15-أكتوبر-2023
مدينة غزة في اليوم الثامن للعدوان الإسرائيلي - Ahmad Hasaballah/Getty Images 

pal

لن ينسى أحد بعد اليوم تاريخ السابع من أكتوبر، سيعاد ذكراه كل عام، نحن الفلسطينيون كتاريخ للمقاومة وإثبات حقّنا بالأرض، وهم، الغرباء، سيتذكرونه أيضًا، كتاريخ لفشلهم وصدمتهم بذلك.

الرواية تكتب ولا تكتمل، دائمًا للقصص تفاصيل لا تنتهي.. 

ردّ الاحتلال على عملية طوفان الأقصى، بعملية السيوف الحديدية، حيث شنّت الطائرات الحربية قصفًا غير مسبوق على قطاع غزة، "فلا مكان آمن" هذا ما يقوله الأهالي في القطاع، كنا نطمئن عليهم كلما سنحت الفرصة، وتوفّر لديهم اتصال بالإنترنت.

سعيت في هذه المادة إلى نقل شهادات عن الأهالي في القطاع، عن القصف ومدى توفر الاحتياجات الأساسية، وربما للأسف ماذا علّمتهم تجربة الحروب؟


مؤمن الناطور من مخيم الشاطئ، تحدثت معه في يوم التاسع من أكتوبر 2023، اليوم الثالث لعملية "طوفان الأقصى" والتي يقابها تسمية "السيوف الحديدية" بحسب جيش الاحتلال، يقول:

ما كان يحدث في المرات السابقة، هو عملية عسكرية إسرائيلية على القطاع، تكون لفترة محدودة حتى لو تباينت، لكن الآن هناك مبادرة من القطاع بسبب المعاناة والحصار وعدم وجود حقوق للشعب في غزة، وما حقق لا يسمن ولا يغني من جوع.

جرى قصف لمنشآت هي عصب الحياة المدنية في القطاع، كوزارة الأوقاف ونقابة المحامين والمقرات الأمنية، كما أن مستشفى بيت حانون قد خرج عن الخدمة، والطرق الرئيسة مقطوعة، ولا يوجد إنترنت في شمال وشرق قطاع غزة.

وهناك هجوم من الزوارق الحربية على مخيم الشاطئ، الضربات بشكل عشوائي، ورغم الأرقام التي تظهر على وسائل الإعلام عن أعداد الشهداء والإصابات، إلا أن هناك أعدادًا ما زالت غير معلومة، اليوم حدثت ضربات عشوائية حالت دون وصول الإسعافات، وما زلنا لا نعلم إن كان هناك على الشاطئ شهداء أم لا بسبب كثافة الضربات.

اليوم، قصف مسجد أحمد ياسين في مخيم الشاطئ للاجئين دون سابق إنذار، كما تم أيضًا قصف مباني سكنية في منطقة "الترانس" في جباليا، أسفرت عن استشهاد أكثر من 50 شهيًدا دون سابق إنذار أيضًا.

ويكمل: أن هناك مطالبة من الاحتلال الإسرائيلي لأهالي القطاع بالنزوح إلى المناطق الجنوبية منه، وكأنه بهدف تهجيرهم.

ويضيف: عادة ما يقوم الأهالي بتحضير حقائب محملة بالأوراق المهمة، كأوراق ثبوتية للمنزل والأوراق الشخصية والمال، هذه المرة الأولى التي نقوم بها بذلك، ونتجهز لمغادرة المنزل إذا اضطررنا لهذا الأمر، ذلك لأن مخيم الشاطئ يعد آمنا نوعا ما مقارنةً بباقي المناطق في القطاع، لكن الوضع في هذه الحرب مختلف، لا يوجد مكان آمن بالمرة، لا نعرف أين نخرج في حالة الاضطرار لذلك، مدارس الوكالة ممتلئة بالنازحين، والمدارس الحكومية لا يوجد فيها نازحين فهي أهداف مستباحة للاحتلال.

