25-مارس-2017

لا يبدو الحديث عن إقامة مصنعٍ للطائرات في قطاع غزة المحاصر أمرًا قابلاً للتصديق، هذا حتى بالنسبة لأصحاب مثل هذه الأفكار، الذين يعلمون جيدًا أن أي فكرة في مجال الإلكترونيات في الأراضي الفلسطينية تجد حربًا إسرائيلية أقلها منع المعدات اللازمة، غير أن الفكرة أصبحت أمرًا واقعًا داخل قطاع غزة باسم “TER”.

المهندسان أحمد ماهر أبو هدة وحسن الحلاق (23 عامًا)، اعتمدا على أبسط القطع الممكن توفرها في قطاع غزة بعد 10 سنواتٍ من الحصار الخانق، وانتظرا طويلاً حتى دخول البعض الآخر، ليثبتا للشركات والمؤسسات في غزة قدرتهما على صنع الطائرات، تحت أي ظروفٍ ورغم أي معيقات.

تخرج أحمد وحسن من قسم هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين بغزة، وكانت بداية فكرتهما في مشروع التخرج الجامعي. وجاء اختيار أحمد وحسن لروبوت يقوم بمهام الاستكشاف عن بعد، ويتم التحكم به من خلال تطبيقٍ مصمم على الهواتف الذكية، لكنهما وجدا صعوبة في تنقل الروبوت بسبب عدم تهيئة الطرق لسيره بشكل جيد، فقررا التخلص من الصعوبات وجعل الروبوت يطير من خلال تركيب مراوح له.

مهندسان من غزة يصنعان طائرات بوزن 6 كغم يمكن استخدامها إعلاميًا وللدفاع المدني والإسعاف والهندسة

يتحدث المهندسان عن بحثهما كثيرًا في علم الطيران للاستفادة من تجارب صانعي الطائرات الصغيرة عبر المواقع الإلكترونية، ومحاولة ضبط توازن المراوح ودورانها، وسرعة لف المولدات والميكانيكا الخاصة بها، والإلكترونيات التي تحتاج لها للتحكم، إضافة للبرمجة اللازمة للتواصل معها عن طريق الـ"واي فاي".

اقرأ/ي أيضًا: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" بغزة

دخلت الفكرة أرض الواقع نهاية عام 2014، وكانت الطائرة عبارة عن مولدات عادية، لكن المحاولة فشلت لأنها كانت تحتاج لمولداتٍ بأنواعٍ خاصة. وعند تطوير القواعد الخشبية بالتوازن مع المولدات منها لم تتحمل وتعرضت للكسر عدة مرات، نظرًا لبساطة وتواضع القطع الإلكترونية المستخدمة.

ويقول أحمد أبو هدة في حديثه لـ"ألترا فلسطين": "هناك قطعٌ إلكترونيةٌ كانت جاهزة لكنها شحيحة في قطاع غزة، وأسعارها أضعاف ما هو موجود في الخارج، فكنا نحاول صناعتها بأنفسنا، وفي الأحيان نجمع قطعة إلكترونية على أخرى مثلها لتعطي مهمة القطعة اللازمة".

وجد المهندسان التكاليف كبيرة جدًا، فبحثا عن أهم المبادرات التشجيعية لدعم الأفكار الريادية وتحديدًا الإلكترونية، وكان لهما ما أرادا من خلال مشروعٍ داخل الجامعة الإسلامية، أسفر في النهاية عن إقلاع أول طائرةٍ صغيرةٍ في السماء أواخر عام 2015، وتم التحكم بها عن طريق ريموت يعمل على موجات الراديو.

أكبر المعوقات، حسب المهندسين أحمد وحسن، تمثل في عدم توفر القطع الإلكترونية، وقد التجأ الصديقان لتجار الخردة لتجميع القطع التي يحتاجانها، تحديدًا من يتاجرون ببضائع المخراز الإسرائيلية الإلكترونية لأن أسعارها بسيطة.

وبحثًا عن حلٍ آخر، طلب المهندسان قطعًا إلكترونية عن طريق البريد الفلسطيني، لكنها كانت تحتاج وقتًا طويلاً للوصول، وبعضها يمنع الاحتلال إدخالها بدعوى "أسبابٍ أمنية"، ما دفعهم لإدخال بعض القطع الإلكترونية عن طريق معبر رفح بين قطاع غزة ومصر، من خلال أشخاص معارف، وقد احتاج ذلك الانتظار لأشهرٍ في كل مرة لحين فتح المعبر.

يستذكر أبو هدة، أن سعر إحدى القطع الإلكترونية اللازمة للمشروع في قطاع غزة وصل 400 دولار، رغم أنها تباع خارج فلسطين بـ35 دولار، مضيفًا، أنه استخدم قطعًا بديلةً بأضعاف الإمكانيات حتى إتمام المشروع، الذي اعتُبر إنجازًا كبيرًا جعله يلقى اهتمام عددٍ كبيرٍ من الأكاديميين والمختصين في علوم الهندسة عند عرضه كمشروع تخرج.

ويمكن استخدام هذا النوع من الطائرات في قطاعات عديدة، أحدها القطاع الإعلامي للتصوير الجوي للفيديوهات، وقطاع الهندسة، لاستخدامها في مكاتب المساحة وعملية المسح الهندسي، وقطاع الزراعة أيضًا في مكافحة الحشرات ورش المبيدات، وقطاع الدفاع المدني خلال إتمام عمليات الإنقاذ وتوصيل الإسعافات لمناطق لا يمكن الوصول لها خاصة خلال الحروب.

المهندس حسن الحلاق، يقول لـ"ألترا فلسطين"، إن هذا النوع من الطائرات تحمل 6 كغم، ويصعب دخولها لقطاع غزة، ولا يمكن إدخالها إلا عن طريق التهريب، ما شكل حافزًا لصناعتها وتزويد القطاعات التي تحتاج لها، وقد تلقيا عددًا كبيرًا من الاتصالات منذ بدء المشروع.

ويضيف الحلاق، أن الطائرة تحتاج لأسبوعين من العمل لإتمام صناعتها، في حال توافر المعدات اللازمة، مبينًا، أنه في كل القطاع لا توجد سوى أربع طائرات يبلغ سعرها قرابة 3000 دولار عند وصولها لغزة، وهي من النوع الذي يصنعه هو وزميله.

ويشير إلى عدم وجود متخصصين في إصلاح أعطال الطائرات المستوردة، بسبب تصنيعها في شركاتٍ غير عربيةٍ ويصعب نقل الطائرات إليها لإصلاحها، ويستدرك، "نحن نصنعها بقيمة 1500 دولار، ويمكن إصلاحها في حال وجود أي عطل".

وشارك المهندسان أحمد وحسن في معارض عديدةٍ داخلية عام 2016، وتلقيا طلباتٍ كبيرةٍ لصناعة المزيد من الطائرات، وهما يطمحان لإنتاج أكبر عددٍ من الطائرات لاستخدامات علميةٍ وسلمية، كما يقولان.

اقرأ/ي أيضًا:

غزة: تعذيب ومحاكمات عسكرية وأحكام إفراج لا تنفذ

المقاولات في غزة.. تدليس أم شطارة؟

"بيسبول غزة": قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية