25-يونيو-2023
مستوطنات يقدن قطيعًا من الأغنام قرب مستوطنة "ايتمار" جنوب شرق نابلس - Getty Images

مستوطنات يقدن قطيعًا من الأغنام قرب مستوطنة "ايتمار" جنوب شرق نابلس - Getty Images

تمثل البؤر الزراعية والرعوية الاستيطانية واحدة من أبرز عناوين المشروع الاستيطاني هذه الأيام، إذ يبدو هذا الفعل المتشكل بالسيطرة على أراضي الفلسطينيين من خلال رعاة مستوطنين مسلحين وبحماية الجيش وسيلة تضاف إلى مجمل الوسائل المتخذة للسيطرة على الأرض وطرد الفلسطينيين والسيطرة على المصادر الطبيعية، وتحديدًا المياه خصوصًا في السفوح الشرقية من الضفة الغربية والتي تمتد من جنوب محافظة الخليل وحتى الأغوار الشمالية. لكن، يبدو ظاهريًا أن هناك مساران مختلفان ومنفصلان لا علاقة بينهما ولكنهما في حقيقة الأمر بمثابة مسار واحد فقط:

أولًا: المسار الرسمي

تستولي حكومة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية بطرق رسمية تحت مسميات قانونية سنّتها لهذا الغرض. وبهذا الصدد لجأت حكومة الاحتلال إلى سلسلة إجراءات وآليات للسيطرة على الأراضي المحتلة عام 1967 والتي تتمثل في ضم مدينة القدس الشرقية وإجراءات التهويد المستمرة فيها إلى يومنا هذا، مثل إعلان أراضي دولة، والمحميات الطبيعية، وأوامر الاستملاك، وأوامر وضع اليد، وإغلاق مناطق بحجج عسكرية، وخلق مناطق نفوذ للمستعمرات، وإقامة جدار الضم والتوسع العنصري وعزل مناطق خلفه وأوامر منع البناء الخاصة بالجدار، وبناء المستوطنات وتخصيص أراضٍ لتوسّعها الاستيطاني، والسيطرة على مصادر المياه، واستغلال ما يعرف بقانون أملاك الغائبين للسيطرة على الممتلكات والأراضي الفلسطينية مثلما حدث في الشيخ جراح في مدينة القدس، وهذا أدى إلى السيطرة والاستيلاء على 2380 كم2 من المناطق المصنفة (ج) في أراضي الضفة الغربية.

أيضًا سعت مختلف سلطات حكومة الاحتلال إلى تشجيع المستوطنين على الانتقال للسّكن في المستوطنات وإقامة وتطوير مبادرات اقتصاديّة فيها وفي محيطها، إذ تقدّم الدّولة عبر قنوات رسميّة وغير رسميّة الكثير من الامتيازات والمحفّزات للمستوطنين ومستوطناتهم، كما تقدم امتيازات كبيرة في مجال الإسكان ليتمكّن حتى من يعدمون الإمكانيّات الماليّة الكافية من شراء منزل في المستوطنات والانتقال للسّكن هناك. وتعدّ هذه الامتيازات من عوامل سُرعة تزايُد السكّان في مستعمرات اليهود الأرثوذكس الكبيرة في الضفة الغربيّة مثل (موديعين عيليت، وبيتار عيليت)، حيث بلغ عدد المستعمرين 140 ألف مستعمر. إضافة إلى ذلك هناك نحو ثلاثين مستعمرة - بعضها متينة اقتصاديًّا - يحصل سكّانها على امتيازات ضريبيّة كبيرة تصل إلى 200 ألف شيكل سنويًّا لكلّ مستوطن.

كما تقدّم السّلطات الإسرائيليّة امتيازات ومحفّزات للمناطق الصّناعيّة في الضفة الغربيّة عبر تخفيض أسعار الأراضي ودعم تشغيل القوى العاملة، وهذا بدوره يشجّع تزايُد عدد المصانع في المناطق الصناعيّة الإسرائيليّة في الضفة الغربيّة بشكل متواصل. كذلك تشجّع الدّولة اليهود على إقامة بؤر استيطانيّة زراعية جديدة في الضفة الغربيّة والاستيلاء من خلالها على مساحات واسعة من الأراضي الزراعيّة والمراعي الفلسطينيّة، إذ أقيمت خلال العقد الأخير نحو 59 بؤرة استيطانيّة زراعية استولت فعليًّا على عشرات آلاف الدّونمات.

