21-أكتوبر-2015

جنود سوريون يعلنون استسلامهم للجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان 1973 (Getty)

يصادف اليوم، الثاني والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، ذكرى واحدة من محطات الانحدار العربي المتواصل، حين تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 338، خلال جلسته المنعقدة إثر الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة في 1973. تلك الحرب التي رآها العرب "نصرًا تاريخيًا" لمجرد أنّ هزيمة ساحقة لم تنلهم، على نحو ما كان يحصل في الحروب السابقة.

لو أنّ شعبًا حديثًا يقطن فلسطين ما كان ليخطر ببال الحركة الصهيونية أنّ بإمكانها السيطرة على فلسطين

لم يفعل القرار سوى "تطبيع" الوقائع التي أنتجتها هزيمة حزيران/يونيو 1967. فبعد دعوته الأطراف المشتركة في القتال "إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة، وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فورًا" أكد القرار 338 في بنده الثاني على البدء "بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967) بجميع أجزائه". ومعلوم أن القرار 242، ورغم تضمينه عبارة ملتبسة حول "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها (وفي النص الإنجليزي:"من أراضِ احتلتها") في النزاع الأخير"، غير أنه قدّم لإسرائيل، في ذلك الحين، أقصى ما يمكن أن تطمح له بعد عقدين من قيامها الشاذ، وحروبها العدوانية التوسعية، وتهجيرها الفلسطينيين من أرضهم.

كرّس القرار 242 (ولاحقًا شقيقه 338) النتائج السياسية المترتبة على الهزيمة العسكرية التي لحقت بالعرب عام 1967، إذ نص على "أن تنهي كل دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقرّ الاستقلال والسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها في أن تعيش في سلام في نطاق حدود مأمونة ومعترف بها متحررة من أعمال القوة أو التهديد بها"، وأكّد على "ضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية في المنطقة، وتحقيق تسوية عاجلة لمشكلة اللاجئين، وضمان حدود كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي عن طريق إجراءات من بينها إنشاء مناطق منزوعة السلاح". لقد كان قرارًا بإضفاء "الشرعية" على وجود إسرائيل، وضمان أمنها، وإرغام العرب على الاعتراف بها والإقرار بنتائج عدوانها.

هذه مناسبة للتذكير بأنّ الهزيمة ليست سياسيّةً وعسكريّةً تخصّ الجيوش وأنظمة الحكم القائمة وحسب، بل إنها هزيمةُ المجتمع الذي أنتج السطح السياسي والنخب والأيديولوجيات التي تقود إلى الهزائم، على ما أكّد المفكر الراحل ياسين الحافظ.

والحافظ، الذي كان سبّاقًا إلى هذا التحليل ووصل بمبضع نقده إلى عمق الهزيمة وظروفها، يعود إلى بداية المشروع الصهيونيّ والخطوات الأولى لإنشاء إسرائيل على أرض فلسطين. ومما كتبه: "لو أنّ شعبًا حديثًا يقطن فلسطين ما كان ليخطر ببال الحركة الصهيونية أنّ بإمكانها السيطرة على فلسطين أو على جزء منها".

يتأكّد هذا التحليل على لسان ديفيد بن غوريون نفسه، أول رئيس وزراء إسرائيلي. فبعد توقيع آخر اتفاقيّات الهدنة مع العرب عام 1949، صرّح بن غوريون، في خطاب له أمام ضبّاط عصابات الهاغانا التي تحوّلت لاحقًا إلى ما سمّي "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بالقول: "إنّ ما تحقّق لنا نصر تاريخيّ عظيم للشعب اليهوديّ كلّه، كان أكبر ممّا تصوّرناه وتوقّعناه. ولكن إذا كنتم تعتقدون أنّ هذا النصر قد تحقّق بفضل عبقريّاتكم وذكائكم فإنّكم على خطأ كبير. إنّي أحذّركم من مخادعة أنفسكم. لقد تمّ لنا ذلك لأنّ أعداءنا يعيشون حالة مزرية من التفسّخ والفساد والانحلال".

عملت أجيال الاحتلال التالية بنصيحة بن غوريون، فلم تقف عند التفوق الناتج عن ضعف الخصم وإنّما أنجزت عملية تحديث وتصنيع في كافّة المجالات، الأمر الذي مكّن إسرائيل من احتلال مواقع متقدّمة عالميًّا في البحث العلمي وفي عدد من الصناعات والتقنيّات المتطورة، عدا عن منافستها لكبرى الدول في سوق السلاح، وحتّى في امتلاك التكنولوجيا النووية. أمّا عربيًّا، فحدّث عن "التفسّخ والفساد والانحلال" ولا حرج، إذ تضاعفت مستويات كلّ منها وباتت تغطّي مناحي الحياة العربية كافّة. وما زال العقل مهزومًا أمام اللاّعقل، والصبر مفتاح الفرج، أمّا العون والنصر "فمن اللّه جلّ وعَلا"!

اقرأ/ي للكاتب أيضًا:

في ثقافة الحرب الأهلية

ثورات شبابية وشيخوخة سياسية