14-نوفمبر-2016

أقرت لجنة وزارية إسرائيلية مشروع قانون يسعى إلى حظر رفع الأذان في مساجد بمدينة القدس وداخل الخط الأخضر، في خطوة رآها معلقون تصعيدًا غير مسبوق ضد الحريات العقائدية، بل ذهب بعضهم باتجاه القول إنها إعلان صريح لحرب دينية من الجانب الإسرائيلي.

القانون يستهدف الأذان حصرًا

وينص القانون حرفيًا على أن "مئات الآلاف من المواطنين في إسرائيل، في الجليل والنقب والقدس، وتل أبيب ويافا، وفي أماكن أخرى من وسط البلاد، يعانون يوميًا وبشكل عير اعتيادي من الضوضاء الشديدة التي يحدثها رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في المساجد، عدة مرات في الليلة وفي ساعات الصباح الباكرة."

بدأت دعوة حظر رفع الأذان من المستوطنات وتبناها نوابٌ في الكنيست ثم أعلن رئيس الحكومة تأييده لها

ويطالب مشروع القانون بمنع الأذان عبر مكبرات الصوت، بزعم أنها كما ورد في النص "تزعج المواطنين الإسرائيليين، وتسبب أذى بيئيًا". كما يخول الشرطة الإسرائيلية صلاحية استدعاء مؤذنين للتحقيق معهم، وفتح إجراءات جنائية بحقهم، ومن ثم فرض غرامات مالية عليهم.

اقرأ/ي أيضا: عرس إسرائيلي: آن أوان تصعيد الاستيطان والتهويد

وتقدم بهذا المشروع النائب من حزب "البيت اليهودي" موتي يوغيب، وعدد من نواب اليمين، وقد صادقت لجنة وزارية متخصصة بشؤون التشريع عليه، مساء الأحد، كما أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تأييده لسنّه، ما يعني أن الائتلاف الحكومي صاحب الأغلبية في الكنيست سيصوت لصالح القانون.

ومن المفترض أن يتم تطبيق القانون في القسم الشرقي من القدس، وفي القرى والبلدات والمدن والتجمعات البدوية داخل الخط الأخضر، وقد يؤدي نجاح تطبيقه إلى مطالبة المستوطنين في الضفة الغربية بتنفيذه في البلدات والقرى التي أقيمت المستوطنات بالقرب منها، وهي أول من أطلقت الدعوة لحظر الأذان، وعلى رأسها مستوطنة "غيلو".

ماذا يحتاج ليصبح نافذًا؟

وحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب، فإن تشريع القانون في إسرائيل يمر بعدة مراحل، أولها طرح المشروع من قبل المتقدم به أمام النواب للتصويت عليه، وهو ما يسمى بالقراءة الأولى، ثم يلي ذلك، مرحلة اللجنة المتخصصة ونقاش القانون بندًا بندًا.

ويوضح أبو عرقوب لـ "ألترا فلسطين"، أن هذه الخطوات تتبعها ما تسمى بالقراءة الثانية، ويتولى خلالها رئيس اللجنة المختصة قراءة كل بند وسماع التحفظات عليه، ثم التصويت عليها بندًا بندًا، ليُشطب كل بند يُرفض في التصويت.

أما القراءة الثالثة، فتأتي بالرغم من مصادقة الكنيست على القانون في القراءتين الأولى والثانية، لمعرفة ما إذا كان النواب مازالوا موافقين على مشروع القانون بعد التعديلات التي أُدخلت عليه.

ويبين أبو عرقوب، أن المرحلة الخامسة هي مرحلة سريان مفعول القانون، وذلك في غضون 10 أيام من القراءة الثالثة، إذ يجب أن يوقع عليه الرئيس ورئيس الحكومة والوزير المختص، مشيرًا إلى أن عملية تشريع القانون تستغرق فترة تتراوح بين عدة أشهر إلى عام كامل.

ثمرة جهود طويلة

محاولات حظر رفع الأذان بدأت منذ سنوات واستهدفت بشكل أساسي مساجد داخل الخط الأخضر، وفي المدن التي يسميها الاحتلال بـ"المدن المختلطة"، مثل يافا، إلا أن الاحتلال كان الوحيد الذي اتخذ مثل هذه الخطوة بحق الأذان، وفق المؤرخ إيهاب جلاد.

ويفيد جلاد لـ "ألترا فلسطين" بأن استخدام مكبرات الصوت في القدس بدأ في خمسينيات القرن الماضي، أي خلال الحكم الأردني للقسم الشرقي منها، ولم تسجل خلال فترة الاحتلال البريطاني تضييقات على رفع الأذان الذي كان الصوت فيه محدودًا لعدم وجود مكبرات الصوت.

