29-أكتوبر-2023
إجراء هنيبعل وقتل الأسرى في الحرب

نفذ الاحتلال مجزرة في رفح خلال تطبيق بروتوكول هنيبعل (Getty)

في 1 آب/ أغسطس 2014، نفذ جيش الاحتلال مجزرة كبيرة في رفح، عرفت لاحقًا باسم "الجمعة السوداء"، بعد ساعة من بداية الهدنة الإنسانية خلال حرب 50 يومًا، ليتكشف أن جيش الاحتلال كان يطبق إجراء أو توجيه أو بروتوكول هنيبعل، والذي يقوم على فكرة "جندي قتيل أفضل من جندي أسير".

لم يعلن الاحتلال عن "بروتوكول هنيبعل"، رسميًا إلّا في عام 2003، فيما تعزز الحديث عنه في عام 2016 بعدما قرر رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق غادي آيزنكوت إلغاء بروتوكول هنيبعل، ووضع نسخة أخرى منه.

الفكرة الأساسية من بروتوكول هنيبعل، هي "جندي قتيل أفضل من جندي أسير"

وبروتوكول هنيبعل، هو أمر عسكري إسرائيلي، يوصف في "إسرائيل" بـ"المثير للجدل"، ويمنح عناصر جيش الاحتلال رخصة من أجل استخدام "قوة نارية واسعة النطاق وكل ما هو ضروري لمنع عملية اختطاف". ويتعزز الحديث عنه، مع كل صفقة تبادل، وبالأخص بعد صفقة "وفاء الأحرار"، أو صفقة شاليط، التي تستمر تقديرات الاحتلال بالحديث عن أنه دُفع فيها "الثمن الكبير" مقابل تحقيق التبادل.

وفي عام 2016 كان التوجه في جيش الاحتلال نحو وضع توضيح لإجراء هنيبعل، ووفق المصادر الإسرائيلية: "لم تكن هذه الخطوة بالضرورة تغييرًا كاملًا في السياسة، بل كانت توضيحًا لما يستلزمه بروتوكول هنيبعل بالضبط؛ ووفقًا لتقرير مراقب الدولة الذي سيصدر قريبا، فإن ضباط الجيش لديهم فهم مختلف للتوجيه".

ووفق المصادر الإسرائيلية، فإن "بروتوكول هنيبعل موجود في الجيش الإسرائيلي منذ عقود"، ووضع "كرد على عمليات تبادل الأسرى"، ويسمح التوجيه للجنود من جيش الاحتلال باستخدام كميات هائلة من القوة لمنع الجندي الإسرائيلي من الوقوع بالأسر. ويشمل ذلك "إمكانية تعريض حياة الجندي للخطر من أجل منع أسره".

وبحسب فهم جنود جيش الاحتلال، كما أكدت تقارير إسرائيلية، فإنه يعني "أنه يجب على الجنود قتل الجندي المهدد بالأسر عمدًا لمنعه من الوقوع في الأسر، وليس أنهم قد يصيبونه أو يقتلونه عن طريق الخطأ أثناء محاولتهم إحباط العملية".

أحد من ساهموا في وضع هذا البروتوكول هو يوسي بيليد، الذي هاجر إلى دولة الاحتلال من بلجيكا وخدم في جيش الاحتلال وتولى قيادة كتيبة عسكرية خلال حربي 1967 و1973. وعيّن عام 1983 رئيسًا لدائرة الإرشاد في الجيش ثم قائدًا للواء الشمال في الجيش الإسرائيلي.

وساهم في وضع البروتوكول غابي أشكنازي ويعقوب عميدرور. وجاء تحديدًا بعد صفقة تبادل الجبهة الشعبية- القيادة العامة، التي عرفت بصفقة جبريل في عام 1985. 

جمعة رفح السوداء... بروتوكول هنيبعل

كان الحدث الأبرز الذي استخدم فيه إجراء هنيبعل، في رفح مطلع آب/ أغسطس 2014، وذلك بعد أسر الجندي في جيش الاحتلال هدار غولدين. وبعد ساعات من القصف الإسرائيلي العنيف، أعلن جيش الاحتلال عن مقتل جنديه الأسير.

ومع إعلان تطبيق بروتوكول هنيبعل، في حينها، دخلت الدبابات إلى الأحياء وقامت الجرافات بهدف المنازل، مع قصف مدفعي ومن الطائرات، وذلك ضمن السعي إلى عزل منطقة الاختطاف، بالإضافة إلى استهداف كل المركبات التي كانت تتحرك.

وفي حينها، قال ضابط في هيئة أركان جيش الاحتلال: "تم استخدام قدر كبير من النيران في المنطقة، وتم مهاجمة أهداف من أجل عزلها"، مع إدراك جيش الاحتلال أن هذه القوة النارية الهائلة أدت إلى إصابة المدنيين، مما أدى إلى استشهاد 140 منهم على الأقل.

ووفق المصادر الإسرائيلية، ومن أجل تطبيق بروتوكول هنيبعل، تم إرسال كل القوة النارية تقريبًا في المنطقة الجنوبية الوسطى من قطاع غزة إلى رفح، بناءً على أوامر من قائد لواء جفعاتي عوفر وينتر.

