارع في الضفة الغربية، وهي حصريةٌ لهم، مبينًا أن المستوطنات بسبب مواقعها المعزولة من الناحية الاستيطانية ومن ناحية المواصلات، فقد استثمرت "إسرائيل" موارد كثيرة لربطها بشوارع موجهة، مثلاً تم إنشاء شارع بطول 8 كم في منطقة جبلية من أجل ربط مستوطنة "معاليه لبونا" بشارع رقم 60.

وأوضح الباحث شاؤول أرائيلي، أن "إسرائيل" شقت أيضًا منظومة شوارع عرضية مركزية من الغرب إلى الشرق، "تحقيقًا لحاجات أمنية واستيطانية" وفق تعبيره، وهذه الشوارع أدت إلى تفتيت الضفة الغربية، وهي: "عابر السامرة" شمال الضفة الغربية - رقم 505،  وشارع "عابر بنيامين" - رقم 443،  وشارع رقم 1 من القدس إلى الغور،  وشارع "عابر عصيون" - رقم 357، وشارع "عابر يهودا" - رقم 35.

وبيّن أرائيلي، أن منظومة الشوارع تمتاز  بالصفات التالية:

1. مقامة على أساس أنها منظومة منفصلة مخصصة لاستخدام الاستطيان اليهودي بالأساس، وتتجاوز قرى فلسطنيية كثيرة على امتدادها.

2. لم يتم ملاءمة هذه الشوارع للطبوغرافية  العامة للمنطقة.

3. تخدم عددًا قليلاً من السكان الإسرائيليين القاطنين في المستوطنات الصغيرة والمعزولة.

4. عابرة لأراضي تم مصادرتها من قرى فلسطينية بأوامر عسكرية لشق هذه الشوارع.