Ahmad Hasaballah/Getty Images

مساء 11 أكتوبر، قرابة الساعة الثامنةً مساء، جاءت من مؤمن رسالة أخرى: أهلي طلعهتم والله لأنه فيه تهديد، ما بنعرف شو الوضع يكون.

وصلت رسالة من مؤمن ظهر 13 أكتوبر: وضعنا صعب، والجيش طلب من سكان محافظة غزة التوجه للمناطق الجنوبية، لا يوجد أي وسيلة تواصل مع أحد، لا يوجد سيارات، صار قصف جنب مركز الإيواء الذي أتواجد فيه الساعة السادسة صباحًا، الوضع صعب جدًا، وما فيه ولا منظمة دولية معنا ولا عارفين نكلم مين، نحن في خطر كبير، يوجد أسر كبيرة ولا يوجد سيارات، يوجد كبار سن لا يستطيعون المشي، بحاول أرسل للجميع أنه الجيش طلب من سكان محافظة غزة الخروج للمناطق الجنوبية وما فيه أي إمكانية للخروج، ما في مواصلات ولا أمان، أنا وكل عائلتي في مركز الست صورة في الشاطئ الشمالي، احنا مستنينا الموت.

محمد أبو ضلفة من شمال غرب غزة، أجريت المقابلة معه في التاسع من أكتوبر، اليوم الثالث للعملية، يقول:

عشت خمس حروب في غزة، وفي كل مرة تكون أعنف من سابقاتها، كل مرة كنا نعتقد أن هناك مكاًنا آمنا في وسط البلد أو أطرافها وبعدها ينفي الاحتلال هذا الاعتقاد، الجميع يعرف أنه يمكن أن يكون مهددًا، يمكن أن يتم تبليغه فجأة بأن يخلي بيته، أنه سيتم استهداف بيته أو الذي بجانبه.

مشكلة الكهرباء في غزة هي أصلًا قائمة وتفاقمت الآن، هناك الكثير من المواطنين لا يوجد لديهم اتصال بالإنترنت، وحاليًا الأهالي الذين لديهم مياه مخزنة، المفترض أنه خلال الأيام المقبلة أن تنفد، وسيكون هناك مشكلة في المياه.

لا أقول إننا اعتدنا، لكن هناك تعايش مع تصاعد العدوان، فهو موجود دائمًا لكنّه يتصاعد في أوقات معينة.

نحاول الجلوس في أكثر أماكن البيت أمانًا، بالقرب من الأعمدة والحوائط المتينة، فكرة مغادرة المنزل لمكان آخر باتت مستبعدة، لا مكان آمن، أغادر فقط في حالة وصول تأكيد مباشر. فاليوم وصل لأحد الجيران أمر بإخلاء بيته، يسكن بعيدًا عني 150 مترًا، لكني بقيت في بيتي وجلست أبعد ما يكون، كي ابتعد عن الخطر. لا نقول إننا لا نخاف، كل شخص يخاف ويفضّل الأمان، لكن ليس لدينا أي خيار آخر.

بدأت حديثي المتقطع مع محمد قرابة الساعة التاسعة مساءً في التاريخ المذكور وانتهيت في تمام 23:44 مساءً، يقول محمد: في آخر ساعتين الأوضاع هادئة نسبيًا، لكن هذا لا يعني شيئًا، في أي وقت قد تتدهور الأوضاع خاصةً في ساعات الليل المتأخرة.

صباح الأربعاء، 11 أكتوبر، تواصلت مع محمد مرة أخرى: صراحةً الوضع صعب، الليلة كان هناك قصف شديد، وانتظرت للصباح وتركت بيتي، واصطحبت أهلي معي، الذين يعيشون في شقة مقابلة لمنزلي.   