ثانيًا: المسار غير الرسمي

 يتمثل هذا المسار بالمستوطنين واعتداءاتهم، إذ يستولي المستعمرون على الأراضي الفلسطينية من خلال اعتداءاتهم عليها وعلى المواطنين بدعم مباشر ورئيسي من حكومة الاحتلال التي تتيح لهم السيطرة والبقاء في الأراضي الفلسطينية بهدف السيطرة والاستيلاء على الأراضي التي لم يتمكنوا من سلبها بالطرق الرسمية، وهذا يعد جزءًا من استراتيجية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الساعي إلى ضم وقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإن اعتداءات المستعمرين جزء من سياسة حكومة الاحتلال التي تسمح بها وتشارك فيها وفي تنفيذها وتسهيلها. 

يسعى نظام الاحتلال الإسرائيلي المسيطر على كافة المناطق ما بين النهر والبحر إلى تحقيق تفوق يهودي في هذه المناطق

تسمح حكومة الاحتلال للمستوطنين بالسيطرة والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية التي تُسلب بالقوة من خلال إنشاء البؤر الاستعمارية التي لا تختلف عن المستعمرات الاستيطانية سوى في أنها تُقام بدون ترخيص رسمي من حكومة الاحتلال أو خطة تسمح لهم بالبناء، وتساهم الحكومة الإسرائيلية في دعم المستعمرين من خلال توفير الحماية وشق الطرق وتزويدهم بالكهرباء والماء وتقديم الدعم عبر قنوات حكومية ومجالس المستوطنات ومنح أفضلية لمشاريع اقتصادية ومنشآت زراعية ودعم مزارعين وحماية قانونية ضد الالتماسات التي تطالب بإخلائهم.

في المقابل وعلى الرغم من توثيق آلاف الاعتداءت على الفلسطينين من قبل المستعمرين، وهو ما أصبح جزءًا من روتين نظام الاحتلال في الضفة الغربية، لم يُترك أي أثر، الأمر الذي أدى إلى استمرار الاعتداءات التي شملت الضرب والرشق بالحجارة وإحراق الحقول والمراعي وتقطيع الأشجار وحرق وإعطاب السيارات وسرقة الثمار واطلاق الرصاص واستهداف المنازل وطرد الرعاة والمزارعين والسيطرة على مصادر المياه، في حين يمتنع الجيش عن لجم المستعمرين ومنعهم، بل إنه عوضًا عن ذلك يعتقل أصحاب الحق ويطردهم ويعتدي عليهم ويوفر الحماية للمستعمرين. 

ويسعى نظام الاحتلال الإسرائيلي المسيطر على كافة المناطق ما بين النهر والبحر إلى تحقيق تفوق يهودي في هذه المناطق. ومن أجل تحقيق هذا الهدف؛ قسّم الأراضي والسكان الفلسطينيين إلى وحدات شتى وخصص للفلسطينيين في كل وحدة رزمة مختلفة من الحقوق وجميعها منقوصة مقارنة بالحقوق الممنوحة لليهود المقيمين في نفس المناطق التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال. في إطار هذه السياسة جرى تجريد الفلسطينيين من حقوق كثيرة بما فيها حق تقرير المصير. وتقوم سياسة الاحتلال على هندسة أو تشكيل الحيز بطرق عدة منها الهندسة الديمغرافية للحيز بواسطة قوانين وأوامر تمنح امتيازات المواطنة الإسرائيلية لجميع يهود العالم، في حين أنها لا تتيح منح أي من التسهيلات للفلسطينيين، والتشكيل المادي للحيز المكاني عبر السيطرة والاستيلاء على ملايين الدونمات وإقامة المستوطنات والبؤر الاستعمارية والأحياء لليهود فقط، وعزل الفلسطينيين في معازل وكنتونات منفصلة وغير متصلة جغرافيًا، والتي تؤثر وتقيّد حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين.

توزيع إنشاء البؤر الرعوية الاستيطانية على السنوات

النظام الذي يسعى عبر قوانينه وممارسته واعتداءته المنظمة في كافة الأراضي التي يسيطر عليها إلى تحقيق وإدامة تفوق مجموعة من البشر على أخرى هو نظام فصل عنصري (أبارتهايد)، وهو لم ينشأ في وقت قصير بل منذ قيام هذا الكيان المحتل على أراضي فلسطين، إذ جرى تفعيل وخلق قوانين وفرض مزيد من الوقائع والإجراءات على الأرض سعيًا إلى تحقيق التفوق اليهودي في كافة الأراضي المحتلة عام 1948 و1967.

بلغ عدد البؤر الاستيطانية الزراعية ما مجموعه 89 بؤرة زراعية حتى هذه اللحظة، تسيطر على مساحة تقدر بـ 308 آلاف دونم تقريبًا

كما ينص قانون الأساس الذي سنّ في العام 2018 على حق تقرير المصير للشعب اليهودي وحده، ويقر تمييز اليهود عن غير اليهود لا في الأراضي المحتلة فقط، بل في العالم أجمع، تمييزًا أساسيًا شرعيًا. ناهيك عن نوايا صرح بها علنًا كبار المسؤولين، يالضم الرسمي لأجزاء إضافية من الضفة الغربية، وهو ما أوقف على المستوى الرسمي لاحقًا، في حين أنه على الأرض ما يزال الضم قائمًا ويمارس على الأرض.

