25-مارس-2017

تشييع فقها بغزة. عدسة: محمد صابر (EPA)

عملية استراتيجيّة قد تقود تداعياتها لحربٍ جديدةٍ، تلك التي استهدفت الأسير المُحرر مازن فقها، وتشير أصابع حماس وكتائب القسّام إلى وقوف الاحتلال الإسرائيليّ خلف الحادثة التي وقعت مساء الجمعة (24 آذار/ مارس)، واستُخدم خلالها سلاح كاتم للصوت.

في عُرف أجهزة المخابرات فإنّ اغتيال فقها عملية جراحيّة غاية في الخطورة والتعقيد، واللجوء إليها يأتي لتفادي "مخاطر أعظم من التداعيات" 

قرار تنفيذ العمليّة يأتي عادةً بعد نضوج الظروف العملياتية في الميدان، حيث يعطي رئيس حكومة الاحتلال الضوء الأخضر للتنفيذ، بعد اطلاع المجلس الأمنيّ المصغّر على كافة السيناريوهات المتوقعة والفوائد المرجوة، والمخاطر الكامنة.

تتبدّى التساؤلات هُنا؛ لماذا تم اتخاذ قرار التصفية/ الاغتيال؟ ولماذا مازن فقهاء تحديدًا؟ هل اغتياله يبرر مخاطرة إسرائيل باحتمال إطلاق شرارة حرب جديدة؟

اقرأ/ي أيضًا: "الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟

في عُرف أجهزة المخابرات فإنّ عملية اغتيال الفقهاء عملية جراحيّة غاية في الخطورة والتعقيد، واللجوء إليها يأتي لتفادي "مخاطر أعظم من التداعيات" لاسيما وأنّها بحسب تقديرات رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأسبق "عاموس يدلين عمليّة "قد تقود إلى حرب".

المراسل العسكريّ للقناة الإسرائيليّة العاشرة" اروي هلير" نقل عن مصدر في جيش الاحتلال إنّ إسرائيل إذا كانت اغتالت الفقهاء فعلًا، فإنّها فعلت ذلك، منعًا لجرائم قد يُنفّذها في المستقبل، وليس بسبب جرائم ارتكبها في الماضي" على حدّ قوله، في إشارة إلى العمليّات الفدائيّة التي كان الفقهاء مسؤولًا عنها، وحُكم على إثرها بالسجن 9 مؤبدات، أمضى منها 10 سنوات في سجون الاحتلال، ثم خرج مُحررًا في صفقة "وفاء الأحرار".

الخوف من حرب جديدة على غزة في مطلع الموسم السياحيّ الذي تُراهن عليه إسرائيل لإنعاش اقتصادها، هو أحد مبررات تحاشيها اغتيال فقهاء قصفًا بالطائرات، ففي تلك الحالة ستكون حماس مُلزمة بالردّ على القصف بالقصف، وستظهر إسرائيل أمام العالم في صورة من بادر لإشعال فتيل الحرب، وهذا ما لا تريده.

لكن؛ ما الذي أرادت إسرائيل تحقيقه من وراء اغتيال الفقها، ولماذا يندرج هذا الفعل ضمن المصالح الحيويّة التي تبرر الدخول في لعبة خطرة؟ هل أراد "الشاباك" باغتيال فقها، قتل مشروعٍ ما كان في البدايات؟! وما الذي دفع المخابرات الإسرائيلية وجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" إلى تقديم توصيّة للمجلس الأمني المصغّر لإصدار موافقته على الاغتيال.

منذ أكثر من عامين، بدأ "الشاباك" الحديث عن ما يصفها "قيادة أركان القسّام في الضفة الغربية"، والمكونة من محرري صفقة "وفاء الأحرار" المتواجدين في غزة. فقهاء كان من بين الأسماء التي زعم "الشاباك" أنّها تقود عملية إعادة بناء وتأهيل البنيّة التحتيّة لكتائب القسام في الضفة الغربية، بتشكيل خلايا وإنشاء مختبرات لصناعة المتفجّرات جرى إحباط عدد منها.

