27-مارس-2017

لا تمنع الأحوال الجوية السيئة، ولا إغلاق الطرقات الناتج عنها، ولا حتى سنين العمر والعمل الطويلة صالح الغماري من التوجه إلى عمله كل صباحٍ ليكون أول موظفٍ يفتح أبواب الوزارة، برغم التجاعيد المحفورة في ملامح وجهه.

الغماري صاحب الـ70 عامًا، مازال على رأس عمله منذ 20 عامًا في وزارة الزراعة بقطاع غزة، وهو أكبر الموظفين العاملين حاليًا في القطاع الحكومي، وأبٌ لثمانية أبناء، يعيل الآن زوجته وابنته غير المتزوجة، وابنه من ذوي الإعاقة، إضافة لأحفاده بعد استشهاد نجله وكنته.

في غزة لا يزال صالح الغماري 70 عامًا على رأس عمله الحكومي، وهو أبٌ لشهيدٍ وشابٍ من ذوي الإعاقة

يملؤ الشيب رأس الغماري لكنه يعمل باجتهاد يتفوق به على كثيرٍ من الشباب، يقول: "أحب مهنتي وأكره الغياب عن العمل، إلا في الأعياد الرسمية، وعندما أجلسُ في البيت أشعر بالمرض والتعب، وطالما لدي القدرة على العمل فسأجتهدُ بكل ما أستطيع".

اقرأ/ي أيضًا: صنع في غزة: طائرات صغيرة لقطاعات متنوعة

ويوضح الغماري لـ"ألترا فلسطين"، أنه بدأ في وزارة الزراعة كمراسل عام 1997، إذ ترك حينها العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، بسبب الإغلاقات المستمصرة والتضييق من قبل الاحتلال الإسرائيلي على الحواجز والدخول إلى أراضي 48 والعمل فيها، ردًا على موجة العمليات الفدائية التي بلغت ذروتها آنذاك.

ويضيف، "أخبرني صديق عن وجود فرصة لتقديم طلب للعمل كمراسل في إحدى الوزارات، فقدمتُ طلبي، ثم بعد عدة أيام التحقتُ بالعمل في وزارة الزراعة تحت بند بطالة دائمة". وكان الغماري بذلك أول من افتتح باب الوزارة في مجمع أبو خضرة قبل استهدافه من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتدميره عام 2008.

ويحتفظ الغماري حتى اليوم بمفاتيح الوزارة في جيبه، ويرفض الاستغناء عنها، فقد اعتاد على حملها خلال الـ11 عامًا الأولى من حياته العملية، ومازال حتى الوقت الحالي يفتح المبنى الذي يعمل به في وزارة الزراعة بمنطقة المشتل غرب مدينة غزة.

وبعد أحداث الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، قررت السلطة الفلسطينية عدم التحاق موظفيها في قطاع غزة بعملهم تحت إدارة الحركة، غير أن الغماري لم يتمثل وواصل عمله.

ويعلل الغماري إصراره على الالتحاق بعمله رغم القرار قائلاً: "حُب مهنتي والعمل وكرهي للكسل والجلوس، كما دخلت حينها عامي الستين وكان مفترضًا أن يتم قطع راتبي الذي أعتمد عليه في قضاء حاجياتي المعيشية، فقد سمحت لي حكومة غزة أن أكمل مسيرتي في العمل، وها أنا مستمرٌ حتى يومي هذا".

يقول حسن عزام نائب مدير الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة بغزة، إن اجتهاد صالح "فريدٌ من نوعه"، مضيفًا، "جلبنا أكثر من مرة موظفين تحت بند البطالة المؤقتة للعمل كمراسلين في الوزارة من أجل مساعدته، إلا أننا نُفاجأ بأنه أكثرُ نشاطًا من الشباب، ففي كل يوم يقوم بكل المهام المفروضة عليه من ترتيب المكان وتهيئته بالشكل المناسب قبل حضور الجميع، وهو مثالٌ يُحتذى به في الهمة والنشاط أينما كان".

ويتمتع الغماري بقدرةٍ كبيرةٍ على حفظ الشعر، وتجده يجلس مع الموظفين قارئًا أبياتًا من الشعر القديم الذي لا يعرفه، ربما، القسم الأكبر من الجيل الشاب.

يعمل صالح الغماري في وزارة الزراعة حتى بعد أن بلغ 70 عامًا مقابل راتبٌ مقطوع دون تقاعد، ما يجعله قلقًا على عائلته وأحفاده

ولا يشغل بال الغماري الآن إلا عائلته بعد انتهاء حياته، إذ لا يحق لورثته الحصول على راتبٍ تقاعديٍ، كما أنه لا يعمل وفق عقدٍ رسميٍ كون عمره تجاوز الـ60 عامًا، دون أن يمنعه ذلك من البقاء على رأس عمله.

يضيف، "أتمنى أن يكون هناك حل من قبل الحكومة لعائلتي في المستقبل فهم كل ما أفكر به، لا يوجد لديهم معيل يساعدهم في حياتهم، وأبنائي الذكور أحدهم استشهد والآخر يعاني من إعاقة دائمة، لذلك فإن انقطاع الراتب يعني أنهم سيُحرمون من الحصول على أي معونة".

يشار إلى أن الموظفين تحت بند البطالة الدائمة أغلبهم من سكان محافظات غزة، ولا ينطبق عليهم قانون الخدمة المدنية من حيث العلاوات والزيادات والدرجات والتأمين والمعاشات، ولا يزيد راتبهم عن 1000 شيكل، كراتب مقطوع منح لهم بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات.

اقرأ/ي أيضًا: 

هكذا اغتالوا فقها وهكذا يتوقعون الردّ

انثروا البذور تحصدوا خضارًا في كلّ مكان

"نون" النسوة تصدح لتشجيع لاعبات الكرة بغزة