وأشار إلى أن استخدام هذا القانون جاء نتيجة تضييقات بدأها مستوطنون داخل الخط الأخضر، وتطورت بحرق المساجد وكتابة شعارات عنصرية عليها إلى هذا الحد.

وفي وقت سابق، تم الكشف عن تنظيم إرهابي يدعى "عصابة اليهود"، ينظم جولات للتشويش على الأذان في البلدات والقرى الفلسطينية المحاذية للتجمعات السكنية الاسرائيلية داخل الخط الأخضر منذ عدة سنوات.

وأظهر شريط فيديو حصل عليه "ألترا فلسطين" المستوطن يوسي آياش زعيم التنظيم وهو يقدم إرشادات ويشرح طريقة التشويش على صوت الأذان في يافا.

حرب دينية؟

ويمثل الإجراء الإسرائيلي انتهاكًا صارخًا لحق حرية العبادة الذي تكفله القوانين الدولية، وقد عزاه مراقبون إلى رغبة الاحتلال في الرد على قراري "اليونسكو" الأخيرين الذين أدانا انتهاكاته بحق الأقصى، فيما ذهب آخرون إلى القول بأنه محاولات لاستغلال وصول دونالد ترامب إلى الحكم في تنفيذ خطوة تهويدية ينوي الاحتلال تنفيذها منذ زمن.

وإلى جانب ذلك، فإن جهات عديدة حذرت من أن هذه الخطوة تعطي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صبغة دينية، ما ينذر بمخاطر شديدة وعواقب وخيمة، وهو ما أكد عليه وزير الأوقاف يوسف ادعيس، معتبرًا أن القانون "ينضح تطرفًا وعنصرية تجاه أبناء الديانة الإسلامية في القدس".

الأوقاف الفلسطينية والأردنية ومراقبون يجمعون على الخلفية الدينية لمشروع قانون حظر الأذان ونية الاحتلال جر المنطقة لحرب دينية

وقال ادعيس، إن القانون يعبر عن عنصرية تجاوزت الأبعاد السياسية لتصل إلى أبعاد دينية تنذر المنطقة كلها بحرب دينية من خلال المساس بحرية المعتقدات ووسائل التعبير عنها، مشددًا على أن الإجراء لن يغير الواقع الديني لمدينة القدس.

اقرأ/ي أيضا: هل صدّقت إسرائيل وعد ترامب بنقل السفارة للقدس؟

وأكدت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس (التابعة للأردن) الخلفيات الدينية لمشروع القانون، مؤكدة أنه يأتي في سياق محاولات الاحتلال تكريس يهودية الدولة، وطمس كل ما هو عربي وإسلامي في بيت الـمقدس، وأنه يشكل حربًا على الإسلام والـمسلمين.

وأشارت الأوقاف إلى أن الأذان منذ رفعه الصحابي بلال بن رباح في القدس؛ لم ينقطع حتى في زمن "الحروب الفرنجية"، مؤكدة أن الأذان سيبقى يصدح ولن يستطيع أحد وقفه.

وقالت القيادية في حزب التجمع حنين الزعبي، إنه لن يستطيع أحد منع رفع الأذان، مضيفة، "الذي يتذمر من صوت الأذان هو من اختار أن يسكن بجوار المساجد، ومن يزعجه صوت الأذان عليه أن يعود إلى أوروبا من حيث أتى ليأخذ راحته".

ووافق الباحث المختص في شؤون القدس راسم عبيدات على رؤية الأوقاف الفلسطينية والأردنية لمشروع القانون، مؤكدًا أن الاحتلال يسعى لتحويل الصراع من وجودي على الأرض؛ إلى حرب دينية، وأنه يحاول جر المنطقة برمتها إلى هذا الخيار.

ورأى في حديث لـ "ألترا فلسطين" أن الخطوة "تطور خطير وقمة الإسفاف والوقاحة"، مؤكدًا أنه في حال تم استبعاد المسجد الأقصى في المرحلة الأولى من تنفيذ القانون، فإن الدور سيصله بلا شك لاحقًا.

وأشار إلى النقاشات التي دارات مؤخرًا في الكنيست حول إلغاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، وهي ليست الأولى من نوعها، موضحًا، أن هذه الإجراءات تهدف في النهاية للوصول إلى هذه النتيجة.

اقرأ/ي أيضا:

سابقة إسرائيلية لربط الضفة والقدس و"تل أبيب" معًا

نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

الظاهرية.. غنيّة بالآثار فقيرة بالزوّار