31-مارس-2022

JALAA MAREY/Getty

لقاءات سياسيّة وزيارات ومباحثات، وبالطبع لقاءات أمنية، يتبعها إجراءات إسرائيلية متسارعة على الأرض، في محاولة لنزع فتيل برميل البارود الذي يتوقع أن يكون على وشك الاشتعال مع اقتراب شهر رمضان في القدس المحتلة، مثلما حصل العام الماضي، وتطوّر إلى مواجهة عسكرية مع قطاع غزة، استمرّت 11 يومًا. 

"المواد القابلة للاشتعال موجودة في كل مكان بالضفة، وما ينقص فقط عود ثقاب لتأجيج الأوضاع" 

وفي آخر تحديث نشرته الإذاعة العبرية، تشير تقديرات شرطة الاحتلال الإسرائيلي إلى توقّع مزيد من الهجمات في الأيام المقبلة، لكنّها ترى في الوقت ذاته أن من الممكن أن يمر شهر رمضان، دون تصعيد شامل.

ووفقًا لتقديرات أمنيّة، تتخوّف أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة من أنّ موجة العمليات الأخيرة التي حدثت في مدن بئر السبع والخضيرة و"بني براك" وأدّت لمقتل 11 إسرائيليًا، قد تؤدي لموجة تصعيد تنطلق شرارتها من المسجد الأقصى مع بداية شهر رمضان، بالتّزامن مع الأعياد اليهودية التي يستغلها قادة اليمين الاستيطانيّ المتطرّف والتنظيمات اليهودية الإرهابية وخصوصًا (الليكود) لمضاعفة اقتحاماتهم للأقصى.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت مساء الأربعاء، عن جملة إجراءات قال إنّ من شأنها منح الإسرائيليين شعورًا بالأمن، ومنها ضخ المزيد من قوات الجيش لإسناد الشرطة، وتكثيف الدوريات في نقاط التماس، وضبط الأسلحة بين فلسطينيي الداخل، والسماح للجنود بالتنقل بأسلحتهم، بالإضافة لزيادة متابعة "التحريض" على مواقع التواصل الاجتماعي.  

وحذّر قائد فرقة الضفة في جيش الاحتلال العميد "آفي بلوت" في رسالة أرسلها للقادة العسكريين، من تصعيد أمني في الضفة خلال شهر رمضان. وقال بلوت في رسالة نشرتها قناة "كان" الرسمية في شباط/ فبراير المنصرم، إن "المواد القابلة للاشتعال موجودة في كل مكان بالضفة، وما ينقص فقط عود ثقاب لتأجيج الأوضاع".

 أبو عرقوب: المستوى السياسي الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن تقديرات بشأن موجة عمليات، تجنّبًا لاستفزاز قادة اليمين الإسرائيلي 

وبحسب الصحافي المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب، فإنّ المستوى السياسي الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن التقديرات الأمنية تجنّبًا لاستفزاز قادة اليمين الإسرائيلي، لافتًا إلى أنّ هذا الكشف الاستخباراتي عن هذه التقديرات جاء من جانب رئيس جهاز الشاباك الذي حذّر الإدارة الأمريكيّة في واشنطن، الأمر الذي عدّه مسوؤل رفيع المستوى في تل أبيب بأنه "يساهم في تأجيج غضب الفلسطينيين".

اقرأ/ي أيضًا: بينيت يعلن عن إجراءات لاستعادة شعور الإسرائيليين بالأمن

ويرى محللان سياسيّان لـ "الترا فلسطين" أن تصاعد الأحداث الميدانية في الأراضي الفلسطينية خاصة الضفة الغربية والقدس المحتلة خلال شهر رمضان القادم، بات أمرًا حتميًا، وأنّ حجم التصعيد وشكله، يعتمد على ماهيّة الرد الإسرائيليّ على العمليّات التي جرت مؤخرًا، وطبيعة تعاملها مع الفلسطينيين، بعد موجة عمليّات وصفتها "يسرائيل هيوم" بأنها "الأعنف منذ 17 عامًا".  

الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي قال إن عام 2021 وبحسب إحصائية جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" شهد تصاعدًا في عمليات المقاومة، إلا أن هذه الحالة تضاعفت مؤخرًا خاصة في شهر آذار/مارس، الأمر الذي شكّل "رافعة معنوية" ودافعًا للمزيد من الشبان للاقتداء بهذا العمل، وبالتالي فإن هذه الحالة ستساهم في بلورة حالة كفاحية أكثر قابلية للديمومة والاستمرار في المدى المنظور والمتوسط على الأقل.

الأمر ذاته، يعتقده الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، الذي يرى أنّ تصاعد الأحداث خلال شهر رمضان القادم بات أمرًا حتميًا، وأنّ حجم وشكل هذا التصعيد يحدده سلوك الاحتلال على الأرض، وسماحه من عدمه للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان.

