أنهت جمعيّة "إنعاش الأسرة" في مدينة البيرة، عمل 18 من موظفيها في شهر آب/ اغسطس الماضي. وتقول الجمعية التي أنشئت قبل نحو ستة عقود لدعم النّساء والأطفال والفئات المُهمّشة، من خلال مشاريع تحقق دخلًا ماليًّا، إنها أقدمت على هذه الخطوة بسبب "ضائقة مالية" زادت حدّتها مع تفشي جائحة كورونا التي خلّفت آثارًا صعبة على مؤسسات القطاع الخاص والأهلي، وحتى الحكومي في فلسطين.
تأسست جمعية إنعاش الأسرة عام 1965، ومقرّها البيرة، بهدف دعم النساء والأطفال، والفئات المهمّشة، من خلال إدارة مشاريع صغيرة أو متوسطة، لتحقيق عائد مالي يغطي برامج الجمعية
الموظّفة سكّر أبو عبيد، بدأت قبل 19 عامًا العمل في قسم الحضانة بجمعية إنعاش الأسرة، وتدرّجت في عملها حتى تسلّمت مديرة القسم. تقول إنها وجدت نفسها خارج أسوار الجمعية بين ليلة وضحاها. ما دفعها للاعتصام مع زملاء آخرين على باب "إنعاش الأسرة" على أمل العودة للعمل، أو الحصول على قرار يفيد بأنها فُصلت تعسّفيًا، وهو ما تنفيه إدارة الجمعية التي تعتبر أن قرارها "كان قانونيًا" وجاء "بعد مداولات طويلة".
المدير التنفيذي لجمعية "إنعاش الأسرة" علي حمد الله، قال في حديث لـ "الترا فلسطين" إن الجمعية مثلها مثل الكثير من القطاع الأهلي والخيري وغير الربحي في فلسطين، والتي اضطرت نتيجة لتراكم الديون، والخسائر المالية تحديدًا بعد جائحة كورونا لإنهاء خدمات 18 موظفًا وموظفة.
وأوضح أنّ إدارة الجمعية "استنفدت" كافة الإجراءات القانونية من خلال استشارة المستشار القانوني للجمعية، وإشعار الوزارات ذات العلاقة، وبالاستناد إلى المادة رقم 43 من قانون العمل الفلسطيني، قبل اتّخاذ القرار. وبالفعل جرى الاجتماع بالموظفين وإطلاعهم على الوضع المالي، وأنّ الجمعية وضعت خطة مالية شاملة بعد تقييم للوضع المالي والإداري، أحد عناصرها إنهاء خدمات مجموعة موظفين بينهم من يحمّل مسمى "مسؤول".
لكن سكر أبو عبيد تُصرّ في حديثها لـ "الترا فلسطين" على أن لديها ما يثبت أن قرار إنهاء خدماتها هو "فصل تعسفي"، وأنّ الجمعية ستعيد فتح الحضانة بعد إغلاقها، واستجلاب موظفين جدد. وهو ما يرفضه حمد الله بالقول إن "إنهاء الخدمات" يستند على أسس قانونية، وأن كل موظف تم الاستغناء عن خدماته سيحصل على حقّه.
ديون "بملايين الشواقل"
ووجّهت جمعية "إنعاش الأسرة" أكثر من 500 رسالة لمؤسسات قطاع خاص، ولرجال أعمال ومتبرعين شرحت لهم فيها الوضع الماليّ. وإثر ذلك استقبلت الجمعية تبرعات ماليّة، لكن هذه التبرعات كانت تذهب لتغطية خسائر في أقسام تشغيلية داخل الجمعية، وهو ما لم يكن منطقيًا وفق المدير التنفيذي للجمعية علي حمد الله، لأن هناك عائلات مسحوقة تدعمها الجمعية أجدى بهذه التبرعات، فكان لا بُدّ من الذهاب للخيار الأصعب والأخير، وفق قوله، والذي تمثّل بإنهاء خدمات 18 موظفًا.
