13-يناير-2018

"هل نحن عند حسن ظن الشهداء بنا؟" غالباً ما تزورك مثل هذه الأسئلة التي لا إجابة لها قبل النوم أو بمجرد الاستيقاظ منه. وعلى الأغلب أيضاً،  يحصل هذا مع الأشخاص الذين لا يتركون للمنبه فرصة إزعاجهم فيستيقظون دائماً قبله ببضع دقائق. في هذه الدقائق لن تفكر بوجبة إفطارك ولن تتساءل ماذا سأرتدي اليوم، هذه الدقائق غير مناسبة لكل هذا، هي مناسبة فقط  للأسئلة التي لا إجابات لها.

تخبرنا الكثير من التجارب الإنسانية أن الحديث عن انتصار الجمال الداخلي وأهميته حديث غير صحيح مهما كررناه، ومهما افتعلنا تصديقه، فإنه سيخسر أمام انبهارنا الأول بجمال فلانة أو جاذبية فلان، حتى أن الحب من أول نظرة قد لا يكون سوى تغليف أنيق من المشاعر لتفادي ذكر ما نخافه وما نحن متورطون فيه من هوس بالجمال الخارجي! ولأننا نخاف أن نبدو سطحيين، نتحدث أكثر عن الجمال الداخلي ونوره الذي يشع من القلوب، والذي سيغير مجريات هذا العالم ويُنهي مآسيه!

لأننا نخاف أن نبدو سطحيين، نتحدث أكثر عن الجمال الداخلي ونوره الذي يشع من القلوب، والذي سيغير مجريات هذا العالم ويُنهي مآسيه

وكما أن هناك حب من النظرة الأولى،  يجعل فيه الأفراد أولوية وقوعهم بالحب للأشخاص الوسيمين أولاً، فإن هناك فعلاً مشابهاً يُمارس في الأحداث الحزينة، خاصةً في البلاد التي تعاني من الحروب ويكثر فيها الموت والأسر واللجوء، وفي هذه الأحداث تحظى الضحايا الأكثر جمالاً  بأولوية التعاطف، وتُشارك صورها أكثر من غيرها  لدرجة أن التحسر على جمالها الضائع يصبح هو الجزء الأفظع من جريمة القتل أو الاعتقال أو التشريد.

اقرأ/ي أيضاً: أرجوكم.. لا تغنوا أجمل الأمهات

من المؤلم والمدهش في ذات الوقت قدرة الإنسان على تجاوز الأسى الذي يبعثه الموت مثلاً، والالتفات لتفاصيل وجه الميت وتقييم جماله. قد لا تتم العملية بهذا الشكل المباشر، ولكنها تحدث دائماً وبشكل لا إرادي. فبينما نرثي الشهداء الوسيمين ونوازي بين حسرة خسارة جمالهم وبين وجع موتهم، علينا أن نتساءل: ماذا تركنا من الرثاء للشهداء الأقل جمالاً؟ ماذا سنقول لهم وكيف سنبرر انحيازنا العاطفي للجمال أمام الموت؟

إننا نعتقد أن الاشخاص الجميلين لا يجب أن يصابوا بأي سوء. إننا نتحسر عليهم أكثر من غيرهم عندما يمسهم الألم، كما أننا نستغرب عندما يكون اللص أو القاتل صاحب وجه جميل، فكما عودتنا أفلام الكرتون مذ كنا صغاراً: الشخصيات الشريرة لها وجوهٌ قبيحة، أما الأبطال والطيبون فوسيمون دائماً.

الناس تتعاطف أكثر مع القصص التي يمتلك أصحابها وجوهاً جميلة، ربما هذه طبيعة بشرية لا أعلم، ورغم ما تحمله الفكرة من الكثير من الظلم، إلا أنها تبدو ملجأً للكثير من الشعوب المحتلة وسكان المناطق المنكوبة الذين قد لا يملكون الكثير من قوة وسائل الإعلام لرواية وجعهم، ولكنهم يملكون بعضاً من الوجوه الجميلة. ربما من أجل هذا يتلهف الفلسطينيون على نقل صور الشهداء الوسيمين أو الفتيات الجميلات وهنّ في مواجهة مع الاحتلال أو في زنازينه.

الناس تتعاطف أكثر مع القصص التي يمتلك أصحابها وجوهاً جميلة

قد لا أكون محقة، ولكن يبدو لي أن الجمال سرق من هذا العالم أشياء كثيرة، سرق  قيم الخير والطيبة والأخلاق النبيلة، بحيث أصبحت هذه القيم مقترنة على الأغلب بالوجوه الجميلة. كما سرق الجمال من الناس مشاعرها وتحكم بها، ومثلما تزداد شعبية قصة الحب والانبهار بها كلما كان العاشقان جميلين، فإن الحزن على الضحايا يزداد كلما كانوا أكثر جمالاً. وكأن هناك علاقة طردية بين الحزن والجمال، أنت جميل جداً، إذاً يستحق موتك حزناً أكثر! يصعب علينا أن نصدق أننا نفعل هذا، ولكن يبدو أننا نفعله.

حسناً لم أقصد أن أتحدث عن الجمال وكأنه جريمة هنا، ولكن صدقاً فكروا كم مرة انحازت قلوبكم لأشخاص لمجرد أنهم أكثر جمالاً من غيرهم، وكم مرة خذلتم أشخاصاً لأنهم أقل جمالاً؟ كم مرة فعلتم هذا بالأحياء؟ وكم مرة فعلتم هذا بالأموات؟

وعن السؤال أعلاه غالباً ما نجيب:

- هل نحن عند حسن ظن الشهداء بنا؟

- هم في القلب.. وجوههم الجميلة كيف ننساها!


اقرأ/ي أيضاً:

ابتسامة غير لائقة أمام جثة

"شهيد".. عندما تغريك الكلمة بالموت

عندما قالت أنت أجمل خبر عاجل من فلسطين