20-يونيو-2024
قبرص وإسرائيل

العلاقات بين قبرص وإسرائيل تعززت بشكلٍ كبير بعد توقيع اتفاقية أوسلو

حذر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، الحكومة القبرصية من أن فتح المطارات والقواعد القبرصية للجيش الإسرائيلي، خلال أي حرب على لبنان، سيدفع حزب الله للتعامل معها على أنها جزء من الحرب.

"الشمس الزرقاء" تعتبر كبرى المناورات الثنائية بين الجيش الإسرائيلي والجيش القبرصي، وكان هدفها وفقًا لإذاعة جيش الاحتلال، آنذاك، رفع الجهوزية لاحتمال وقوع حرب مع حزب الله

تحذير حسن نصر الله لقبرص، أثار تساؤلات حول حقيقة العلاقات القبرصية الإسرائيلية التي تستدعي هذا التحذير في واحد من أبرز خطابات نصر الله منذ بداية الحرب على غزة، والدور المتوقع من قبرص في أي حرب قد تشنها إسرائيل على لبنان.

قبرص وإسرائيل.. مناورات عسكرية

منذ عدة سنوات يحرص جيش الاحتلال الاسرائيلي على إجراء مناورات ثنائية مع نظيره القبرصي، تشارك فيها كافة أذرعه –البر والبحر والجو– بمشاركة القوات النظامية والاحتياطية، وقد كانت أبرز هذه المناورات، مناورة "الشمس الزرقاء" التي خصصت لمحاكاة حرب إسرائيلية على لبنان.

وتولى قيادة مناورة "الشمس الزرقاء" في مطلع حزيران/يونيو عام 2022، رئيس أركان جيش الاحتلال بالتعاون مع الجيش القبرصي، حيث نفذت المناورة محاكاة لعملية إنزال على السواحل اللبنانية استعدادًا لحرب محتملة مع حزب الله.

وتعتبر "الشمس الزرقاء" كبرى المناورات الثنائية بين الجيش الإسرائيلي والجيش القبرصي، وكان هدفها وفقًا لإذاعة جيش الاحتلال، آنذاك، رفع الجهوزية لاحتمال وقوع حرب مع حزب الله، "وقد تم اختيار قبرص ميدانًا لإجراء هذه المناورات سنويًا بسبب طبيعتها الجغرافية المشابهة لجنوب لبنان، إذ تدربت القوات على شن معارك في مناطق وعرة ومعقدة وغير معروفة للجنود، كما تم التدريب على نقل الجنود جوًا وإنزالهم في أرض المعركة، واختبار مستوى التنسيق بين ذراعي الجو والبر في عمليات قتالية في مناطق جبلية وعرة" على حد قول الإذاعة.

وفي مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أي خلال الحرب على غزة، قالت إذاعة جيش الاحتلال إن القوات الجوية الإسرائيلية أجرت مناورات جوية في الأجواء القبرصية مع الجيش القبرصي تحاكي هجومًا إسرائيليًا على إيران، في إطار الاستعدادات وحالة التأهب لتجهيز المنظومتين الدفاعية والهجومية للردّ على هجوم إيراني محتمل.

أما أطول المناورات التي أجرتها إسرائيل في قبرص، في إطار الاستعدادات لشن حرب على لبنان، فهي مناورة "مركبات النار"، وتم تكريسها لمحاكاة حرب متعددة الجبهات تدوم أبعادها لمدة "شهر حرب".

وفي الأسبوع الأخير من مناورة "مركبات النار"، نفذت قوات الفرقة 98، التي تضم في صفوفها لواء الكوماندوز خصوصًا وحدة إيغوز، محاكاة لمعركة منطقة جبلية وفي مناطق غير مألوفة لم يتدرب جيش الاحتلال في منطقة مثلها من قبل، إذ تشبه تضاريس جنوب لبنان.

وكان جيش الاحتلال قد أسس وحدة إيغوز عام 1995، للقتال ضد حزب الله، بعد تصعيد هجماته في جنوب لبنان، وتم إلحاقها -باعتبارها وحدة كوماندوز- بالقوات البرية. وتقوم وحدة إيغوز على المتطوعين من الخدمة الاحتياطية الإلزامية التي تعمل ضمن لواء غولاني، وهي متخصصة في العمليات البرية المعقدة بتكتيكات حرب العصابات، خاصة في المناطق المغلقة والغابات والحقول، وقد ساهمت بصياغة العقيدة القتالية لكتائب المشاة والوحدات الخاصة في جيش الاحتلال.

يؤكد خبراء عسكريون إسرائيليون، أن اختيار قبرص لتنفيذ مناورات غزو لبنان لا يقتصر على تشابه التضاريس من حيث الطبيعة الجبلية، بل يرجع أيضًا إلى العلاقة الاستراتيجية العميقة التي تربط القيادة السياسية والعسكرية في الجانبين، وهذا ظهر في المناورة التي أجريت عام 2019، وأشرف عليها قائد سلاح الجو القبرصي وقائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق عميكام نوركين، وانضم إليهم رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي حينها أفيف كوخافي، وقائد قيادة الجبهة الشمالية أمير برعم في وقتها، وقائد ذراع البر، آنذاك، يوآل ستريك.