وفي رسالة لاحقة لمحمد أبو ضلفة فجر الثالث عشر من أكتوبر، يقول فيها: (13 أكتوبر الساعة 02:00 زملائي الأعزاء، تم إبلاغنا بضرورة انتقال الجميع من محافظات الشمال وغزة إلى جنوب وادي غزة. يجب أن يبدأ التنفيذ مع أول ضوء شمس). هذه الرسائل وصلت العديد من موظفي المؤسسات الدولية، وتأكدت منها من أشخاص أعرفهم بشكل شخصي.

 Ali Jadallah/Anadolu via Getty Images
 Ali Jadallah/Anadolu via Getty Images

على العموم، السلطات هنا تحاول تطمين الناس وأن هذا ضمن مخطط للحرب النفسية، إلا أن أعدادًا كبيرة خرجت فعلَا واستقرت في مناطق وسط قطاع غزة.

كانت المحادثة الأولى في هذه المقالة، مع أحد المواطنين من حي الرمال في غزة، لم يقبل ذكر اسمه، أجريت المقابلة معه يوم التاسع من أكتوبر:

التوجه عند الأقارب في مثل هذه الأوضاع هو خيار، لكن في هذه الحرب لا يوجد مكان آمن، لدي أربعة أطفال والتعامل معهم يجب أن يكون دقيقًا، لا تدع أطفالك يرون الخوف في عينيك حتى خوفك عليهم، لذلك نقوم بخلق أجواء الطمأنينة باللعب والغناء والمسابقات.

هذه الحرب هي الأعنف، وقد بقيت في المنزل، حيث علمتني التجارب السابقة متى أهرب وما هي أماكن الخطر، لكن هذه الحرب لا يوجد فيها مكان آمن، يمكن أن يأتيك الموت في كل لحظة، الآن وخلال الحديث معكِ أسمع أصوات القصف، بالـتأكيد لا يوجد خوف، الخوف يكون على من حولك.

لا يوجد كهرباء وفي ظل عدم وجود الكهرباء المياه تنقطع، يتم الاعتماد على المياه من الآبار، وتوفير الكهرباء من الماتورات الخارجية والبطاريات لكن هذا كله مؤقت، الكهرباء خلال الـ24 ساعة جاءت ساعة واحدة فقط، الآن اعتمد على الماتورات والبطاريات وهذا مؤقت، في بعض المناطق بالقطاع انقطعت عنهم الكهرباء بسبب القصف.

يتم رفع المياه إلى البراميل من خلال ماتورات لضخها، وفي حالة انقطاع الكهرباء لا تعمل المضخات، وفي هذه الحالة نعتمد على الآبار المتواجدة في المنازل، أنا اعتمد عليها حاليًا، لكن ليس كل المنازل موجود فيها آبار، إذا استمر قطع الكهرباء لن يكون هناك مياه. بالنسبة للمواد التموينية فهي موجودة لغاية الآن، لكن هناك احتمال بأن تنفد الكميات إذا استمر الحصار، الوضع صعب جدًا، لا يوجد مكان آمن في غزة.

تواصلت في 10 أكتوبر مع صاحب المقابلة للاطمئان عليه لا سيما مع القصف غير المسبوق الذي شهده حي الرمال، كان لا يزال في منزله.

وفي 11 أكتوبر، قرابة الساعة السابعة مساءً، قال في رسائل سريعة ومختصرة عبر "الفيس بوك" للإجابة عن حاله وهل إن ما زال في حي الرمال: غزة كلها صعبة، غزة كل أماكنها صعبة، ادعيلنا نضل عايشين

الصحفية شيرين خليفة من مدينة غزة أجابت عند سؤالها عن الوضع بأنني أعلم أكثر منها، فلا قدرة على التغطية ولا اتصال مع العالم الخارجي، أجريت المقابلة معها في 10 أكتوبر، في اليوم الرابع لعملية للعدوان الإسرائيلي على القطاع.