ويرى عرابي أنّ العمليات الأخيرة ستعزز فرص التصعيد خلال شهر رمضان، لا سيما مع وجود العديد من عوامل المساعدة أبرزها احتمال اقتحام المستوطنين للأقصى، للاحتفال بعيد الفصح الذي يتزامن مع شهر رمضان، لكنّ عرابي يشير إلى أنّ حجم وشكل التصعيد المتوقّع، منوط بعوامل متعددة؛ أهمّها سماح حكومة الاحتلال للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى، وتوقيت وشكل هذا الاقتحام، هل سيكون اقتحامًا كبيرًا أم صغيرًا لحفظ ماء الوجه؟

الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي

يضيف عرابي أنّ الأمر الآخر الذي سيحدد حجم التصعيد هو انخراط فصائل المقاومة في غزة في أي أحداث قد تندلع في الضفة الغربية والقدس المحتلة، مبيّنًا أنّ أي هبّة غير قابلة للاستمرار إذا لم يكن هناك حالة تنظيمية قادرة على تطويرها. 

يضيف عرابي أنّ الذي سيحدد حجم التصعيد هو انخراط فصائل المقاومة في غزة في أي أحداث قد تندلع في الضفة الغربية والقدس

ويعتقد عرابي أنّ الاحتلال يسعى لنزع عوامل التفجير، مشيرًا إلى قرار تجميد إخلاء 4 عائلات من حي الشيخ جراح، ومنع نشر الحواجز الحديدية في باب العامود خلال شهر رمضان.

وعن الحراك السياسي والأمني الإسرائيلي الأخير، قال المحلل هاني المصري إنه جاء في محاولة لتهدئة الموقف، معتبرًا أنّ ما يهم الإدارة الامريكية والدول العربية هو التعامل مع الملف الفلسطيني كملف أمني اقتصادي، وليس كملف سياسي، وبالتالي هم حريصون على عدم دفعه للتوتر ويخشون انهيار السلطة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يقول عرابي إنّ الحراك الحالي الحاصل يهدف لمنع التصعيد، مبيّنًا أن الاحتلال الإسرائيلي قام مؤخرًا بحراك أمني وسياسي ودبلوماسي لمنع إمكانيّة تفجّر الأمور وتصاعد الأحداث خلال شهر رمضان، وأن زيارة رئيس "الشاباك" للولايات المتحدة، وزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد للأردن، وما تبعها تأتي في ضمن ذلك.

ويشير عرابي إلى أن لابيد طلب من ملك الأردن زيارة الفلسطينيين لحثّهم على منع واحتواء أي احتمالات للتصعيد، مضيفًا أنّ لقاءات عديدة عقدت بين مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين مع آخرين فلسطينيين لذات الهدف.

وقرر المجلس الوزاري الإسرائيليّ المصغّر للشؤون الأمنية، والذي بحث العمليّات الأخيرة، مساء الأربعاء، الإبقاء على "تسهيلات" قالت "إسرائيل" إنها ستمنحها للفلسطينيين في رمضان، كما قرر عدم فرض إغلاق على الضفة باعتبار أن ليس هناك ما يوجب ذلك، مع الاستمرار في بناء الجدار الفاصل، وسحب تصاريح عمل أقارب منفذي العمليات، والاستعجال في هدم بيوتهم.

وبحسب الكاتب ساري عرابي فإنّ هناك "عوامل لتثوير الأحداث" خلال الفترة القادمة، أبرزها، استمرار الأثر المعنوي ومفاعيل معركة "سيف القدس" لدى الفلسطينيين، إضافة لتصاعد اعتداءات المستوطنين خاصة على أهالي شمال الضفة الغربية، ومهاجمة منازلهم ومزارعهم ومركباتهم، وهو الأمر الذي لم يعد مقتصرًا على التمدد الاستعماري ومصادرة الأراضي -وفق عرابي- بل صار يُشكّل تحديًا بشريًا ووجوديًا للفلسطينيين، إذ تحوّل المستوطنون إلى ميليشيا مُسلحة ومنظمة، بحماية من جيش الاحتلال.

ويعتقد عرابي أنّ إضراب الأسرى كان من الممكن أن يكون من "عوامل التثوير"، غير أن الإضراب الشامل الذي كان من المقرر أن يبدأ في السجون، تم تجميده بعد أن حقق الأسرى العديد من الإنجازات في مفاوضاتهم مع إدارة سجون الاحتلال.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري أنّ التصعيد قد يكون هادئًا ومنضبطًا، وقد يرقى إلى مستوى أحداث "سيف القدس"، وأن ذلك يتوقف على سلوك الاحتلال وردّه المتوقع على العمليات الثلاثة الأخيرة التي قال إنها جاءت ردًا على التصعيد الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية، والذي أسفر عن ارتقاء أكثر من 20 فلسطينيًا، إضافة لاستمرار سياسية هدم المنازل توسيع الاستيطان واستمرار الحصار على غزة والتنكر لأي حقوق فلسطينية.