مشروع إعادة بناء كتائب القسّام في الضفة الغربية والقدس، يشرف عليه بحسب أبواق "الشاباك" في الإعلام العبريّ؛ فتحي حماد، وكان ينفذه فقهاء وإلى جانبه قائد خلية صوريف المُبعد إلى غزة عبد الرحمن غنيمات. وأحد شروط نجاح "المشروع" هو تولي قيادات تعرف الضفة الغربيّة ورجالها جيّدًا، وباغتيال فقهاء يعتقد "الشاباك" أنّه وجّه طعنة نفذت لكبد ذلك المخطط.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا اعترفت إسرائيل بـ"حسناوات حماس"؟

الجهة التي تقترح عملية الاغتيال في مثل هذه الحالة هي جهاز "الشاباك"، ولكن ما هو سرّ تحمُّس الجيش لهذه الخطوة التي قد يدفع ثمنها هو إن انطلقت حرب على غزة قبل انتهائه من الاستعداد لها، خصوصًا في ملف الأنفاق، وإدخال بطاريّات جديدة من القبة الحديدة للخدمة، لتحييد خطر الصورايخ التي ستشل الحياة المدنيّة في مدن كبرى.

الإجابة تكمن في أنّ جيش الاحتلال يُدرك أنّه نجح في الحروب الأخيرة وسينجح في المستقبل، بالاستفراد في غزة بسبب حالة الشلل التي أصابت أجهزة المقاومة العسكرية في الضفة الغربيّة، والتي حالت دون تنفيذ هجمات تدفع الإسرائيليين إلى اعتبار أنّ الحرب على غزة تعني أنّ أسقف الحافلات والحانات في تل ابيب ستتطاير، بينما الجثث المتفحمّة على الطرقات.

من يُنظّرون باتجاه الحرب على قطاع غزة في إسرائيل، يعتبرون أنّ القضاء على أي مشروع يستهدف إعادة بناء الخلايا العسكرية المؤهلة جيّدًا، ضرورة مُلحة لا تقل أهمية عن الجهود الضخمة المبذولة للقضاء على "خطر الأنفاق الهجوميّة"، وتطوير القدرات الإسرائيلية على اعتراض الصواريخ، وقطع دابر أنفاق تهريب السلاح، في إطار الاستعداد للحرب المقبلة.

اغتيال فقهاء قد لا يكون الأخير، وسيجري استخدام نفس الطريقة مع أشخاص آخرين، خصوصًا وأنّ "الشاباك" وبعد اعتقاله عدة خلايا في الضفة الغربية تابعة لقيادة "أركان القسام في غزة"، يظنُّ أن حماس عاجزة عن الردّ من خلال هجمات تُنفّذ انطلاقًا من الضفة الغربية، تستهدف جنود الاحتلال ومستوطنيه داخل الخط الأخضر.

نجاح عملية اغتيال الفقهاء وانسحاب المنفذين بسلام -حتى اللحظة على الأقل-، يُظهر نجاح "الشاباك" بالاستعداد لوجستيًا للعملية، بدءًا من رصد تحركّات الشهيد، وتحديد مكان إقامته واختيار الوقت المناسب للتنفيذ، وتوفير شخص أو عدة أشخاص جرى تدريبهم وتزويدهم بالسلاح، في أدنى تقدير يستغرق شهورًا، وهذا يعني أنّ "الشاباك" قد يكرر تنفيذ اغتيالات جديدة بأقصى سرعة ممكنة لأنّه يدرك أنّ العمر الافتراضي لشبكة جواسيسه التي نفذت الاغتيال آخذ بالنفاذ، بسرعة.

اقرأ/ي أيضًا: فادي قنبر سبق "الشاباك" بخطوة

لجأ "الشاباك" إلى عملية اغتيال مموّهة، وهو مع ذلك يدرك تمامًا أنّ كتائب القسام ستبذل قصارى جهدها لتنفيذ عملية انطلاقًا من الضفة الغربية تدفعه للندم، وإن لم يتحقق ذلك فإنّ الأبواب ستفتح أمام اغتيال جديد. فالخلايا العسكرية المؤهلة جيدًا في الضفة هي ضمانة قطع يد الاغتيالات الإسرائيلية الطويلة في غزة، وفي كلِّ مكان.

صورة نشرها موقع القسّام لمازن فقها أثناء التدريب

اقرأ/ي أيضًا:

"الشاباك" يعلن إحباط أسر جندي واعتقال خلية مسلحة

الشاباك" يستر عورته بكشف تفاصيل "هجوم عملاق"

سُمح بالنشر: اعتقال خلية خططت لعمليات في الداخل