اختيار قبرص لتنفيذ مناورات غزو لبنان لا يقتصر على تشابه التضاريس من حيث الطبيعة الجبلية، بل يرجع أيضًا إلى العلاقة الاستراتيجية العميقة التي تربط القيادة السياسية والعسكرية في الجانبين

وفي شهر آذار/مارس 2022، زار رئيس أركان الحرس الوطني القبرصي ديموكريتوس زارفاكيس، إسرائيل، وتوجه إلى الحدود اللبنانية، واطلع على بطارية القبة الحديدية. ثم في حزيران/يونيو 2023 أُعلِنَ أن إسرائيل تجري محادثات مع قبرص لبيع دبابات ميركافا.

لكن المخفي في العلاقات الدولية، خاصة المجال العسكري الاستخباري يظل هو الأخطر، فمجرد سماح دولة لدولة أخرى بالتدرب على أراضيها لغزو دولة أخرى، يعني أن الدولة صاحبة الأرض، وهي قبرص في هذه الحالة، وضعت الكثير من الإمكانيات تحت تصرف الدولة التي تقوم بالتدريب، وهي إسرائيل في هذه الحالة.

قبرص وإسرائيل.. الدبلوماسية والتعاون الاستخباراتي

ربما تم الإعلان عن جزء من العلاقات العسكرية الاستخباراتية بين الطرفين لعدم القدرة على التكتيم عليه. ولكن، على الصعيد الاستخباراتي، يتيح القرب النسبي لقبرص من لبنان تقديم خدمات استخباراتية تتعلق بالرصد والاستطلاع ستكون في خدمة إسرائيل في المواجهة المقبلة.

بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إسرائيل وقبرص خلال عام 1960، وهو عام استقلال جمهورية قبرص. وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 في حرب لبنان الأولى، أصدر البرلمان القبرصي قرارًا يدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل.

وشهدت العلاقات بين قبرص وإسرائيل تطورًا بعد توقيع اتفاق أوسلو، إذ تم خلال هذه الفترة توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين إسرائيل وقبرص، ولأول مرة منذ إقامة العلاقات، أجرى الرئيس الاسرائيلي زيارة لقبرص، تلتها زيارات من الجانب القبرصي لإسرائيل.

وتعتبر قبرص، وفقًا لخبراء الشؤون الاستخبارية، ساحة مفتوحة لجهاز المخابرات الاسرائيلية "الموساد" لتنفيذ عملياته، كان أبرزها اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة: حمدي سلطان، وأبو حسن قاسم، ومروان كيالي، في مدينة ليماسول خلال شهر نيسان/أبريل 1988.

وفي نيسان/أبريل 1991، ألقت السلطات القبرصية القبض على أربعة عملاء للموساد، بعد شكوى قدمها حرس السفارة الإيرانية ضد العملاء الأربعة الذين تظاهروا أنهم سياح، بينما كانوا يقومون بعملية زرع أجهزة تنصت في السفارة الإيرانية، قبل أن تفرج قبرص عنهم وترحلهم إلى إسرائيل بعد الاكتفاء بالحكم عليهم بغرامة. أحد هؤلاء العملاء الأربعة هو رام بن باراك، وهو عضو كنيست حاليًا عن حزب هناك مستقبل الذي يقوده زعيم المعارضة يائير لابيد، وكان في فترة نائب رئيس الموساد.

وعندما تدهورت العلاقات بين تركيا وإسرائيل في عام 2010، تحسنت، في المقابل، العلاقات بين إسرائيل وقبرص، واستفادت قبرص في هذا السياق من الانخفاض الحاد في عدد السياح الإسرائيليين الذين كانوا يسافرون إلى تركيا، وحولوا وجهتهم إلى قبرص.

مجرد سماح دولة لدولة أخرى بالتدرب على أراضيها لغزو دولة أخرى، يعني أن الدولة صاحبة الأرض، وهي قبرص في هذه الحالة، وضعت الكثير من الإمكانيات تحت تصرف الدولة التي تقوم بالتدريب، وهي إسرائيل في هذه الحالة

وخلال شهر شباط/فبراير 2012، وفي إطار الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى قبرص، أفادت التقارير أن إسرائيل قدمت طلبًا رسميًا إلى الحكومة القبرصية لإنشاء محطة عسكرية للطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، داخل قاعدة عسكرية على أراضي قبرص، ما يتيح زيادة وتيرة الدوريات الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بهدف حماية منصات وسفن الغاز الإسرائيلية.

كما وقعت إسرائيل وقبرص، خلال زيارة نتنياهو، اتفاقية مشتركة في مجال الإنقاذ في حالة وقوع كارثة. وبموجب الاتفاق، في حالة وقوع كارثة، سيتم السماح بدخول القوات الجوية والبحرية من إسرائيل إلى قبرص، والعكس صحيح.