04-نوفمبر-2017

صورة تعبيرية - عدسة عصام ريماوي (Getty)

لقد صار سؤال الهوية بطريقة أو بأخرى أمرًا ملحًا، ليس في الواقع الذي نعيشه وحسب، بل أيضًا في مستقبل الشباب الذي ارتكز على تلك الثقافة المختلطة، المتخبطة أصلاً، وصار لزامًا علينا أن نفكر في أسئلة عديدة: من يصنع قدوة شبابنا اليوم؟ ومن هو المثقف؟ ومن هو الإنسان العادي؟ بل إن الأمر تجاوز ذلك، لنجد أنفسنا أمام أسئلة تطرح نفسها علينا بقصد أو بغير قصد، من نحن؟ هل نحن أبناء فلسطين؟ أم أبناء الدولة الجديدة التي فرضت نفسها علينا؟

والهوية كما يعرفها صومائيل –ب- هنتكتون: "ليست إلا إحساس الفرد أو الجماعة  بالذات، بحيث تتشكل الهوية نتيجة لوعي تلك الذات، بأنها تمتلك خصائص مميزة تميزها عن غيرها، فالطفل الصغير قد يمتلك عناصر هوية ما عند ولادته بعلاقته مع اسمه وجنسه وأبوته وأمومته، إلا أن هذه الأشياء لا تصبح جزءًا من هويته حتى يدركها ويستطيع أن يعرف نفسه بها".

سيكون على أحدنا أن يسأل نفسه، ويفكر مليًا، قبل أن يعرّف على هويته، فمثلاً كيف يعرف الفلسطيني الذي يحمل هوية إسرائيلية عن نفسه؟

سيكون على أحدنا أن يسأل نفسه، ويفكر مليًا،  قبل أن يعرّف عن هويته. كيف يعرّف الفلسطيني الذي يحمل هوية إسرائيلية عن نفسه مثلا؟ مع أنه عربي الثقافة والمنشأ، ولا شأن له بتلك الألوان التي فرضها الاحتلال؟ فيقول أحمل هوية زرقاء، هكذا بتلك البساطة التي تأخذ من حقه في أن يعرف عن نفسه الشيء الكثير.

اقرأ/ي أيضًا: مئة عام من عزلة اللغة في مواجهة اللغة البيضاء

ثم من هو الإنسان دون أن يملك اسمًا ثابتًا ومحددًا؟ وكيف يستطيع أن يعرّف عن نفسه؟ كيف يحمل كل تلك التناقضات في هوية واحدة؟ يأتي الباحث الإسرائيلي شلومو ساند على طرفة معروفة - على حد قوله - نستطيع أن ننطلق منها. تدور أحداث تلك الطرفة، كما يرويها ساند، في إحدى ضواحي باريس، حيث تطلق المعلمة على أحد الطلاب المميزين في الحساب واللغة الفرنسية، اسم بيير، مع أن اسمه الأصلي هو محمد. وحين يرجع محمد ذاك إلى منزله تناديه والدته باسمه الحقيقي، فيرفض الإجابة قائلاً إن اسمه منذ اليوم هو بيير، يستمر الولد على هذا الحال حتى يصفعه والده، ويترك أثرًا في جبينه، وحين تراه معلمته تسأله: آه بيير من الذي فعل هذا بوجهك؟ فيرد الصغير: العرب ضربوني!

الموضوع يتجاوز مجرد الاسم؛ وليس مقتصرًا على جملة الصغير "العرب ضربوني". كم من بيير/محمد فينا؟ إن القضية  تلك تعيد طرح السؤال الذي بدأه غسان كنفاني في عائد إلى حيفا: "الإنسان لحم ودم؟ أم قضية؟".  في رواية كنفاني يرفض (خلدون/دوف) العودة مع والديه الحقيقيين، ويفضل البقاء مع أولئك اللذين ربياه، وإن كان الإنسان قضية، يتساءل كنفاني "ولكن أي قضية؟ هذا هو السؤال! فكر جيدًا".

بالأمس رأيت طالبة فلسطينية من الداخل المحتل تترجم مساق الدراسات الفلسطينية للعبرية، وكنت أراقب حديثنا معًا "إحنا وإنتو". وبالمناسبة كانت مئوية بلفور، فكرت مليًا بذلك الشطر العميق الحاصل قبل كل شيء في عقولنا نحن. وفي طريق العودة من نابلس إلى جنين، كانت العربات تدوس اليافطات التي ألقاها طلبة المدارس على قارعة الطريق من كل صوب، حاولت أن أعرف ما كتب عليها ولمحت آخر سطرين، كانت تقول: يسقط وعد بلفور!


اقرأ/ي أيضًا: 

وأنت.. ما رأيك بتسمية "عرب إسرائيل"؟

في بؤس مثقف الفقاعة

لجوء عاطفي إلى البلاد