16-مارس-2023
جنود في جيش الاحتلال

جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي - صورة أرشيفية

بعد التدقيق في بيانات جيش الاحتلال ومخابراته وقادتهما منذ أكثر من أسبوعين، وقراءة من ما ورد بين سطورها وما تجاهلته، لا نحتاج إلى عناء كبير لندرك أن "الجهد الميداني بشقّيه العسكري والاستخباري"، بات يعتمد في جزء منه على "الكمائن الوقائية"، خصوصًا شمال الضفة الغربية الملتهبة.

"الكمائن الوقائية"، مرهقة، وتستنزف القوات الخاصّة، وخطرة في حال اكتشافها، لكنّ "اختبار التجربة" دفع منظّري الحرب الإسرائيليين لاعتبارها "الدواء المتاح" في ظل غياب "الدواء الناجع" 

في الماضي القريب، وتحديدًا خلال نهاية سنوات التسعينات، وقعت في جنوب الضفة الغربية عدة عمليات إطلاق نار، تطلّب تنفيذها معرفة في طبوغرافية المكان، واختيار هدف، والانقضاض عليه بسرعة والانسحاب كلمح البصر، العمليات الثلاثة وقعت نفس المكان تقريبًا، الأولى لم توقع خسائر بشرية، ثم تم تكرار العملية فقتل جندي، لم تكن في تلك الفترة الهواتف الخلوية شائعة الاستخدام، وأيضًا لم تكن القدرات الاستخبارية التقنية المتاحة اليوم، موجودة بنفس الدرجة من الدقة، ولم تتوفر معلومات حول هوية المهاجمين، لكن الفرضيات الأوليّة كانت تُرجّح أن لديهم شعورًا بالنّجاح، فرغم أنّهم لم يقتلوا جنودًا في المرة الأولى، إلّا أنّهم نجحوا في إطلاق النار والانسحاب، وهذا دفعهم لتكرار المحاولة، وبالفعل نجحوا في الثانية. 

وحتى تنفيذ الهجوم الثاني كان العقل الاستخباري الإسرائيلي ما يزال عاجزًا عن صياغة هذه الفرضيات، لكن بعد الهجوم الثاني  وسقوط قتيل، نشرت قوات "جفعاتي" كمائنها في الجبال المحيطة على مدار أشهر طويلة دون كلل أو ممل، على أمل بنجاح "الكمين" فيما عجزت عنه أجهزة الاستخبارات والاعتقالات في صفوف أبناء المنطقة. وبالفعل في ساعة متأخرة من تلك الليلة تسللت الخليّة المكونة من شخصين إلى نفس مفترق الطرق وأطلقوا النار وانسحبوا، ووقع اشتباك طويل لساعات قتل فيه قائد قوة النخبة من قوات "جفعاتي" ووقع أحد المهاجمين أسيرًا (أمين الطل من الظاهرية) بعد إصابته بجراح وفقدانه الوعي، وتحرر لاحقًا في صفقة "وفاء الأحرار"، فيما نجح المسلح الثاني بالانسحاب (إياد البطاط من الظاهرية)، واستُشهد بعد ذلك في "بيت عوا". 

"عملية التقييم" أمر روتيني داخل كل الجيوش والأجهزة الاستخبارية لرسم ملامح سلوك العدو العملياتيّ بهدف إيجاد الثغرات، وتحديد أنماط عمله لمهاجمة نقاط ضعفه وتحييد نقاط قوته. 

"الكمائن الوقائية" يراهن عليها جيش الاحتلال في رفع معنويات جنوده والمستوطنين، ويعتبرها أيضًا ضربة معنوية للمهاجمين وأنصارهم، وبابًا التشكيك فيهم 

منذ أشهر هناك أهداف روتينية تتعرّض لهجمات روتينية تقريبًا بشكل يومي أو أسبوعي؛ مسارات المهاجمين قبل التنفيذ وبعده باتت معلومة، ومسألة قدومهم مسألة وقت، لذلك فإن المنطق العسكري يفترض غياب عنصر المفاجأة، لذلك فإنّ خطة الدفاع الأمثل تقوم على "الكمين الوقائي"، أي انتظار القوة المهاجمة ومباغتتها قبل الشروع بالهجوم، أو الانقضاض عليها خلال هجومها أو أثناء الانسحاب.

"الكمائن الوقائية" يراهن عليها جيش الاحتلال في رفع معنويات جنوده والمستوطنين، ويعتبرها أيضًا ضربة معنوية للمهاجمين وأنصارهم، وبابًا التشكيك فيهم بالادّعاء بوجود اختراق في صفوفهم، رغم أنّ هذا النمط من الكمائن تلجأ إليه الجيوش في ظل العجز الاستخباري حول نوايا الخصم.

على الأقل جاء على لسان قادة جيش الاحتلال والمتحدثين الرسميين وضباطه السابقين، أنّ الكمائن الأخيرة للواء "جفعاتي" في جيش الاحتلال شمال الضفة الغربية كانت نجاحًا، والنجاح مدعاة لاعتماد هذا التكتيك.