وقد بلغ عدد البؤر الزراعية التي أقيمت على أراضي المواطنين ما مجموعه 89 بؤرة زراعية حتى هذه اللحظة، وتسيطر هذه البؤر على مساحة تقدر بـ 308 آلاف دونم تقريبًا، وبلغ عدد البؤر المختلطة (بؤر تجمع ما بين السكن والزراعة والرعي) ست بؤر.

أهداف إقامة البؤر الزراعية والرعوية

تتمثل أهداف إقامة البؤر الزراعية والرعوية بالنقاط التالية:

أولاً: ربط المستعمرات من خلال السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي.

ثانيًا: عزل البلدات الفلسطينية عن بعضها وعزل السكان عن المصادر الطبيعية.

ثالثًا: تهجير الفلسطينيين والتضييق عليهم وضرب الديمغرافيا تحديدًا في الأغوار.

رابعًا: خلق جيوب استيطانية استعمارية جديدة، تحاصر الفلسطينيين، وتشكل امتدادًا شاسعًا للمشروع الاستيطاني.

خامسًا: السيطرة على الموارد الفلسطينية، تحديدًا في السفوح الشرقية للضفة الغربية.

وتنتشر البؤر الزراعية والرعوية وتسيطر على 270 كم2، أي ما يمثل حوالي 8%، من مساحة الأراضي المصنفة (ج). ومن الأمثلة على السيطرة والاستيلاء على الأراضي هو وجود ست بؤر رعوية وزراعية تسيطر على 49 كم2 شرقي طوباس.

تسارع إنشاء البؤر الزراعية الاستيطانية

بدأ إنشاء ما يعرف بالبؤر الزراعية في عام 1984، إذ أقيمت أول بؤرة زراعية وهي بؤرة هار سيناي، على أراضي المواطنين في محافظة الخليل وبلغ عدد سكانها 850 مستعمرًا. توالى بعد ذلك إنشاء البؤر الزراعية حتى وصل عددها عام 2012  إلى ما مجموعه 18 بؤرة زراعية موزعة على أراضي المواطنين في الضفة الغربية. وبعد عام 2012 تسارع إنشاء البؤر الزراعية على أراضي الضفة الغربية، فأقيمت في عام 2013 بؤرة زراعية واحدة على أراضي المواطنين في محافظة نابلس، ثم في عام 2014 أقيمت 3 بؤر زراعية على أراضي المواطنين في محافظات بيت لحم (2) وطوباس (1).

توزيع البؤر الرعوية على المحافظات

وفي العامين 2015-2016 أقيمت 4 بؤر في محافظات القدس ورام الله وسلفيت وطوباس. وفي العامين 2017-2018 أنشئت 12 بؤرة زراعية على أراضي المواطنين في محافظات الخليل (6) وطوباس (2) ورام الله (2) ونابلس (2). وفي العام 2019 وحده أنشئت 15 بؤرة زراعية على أراضي المواطنين في محافظات رام الله (8) وبيت لحم (2) وأريحا (1) والقدس (1) وجنين (1) والخليل (1) وطولكرم  (1). وفي العام 2020 أنشئ ما مجموعه 11 بؤرة زراعية على أراضي المواطنين في محافظات الخليل (4) ونابلس (3) ورام الله (4) وسلفيت (1). ثم في العام 2021 أنشئت 7 بؤر زراعية على أراضي المواطنين في محافظات الخليل  (3) وبيت لحم (2) وأريحا (1) ورام الله (1) وسلفيت (1). وفي العام 2022 وحتى هذه اللحظة أقيمت 6 بؤر زراعية على أراضي المواطنين في محافظات الخليل (1) ورام الله (1) ونابلس (1) وسلفيت (1) وطوباس (2)، كما أنه في العام 2023 وحتى اللحظة أقيم ما مجموعه 10 بؤر رعوية.

ويتركز وجود هذه البؤر في مجموعة من المحافظات، إذ بلغ عدد البؤر الزراعية في محافظة الخليل 22 بؤرة، واعتبرت أعلى محافظة من حيث عدد البؤر، تليها محافظة رام الله بـ21 بؤرة زراعية، ثم محافظة نابلس بـ14 بؤرة زراعية، ثم محافظة بيت لحم بـ 8 بؤر، ثم طوباس بـ 9 بؤر، ثم سلفيت بـ 6 بؤر، ثم أريحا وجنين بـ 4 بؤر لكل منهما، وأخيرًا طولكرم ببؤرة واحدة.