"العملية البرية أمر مفروغ منه وهي مسألة متى فقط"، التوصل لهذا الاستنتاج لا يتطلب أكثر من قراءة تصريحات قادة "إسرائيل" وصناع الرأي فيها، واعتبارات التأجيل من حيث الجوهر تنقسم إلى جزئين: الأول: "متطلبات عسكرية تكتيكية ميدانية متعلقة في معظمها بقطاع غزة"، والثانية: "أسباب استراتيجية بحلفاء إسرائيل وخصوصًا واشنطن".
وبمجرد أن أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، عن الجاهزية العملياتية الكاملة لقواته للعملية البرية فإن كل لحظة تمر يمكن أن تلحق الضرر بـ"الروح المعنوية العامة" للجنود و حافزية مئات الآلاف من قوات الاحتياط، كما أنها ستتحول إلى هدف مثالي من ناحية كثافة الانتشار والثبات لرشقات قذائف الهاون من العيار الثقيل على الحشود العسكرية في محيط قطاع غزة. يضاف إلى ذلك، أنه مع مرور كل يوم، تتآكل الشرعية على الساحة الدولية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
الشكوك في قدرة الجيش القتالية تبدأ من عند نتنياهو، وصولًا إلى قلق في واشنطن
عامل آخر مقلق في إسرائيل، هو "حالة العمى الاستخباري"، الناجمة عن قصور في أداء جهاز المخابرات "الشاباك" وجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو قضية ليست محل نقاش في "إسرائيل"، فقد اعترف قادة الأجهزة الاستخبارية بـ"الفشل"، وهو فشل تعود جذوره إلى مرحلة زمنية أعمق وأبعد من 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
والفشل الاستخباري، ظهر في عدم القدرة على توقع الهجوم المباغت وتقدير نطاقه، أو الاستعدادات الجارية له، مما ينسحب ذلك على المعرفة داخل قطاع غزة، ويقدم في داخل "إسرائيل"، الحديث عن تحديث "بنك الأهداف التكتيكي الميداني"، الذي يُزعم أنه يتم من خلال التحقيق مع الأسرى الذي شاركوا في عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
والتحقيقات تصور كعملية حاسمة، ويتطلب تنفيذها بـ"نجاح وفعالية"، وجود طواقم تحقيق مختصة في قطاع غزة، وقادرة على استخلاص معلومات وبناء صورة كاملة، حول ما حدث بداية، ومن ثم حول قطاع غزة، بما يشمل من استعداد عسكري وأنفاق، ومن ثم إعادة تقييم هذه المعلومات وتصنيفها ومقارنتها في المصادر الاستخبارية الإضافية، التي تصل إلى تنفيذ عمليات استخبارية جديدة لتحقيق هذه الغاية.
وهي عملية مشكوك في فاعليتها الكاملة، إذ تطبق الفصائل الفلسطينية تكتيكات أمنية، تقوم على المعرفة المحدودة، ولا يتم إطلاق كافة العناصر على تفاصيل ومعلومات استخبارية أو أسرار عسكرية، خاصةً في عمليات قد تشمل مصير المشارك فيها احتمالية الوقوع بالأسر، وما يتخلله من أساليب تحقيق.
والأمر لا يتوقف على المستوى الاستخباري، فعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أظهرت عدم جاهزية "إسرائيل" من ناحية عسكرية، والتوقعات بأن المناورة البرية الإسرائيلية، كما توصف إسرائيليًا، ستزيد من أعداد الضحايا الفلسطينيين المدنيين، بما ينطوي على هذه من مخاطرة تدفع ساحات أخرى للانخراط في المواجهة، وبالأخص جبهة لبنان التي تكثف عملياتها، وتفتح الأمور للتدحرج نحو حرب مفتوحة، وتسعى "إسرائيل" للاستعداد من أجل هذا الخيار.
واحدة من المبررات الأخرى المطروحة إسرائيليًا من أجل تبرير تأجيل "المناورة البرية"، هو ما جاء على لسان أحد المقربين من حكومة الاحتلال لوسائل الإعلام، ويقوم على الزعم أنه يجب العمل على تحرير أكبر كم من الأسرى في قطاع غزة، قبل بداية العملية البرية لأنه انطلاقها يعني انخفاض فرص بقاء عدد كبير منهم على قيد الحياة، رغم وجود مؤشرات على مقتل العشرات منهم في عمليات القصف العنيفة على قطاع غزة.
يضاف إلى ما سبق، الحديث عن "استنفاذ كل الأهداف التي بالإمكان أن تحققها الغارات الجوية المكثفة قبل العملية البرية لتقليص قدرات حماس والجهاد وإضعافها"، هي "النصيحة" الأكثر ترددًا على ألسنة الخبراء العسكريين ومنظري الحرب في "إسرائيل". ويقصف سلاح الجو الإسرائيلي، بكثافة تحت مزاعم القضاء وتدمير الأنفاق والمباني التي قد تشكل سواتر للقوات المدافعة، رغم إشارة بعض التقديرات الإسرائيلية إلى أن هذه الغارات، قد تعيق تحرك جيش الاحتلال عند وقوع المناورة البرية.
وفي السياق نفسه، قال وزير أمن الاحتلال السابق بيني غانتس، والوزير الحالي وعضو مجلس الحرب، إن الإدارة الأمريكية طلبت تأجيل العملية البرية في غزة، دون تقديم الأسباب الموجبة لذلك لكن المعلق العسكري لموقع واللا الإسرائيلي أمير بوخبوط وخبراء عسكريين، ارجعوا ذلك إلى سعي الجيش الأمريكي، استكمال نشر الأنظمة الدفاعية اللازمة لحماية إسرائيل ومنشآت الغاز في البحر الأبيض المتوسط في حال انضم حزب الله أو إيران للمعركة، وهو ما أكد عليه موقع "وول ستريت جورنال" الأمريكي.
وساهم تأجيل المناورة البرية، التي كانت قرارًا محسومًا مع بداية العدوان، في ظهور بعض الخلافات داخل "إسرائيل"، وبالأخص بين الجيش ووزيره، والمستوى السياسي المتمثل في نتنياهو حصرًا، فيما يضغط الجيش بشكلٍ أكبر تجاه الخيار، ويتحدث عنه بشكلٍ متكرر ويومي، في الإحاطة التي يقدمها المتحدث باسم جيش الاحتلال، والذي كرر عدة مرات "جهوزية الجيش"، لكن المخاوف السياسية في إسرائيل، وشكوك نتنياهو في قدرة الجيش القتالية، بالإضافة إلى شكوك واشنطن بذلك.