يرى هاني المصري أنّ التصعيد قد يكون هادئًا ومنضبطًا، وقد يرقى إلى مستوى أحداث "سيف القدس"، وأن ذلك يتوقف على سلوك الاحتلال وردّه المتوقع على العمليات الثلاثة الأخيرة

ويبين المصري أن حكومة الاحتلال المتطرّفة قد ترد على العمليات الأخيرة بالذهاب لتنفيذ عمليات اغتيال لقيادات فلسطينية مقاومة، أو شنّ حملة "سور واقي" مصغّرة، وذلك للحيلولة دون سقوط حكومة بينيت أو زعزعة استقرارها.

الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري

ويشير المصري إلى أنه في حال فرض الاحتلال إجراءات انتقامية ضد الفلسطينيين، كالسماح باقتحام الأقصى، ومنع دخول العمال من الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن ذلك من شأنه تفجير الأحداث لمستوى قد يفوق ما حدث العام الماضي.

وعن موقف السلطة الفلسطينية المتوقع في حال وقوع أي تصعيد، يعتقد هاني المصري أن السلطة يهمها عدم حدوث أي تصعيد، بل وتخشى من ذلك، ولا تؤمن بالمقاومة حتى الشعبية منها، وتستخدمها بشكل تكتيكي ومحدود ورمزي، متوقّعًا في هذا السياق أن تشدد السلطة قبضتها الأمنية خلال الفترة القادمة، وستواصل محاولة توظيف كل ما يجري لاستئناف المفاوضات.

وبالعودة إلى أنس أبو عرقوب المتخصص في الشأن الإسرائيليّ فإنه وبعد عملية الخضيرة التي أدت لمقتل إسرائيليين وإصابة آخرين، استغل قادة الأحزاب الإسرائيلية سواء اليمينية أو اليسارية من خارج وداخل الائتلاف الحكومي، الوضع للتحريض على الفلسطينين داخل الخط الأخضر خصوصًا.

ويرى أبو عرقوب أنّ عملية الخضيرة شكّلت مفاجأة للأجهزة الاستخبارية والأمنية الإسرائيلية، وجرى على إثرها تبادل للاتهامات عبر وسائل الإعلام بين تلك الأجهزة والمنظومة القضائية، وبررت المنظومة الأمنية القصور بأنها "مكبلة" من ناحية قانونية، وليس بإمكانها استهداف الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية، كما يتم استهدافه نظرائهم في الضفة الغربية بالاعتقال الإداري والتحقيق القاسي والتنصّت والتعقب، وهدم المنازل.

الصحافي المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب

ويعتقد أنس أبو عرقوب أنّ عوامل الانفجار قائمة فعليًا، ففي النقب تسعى الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ مشروع تهويدي ببناء تجمعات سكنية كبيرة على أرض أهل المنطقة من الفلسطينيين، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع زراعة مراعيهم بالأشجار الحرجية، تمهيدًا للاستيلاء عليها، وبالتالي حرمانهم من مصدر معيشتهم، ويترافق ذلك مع اعتداءات تنفذها ميليشات اليمين المتطرف في النقب ضدّ الأهالي وبشكل شبه يوميّ، وقد تصاعدت مؤخرًا بعد عملية بئر السبع التي أسفرت عن 4 قتلى إسرائيليين. 

أمّا عنصر التفجير الإضافي -بحسب أبو عرقوب- فيتمثّل في رغبة حكومة بينيت بالظهور بأنها قادرة على الانتقام من منفذي العمليات وذويهم، وخلال الأيام الماضية يلاحظ مدى ارتفاع مستوى التحريض على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لاستهدافهم بالاعتقال الإداري.

 عنصر التفجير الأخطر والأكبر  هو نيّة حكومة الاحتلال السماح لعناصر اليمين المتطرّف باقتحام المسجد الأقصى خلال رمضان 

ويظل عنصر التفجير الأخطر والأكبر والذي قد يوصل نيران التصعيد لجبهات أخرى، هو نيّة حكومة الاحتلال السماح لعناصر اليمين المتطرّف (ايتمار بن غفير مثلًا) باقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وبأعداد كبيرة، ومنع الفلسطينيين  الذين لا يحملون التصاريح من الوصول إليه عبر ثغرات في الجدار الفاصل، كما أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "عومير بارليف"، وفقًا لـ "أبو عرقوب". 

ويُرجّح المختص في الشأن الإسرائيلي أن تميل كفة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت باتّجاه السماح للمستوطنين خصوصًا (بن غفير) باقتحام المسجد الأقصى خلال الأيام المقبلة، رغم أنّ توصيات الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية ترى بأن السماح بهذه الاقتحامات، ومنع وصول الفلسطينيين إلى المسجد، سيفاقم الوضع الأمني الذي قد يشتعل في أيّ لحظة، لتتدحرج كرة النار في اتجاهات غير متوقعة.


اقرأ/ي أيضًا:

"معاريف": طوفان بلاغات كاذبة ومشاهير لا يرغبون بمغادرة بيوتهم

الذكرى السادسة والأربعون ليوم الأرض تتزامن مع تصعيد في النقب لمصادرة الأراضي