عن صورة الوضع، أنتي تعلمين أكثر مني، اتصلت بالإنترنت من بيت عمتي، معظم خطوط الإنترنت منقطعة، من يوم السبت والإنترنت مقطوع، بدأ يضعف وبعدها فصل تمامًا، في يوم الأحد بالليل عاد لصباح الإثنين وبعدها انفصل، وعندما تحدثنا في ساعات عصر الثلاثاء كان الإنترنت مقطوعًا.

في العادة، عندما يكون هناك عدوان يتم استهداف شبكة الإنترنت، وأزمة الكهرباء وانقطاعها أصلا موجودة ما قبل العدوان، عمليات القتل مستمرة وفي كل مكان، الضرب عشوائي، لا يوجد كهرباء من الشبكة أو من ماتورات الشوارع، لا يوجد مكان آمن، كل مكان معرض للقصف، ولا نعرف ما هي آلية التحذير للإخلاء، بعض البنايات يتم تحذيرها وبنايات أخرى تقصف دون تحذير، يتم القصف غالبًا دون تحذير وهذا سبب وقوع عدد كبير من الضحايا، الغالب يكونون من عائلة واحدة.

يشتد القصف في الليل، غالبية العائلات من الأماكن الحدودية والشرقية توجهوا إلى الداخل من القطاع نفسه، وعائلات نزحت من البحر إلى وسط المدن، إلى وسط غزة وخانيونس، للبحث عن أماكن يعتقدون أنها أكثر أمانًا، ويوجد اكتظاظ شديد داخل المدن.

 Abed Rahim Khatib/ Getty Images
 Abed Rahim Khatib/ Getty Images

في كل عدوان أبحث عن اللحظة المناسبة للتغطية، هذه الأيام لم أخرج، أي حركة معناها الموت، ما في مغامرة للخروج من المنزل. مهما حاولت التعامل مع الأطفال، هم سامعين أصوات القصف، شايفين من الشبابيك، أو شامين الدخان.

 يوجد دكاكين صغيرة في الحارات لسد الاحتياجات، الخوف عندما تطول الأزمة والمواد الأساسية يصير فيها شح، في خوف من شح المواد مع الإطالة.

مكان تواجدي نوعا ما آمن، في حرب 2021 جهزت الشنطة فيها اللاب توب وأوراق الثبوتية وملابس رتبتها على وضع "رولات"، ولكن لحظة قصف بين جيراننا حملت ابن أخي كان مكسورًا في إحدى رجلين، وتركت الشنطة مع أنها بجانبي.

كان الصغار يلعبون خلال حديثي مع شيرين: يحاولون أن يعلوا أصواتهم فوق صوت القصف.

في مساء 11 أكتوبر، قالت شيرين في رسال سريعة: ما زلت على قيد الحياة مبارح بعد ما سكرت معك صارت ضربة جامدة بشارعنا لبيت استشهد فيه عدة أشخاص، ومن البيت اللي جنبه كمان وبالليل صار قصف استشهد فيه 3.

ARIS MESSINIS/Getty Images
ARIS MESSINIS/Getty Images

لم أستطع أن أجري حديثًا كاملا مع آلاء أبو عيشة وسمير أبو مدلله، كانت الرسائل مقتضبة وهذا ما جاء فيها:

آلاء: ادعولنا وكونوا صوتنا، الله أعلم شو كاتب، الوضع صعب جدًا جدًا، بنحاول نخبي خوفنا عشان أولادنا بس بتيجي لحظات بتنفجر دموعنا مرة وحدة.

جاء في الاتصال الثاني مع سمير أبو مدلله، في صباح 11 أكتوبر قبيل الظهيرة، حيث أخبرنا عن الوضع في حي الكرامة: القصف وصل المنطقة، جازفنا وطلعت بسيارتي وسيارة ابني، وصلنا بيت العيلة، الكرامة انحرقت، ليلة صعبة جدًا، شفنا الموت مرات، فرار الخروج بالسيارات مجازفة، سيارتي واحنا طالعين مزعها شظية وسيارة ابني راح زجاجها.

الرواية تكتب ولا تكتمل، دائمًا للقصص تفاصيل لا تنتهي..