المديونية التي تثقل كاهل الجمعية تصل "ملايين الشواقل" وفقًا لحمد الله الذي لم يضع رقمًا محددًا، وقال لـ "الترا فلسطين" إنّ "الديون موجودة من السابق، أي قبل الهيئة الإدارية الجديدة". وأشار إلى أنّ عام 2021 كان من أفضل الأعوام من الناحية المالية، لكنّ هذه الأفضلية وهذا التحسّن لم يكونا كافيين في ظل حجم مديونية "عال جدًا"، كما يقول.
يوضح حمد الله أنّ آلية عمل جمعية "إنعاش الأسرة" تقوم على "نموذج الاستدامة الذاتي" بشكل أساسيّ، أي أنها تدير عددًا من المشاريع الصغيرة/ المتوسطة لتحقيق وفرة ماليّة تُسندها، وتُمكّنها من ممارسة برامجها الاجتماعية والثقافية وأدوارها الوطنية، وشعارها الأهم في ذلك "الحفاظ على استقلاليتها ورفض التمويل المشروط سياسيًا".
من يتحمّل مسؤوليّة ما آلت إليه الأمور؟
لم يكن الوضع المالي المتردي للجمعية وليد اللحظة. ثمّة سنوات تدحرجت فيها كرة المديونية وتعمُّق الخسائر. فمن يتحمّل مسؤولية ذلك؟ ردّ المدير التنفيذي للجمعية بالقول إن هناك مسؤولية على جهات معيّنة (لم يسمّها) كي تحمي هذه المؤسسات، وإيجاد حلول للقطاع الأهلي والخيري، ولدعم موازنات هذه المؤسسات.
وبالتالي وفق المدير التنفيذي للجمعية جرى إغلاق أقسام الروضة والحضانة والملابس الجاهزة، بموازاة الاستغناء التام عن خدمات عدد من الموظفين لتخفيف فاتورة رواتب الموظفين.
وترد سُكّر أبو عبيد التي كانت مديرة قسم الروضة والحضانة قبل إنهاء خدماتها، على أقوال حمد الله، بالقول إنّ الحضانة كانت تخدم 35 طفلًا عند إغلاقها، علمًا أنّ التسجيل للسنة الجديدة يبدأ بداية شهر أيلول/ سبتمبر، لذا كان يُتوقّع أن يرتفع عدد المُسجِّلين إلى 60 طفلًا. وتنفي أن تكون الحضانة واحدة من أسباب الخسارة؛ فالرسوم التي تدفعها عائلات 45 طفلًا تُغطّي رواتب موظفي الحضانة الخمسة، والتي تقارب الحد الأدنى للأجور.
تقول سكّر إن ثمة قرارات اتخذتها إدارة الجمعية وتحمّلت مسؤوليتها الحضانة/ الروضة، أوّلها أن الإدارة أقرّت خصمًا قدره 100 شيقل من أقساط أطفال الموظفين العاملين في الجمعية وعددهم 15، وهذا يجب أن تتحمله الإدارة وليس الحضانة، كما أنّ الإدارة نقلت "مسؤولة قسم" إلى الحضانة، عقابيًا، وواصلت العمل براتب (650 دينارًا)، وهو ما يعادل راتب موظفتين في الحضانة.
أمّا عن حال بقيّة الموظفين الذين تم تسريحهم من عملهم، فتقول سكر أبو عبيد إن الوضع في الأقسام الأخرى أسوأ، فهناك 3 موظفات كُن يعملن في صالون التجميل التعليمي، جهّزن القسم -قبل تسريحهن من عملهن- لاستقبال الطالبات الجدد، وكان الإقبال جيّدًا (تسجيل 30 طالبة)، ولكن تم إحضار موظفين جدد بدلًا منهن، وفق قولها.
وتشير أيضًا إلى أنه تم نقل موظفة من قسم "العلاقات العامّة" إلى قسم "المكتبة"، ثم جرى توظيف موظفة جديدة في قسم العلاقات العامة، وبعد ذلك تم إنهاء خدمات الموظفة السابقة التي تم نقلها للمكتبة.
وتطالب الموظفة أبو عبيد التي بدأت العمل في "إنعاش الأسرة" بعمر 17 عامًا، وصار الآن عمرها 36 عامًا، ولديها بيت وأطفال، بالعودة للعمل في الجمعية التي قضت فيها نصف عمرها، وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فهي تريد حقوقها المالية على أساس الفصل التعسّفي.