بالإمكان تلخيص المخاوف التي رددها المعلقون العسكريون في وسائل الإعلام العبرية والضباط السابقون في جيش الاحتلال ومخابراته، بـ"الرعب من ظهور المهندسين في الضفة الغربية"، في إشارة إلى صانعي القنابل المحترفين الذين شكل انضمامهم للانتفاضة الثانية تغييرًا جهوريًا في معادلة المواجهة. ووصل تأثيرهم إلى القيام بعمليات غير مسبوقة، حيث حفروا في وعي الجمهور الإسرائيلي مصطلح "شهر مارس الأسود"، في إشارة إلى شهر آذار من عام 2002، وقت خسرت إسرائيل العدد الأكبر من القتلى خلال الانتفاضة الثانية.
بالإمكان تلخيص المخاوف التي رددها المعلقون العسكريون في وسائل الإعلام العبرية والضباط السابقون في جيش الاحتلال ومخابراته، بـ"الرعب من ظهور المهندسين في الضفة الغربية"
بعد أقل من 24 ساعة من الانفجار قرب مفترق مجدو، ترأس وزير جيش الاحتلال، يوآف غلنات، جلسات تقدير موقف بمشاركة قادة جيشه واستخباراته ورئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية "الشاباك" نداف ارغمان. كان المتاح للنشر حول العبوة الجانبية التي تم تفجيرها هو أن المادة المتفجرة المستخدمة، هي من ذلك النوع الذي استُخدِم في الماضي ضد قوات الاحتلال في جنوب لبنان. أسفر التفجير عن إصابة شاب فلسطيني من الداخل بجراح خطيرة رغم أن التفجير وقع بقربه لكن على مسافة بعيدة نسبيًا، فيما كان مسرعًا على متن سيارته، وهذا بالضبط ما أعاد إلى أذهان الخبراء الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين "خبراء المتفجرات الفلسطينيين" الذين يسمونهم اختصارًا بالمهندسين.
المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هرائيل، كشف عما وصفه بالقلق السائد لدى جهاز المخابرات الشاباك والجيش منذ عدة أشهر، من ازدياد محاولات المقاومين الفلسطينيين إعداد عبوات ناسفة. ويضيف: "خلال الانتفاضة الثانية، في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انخرطت الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل مكثف في إعداد العبوات والأحزمة الناسفة، والتي كانت أكثر الوسائل فتكًا وفعالية في الحرب ضد إسرائيل. وقد عمل العديد من المهندسين في الضفة الغربية في ذلك الوقت، وكانوا ينتجون عبوات معقدة نسبيًا. منذ ذلك الحين، ولسنوات عديدة، لم يتمكن الفلسطينيون من استعادة هذه القدرة عالية المستوى اللازمة لإعداد العبوات الناسفة الفتاكة".
كان دخول "المهندسين" إلى الصورة في الانتفاضة الثانية بالتدريج وتناسب طرديًا مع زيادة عدد الضحايا الفلسطينيين المدنيين بنيران جيش الاحتلال، ولم تنقض الشهور الستة الأولى من الانتفاضة حتى بات هناك في كل مدنية "مهندس معتمد"، ولاحقًا لكل فصيل. لكن العامل الحاسم الإضافي في انتشار ظاهرة "المهندسين" كان وجود مناطق خارجة عن سيطرة جيش الاحتلال نسبيًا، بسبب وجود كم من المسلحين في قلب المدن، وهذا العامل كما العامل السابق بات جزءًا من المشهد الحالي.
العامل الثالث وراء ظاهرة "المهندسين" في الانتفاضة الثانية كان ما يعتبره خبراء استخبارات الاحتلال "البصمة الغريبة"، في إشارة إلى الخبرات القادمة من الخارج، منها على سبيل المثال ما أسماه "الشاباك" بـ"الحزام الشيشاني"، في إشارة لـ"حزام ناسف" صنعه طالب فلسطيني، درس في الخارج بناء على وصفة تعلمها من زميل شيشاني أقام معه في السكن الجامعي. عامل "البصمة الغربية"، تجلى طبقًا لقائد عمليات جيش الاحتلال السابق، اللواء احتياط يسرائيل زيف، في تفجير مفترق مجدو بكل مكوناته؛ عبوة ناسفة صغيرة موجتها الانفجارية كبيرة. حيث يلفت أن التفجير وقع في منطقة مفتوحة وخالية نسبيًا، ولو أن ذات العبوة فُجرت في مكان مغلق أو مكتظ لأوقعت خسائر بشرية فادحة.
وقال زيف للإذاعة العبرية العامة إن تفجير مجدو جزء من حوادث أمنية متصلة وقعت في الشمال خلال الساعات والأيام الماضية، ثمة مبررات أمنية توجب إبقاءها طي الكتمان حاليًا، ويشرف وزير الجيش ورئيس الأركان ورئيس "الشاباك" على متابعتها على مدار الساعة.
عاموس هرائيل، المعلق العسكري لهآرتس أيضًا أشار إلى أن "ارتفاعًا طرأ في مستوى العبوات الناسفة وازدادت مؤخرًا محاولات تنفيذ هجمات مميتة. وفي الأسبوع الماضي، ألقي القبض على فلسطيني زرع عبوة ناسفة داخل حافلة في بيتار عيليت. وفي حادثة أخرى قتل حرس الحدود ثلاثة مسلحين فلسطينيين في قرية جبع قرب جنين. وعثر على متفجرات في سيارتهم مع بنادق ومسدس. وفي شهر نوفمبر الماضي، قتل إسرائيليان في انفجار وقع في القدس. وتم تفجير عبوة أخرى في موقع آخر".
بعد اجتياح المدن الفلسطينية خلال عدوان "السور الواقي"، ادعى جيش الاحتلال ومخابراته أنه نجح بالقضاء تقريبًا على غالبية "المهندسين" بالاغتيال أو الاعتقال، وأنه قطع سلسلة تراكم الخبرات وتبادلها بالقضاء على الملاذات الآمنة للمقاومين، وتكثيف الجهود الاستخبارية الوقائية، وجعل من الصعب العودة إلى ذات المستوى من الخبرة والقدرة. لكن التطورات المستجدة على مسرح العمليات في الضفة الغربية منذ شهور بدأت تساهم في إعادة بناء البيئة اللازمة للعمل الجماعي المنظم – بما في ذلك التصنيع والتدريب والتجنيد، الأمر الذي أعاد التعاون بين المسلحين على مستوى المدن داخل الضفة الغربية وتبادل الخبرات، كما تزعم المعلومات الاستخبارية المتاحة لوسائل الإعلام العبرية.
تفجير مجدو جزء من حوادث أمنية متصلة وقعت في الشمال خلال الساعات والأيام الماضية
وكما أن جيش الاحتلال انتقل بالتدريج من عمليات "الاغتيال الجراحية" إلى العمليات الاستعراضية و"الكمائن الوقائية"، فإن المقاومين يكثفون جهودهم لتطوير قدراتهم واستعادة أكثر أسلحة المقاومة الفلسطينية تأثيرًا في الانتفاضة الثانية.