إجراء هنيبعل

جذور إجراء هنيبعل

تختلف الآراء حول كيفية تسمية هذا البروتوكول، الذي ظل سرًا عسكريًا في دولة الاحتلال حتى عام 2003. ووفق تقارير إعلامية، فإن هناك دلائل على استنباط الاسم من الجنرال القرطاجي هنيبعل، الذي فضل تسميم نفسه بدلًا من الوقوع أسيرًا لدى الرومان، لكن مسؤولي جيش الاحتلال الإسرائيلي يصرون على أن "جهاز كمبيوتر قام بإنشاء الاسم عشوائيًا"، في محاولة للتنصل من أن فكرة الإجراء الأساسية تقوم على قتل الجندي والمجموعة التي تأسره.

ووضع توجيه هنيبعل، ثلاثة من قادة الجيش الإسرائيلي، في عام 1986، في أعقاب أسر حزب الله لجنديين إسرائيليين، وحدد الإجراء الخطوات التي يجب على الجيش اتخاذها في حالة أسر جندي. 

وبحسب تقرير في "مجلة نيويوركر"، فإن الأمر ينص على أنه "يجب استخدام نيران الأسلحة الخفيفة الانتقائية فقط في مثل هذه الحالات"، لكنها توضح الواقع، بالقول: "عندما يتم اختطاف جندي، تكون جميع الأهداف مشروعة، بما في ذلك سيارات الإسعاف، ومن المسموح به، بل ومن المستحسن ضمنيًا، للجنود أن يطلقوا النار من تلقاء أنفسهم".

خضع إجراء هنيبعل، إلى التعديل والإضافة، وبعد أسر الجندي جلعاد شاليط، تم تطبيق الإجراء، ولكن بشكلٍ متأخر نسبيًا، وعلى هذا الأساس قام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وعضو كابنيت الحرب الإسرائيلي حاليًا بيني غانتس، بتعديل التوجيه، مما جعله "يسمح للقادة الميدانيين بالتصرف دون انتظار تأكيد من رؤسائهم؛ وفي الوقت نفسه، تم تخفيف لغة التوجيه لتوضيح أنه لا يدعو إلى القتل العمد للجنود الأسرى"، وأوضح غانتس موقفه، من خلال "مبدأ التأثير المزدوج، والذي ينص على أن النتيجة السيئة، أي قتل جندي أسير، مسموح بها أخلاقيًا فقط كأثر جانبي لعمل جيد، أي وقف أسريه".

جلعاد شاليط

تطبيق إجراء هنيبعل

نفذ الإجراءات عدة مرات، منها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2000، عندما نفذ حزب الله عملية ضد دورية تابعة لجيش الاحتلال على الحدود. كما طبق مرة أخرى في أسر شاليط، كما أشرنا سابقًا، لكن في فترة "لم يعد فيها أي جدوى من تطبيقه".

وتكرر في 12 تموز/ يوليو 2006، بعد عملية أسر نفذها حزب الله، على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وتم تطبيق الإجراء بعد أكثر من نصف ساعة، لكنّ الإجراء فشل بعد انفجار عبوة ناسفة في دبابة على الحدود.

وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، طبق الجيش الإجراء من أجل منع اختطاف جثة جندي، فيما قالت كتائب القسام إن جيش الاحتلال قتل 6 من جنوده في تطبيق بروتوكول هنيبعل.

وفي نهاية عام 2009، قتل مستوطن على الحدود مع قطاع غزة، بعد محاولته عبور السياج، في تطبيق للإجراء. بالإضافة المجزرة المعروفة في باسم "جمعة رفح السوداء"، بعد أسر هدار غولدين، ونتيجة الجدل حول ذلك، حاول الجيش الإسرائيلي القول إن غولدين تم أسر جثته أساسًا.

وتم تطبيق الإجراء مرة واحدة في الضفة الغربية (ضمن ما ينشر إسرائيليًا)، يوم 29 شباط/ فبراير 2016، بعد دخول جنود من جيش الاحتلال إلى مخيم قلنديا عن طريق الخطأ، وبعد 20 دقيقة تم تفعيل إجراء هنيبعل.

getty

هنيبعل وطوفان الأقصى

مع بداية عملية "طوفان الأقصى"، وتنفيذ واحدة من أكبر عمليات الأسر في تاريخ المقاومة الفلسطينية، تجدد الحديث عن إجراء هنيبعل، بالتزامن مع سياسة "الأرض المحروقة" التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة.

وبحسب المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، فقد قتل حوالي 50 أسيرًا لدى المقاومة الفلسطينية، نتيجة قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة.

ومع بداية العملية، دعا بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، إلى ضرب حماس "بلا رحمة، دون أخذ مسألة الأسرى في الاعتبار بجدية". وقال جلعاد إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة ، إن الرهائن "لن يمنعونا من القيام بما يتعين علينا القيام به". فيما قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، إن "التركيز حاليًا يدور على الضرر وليس الدقة".

وكشف تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، الخميس، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استعان بشركتي تجسس مصنفتين على اللائحة السوداء في الولايات المتحدة، من أجل الكشف عن موقع الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.