30-مايو-2017

تحركات أشبه بالتخطيط لمعركةٍ يكون الانتصار هو الخيار الوحيد فيها، حضّر الأبناء طلباتهم الكثيرة أمام والدهم، في ظل غياب والدتهم منذ وقتٍ طويل، بدأت محاولاتٌ بالضغط على الأخيرة لـ"تليين" عقلها وكذلك فعلوا بالوالد، ثم توجهوا لرجال الإصلاح ليكون رمضان عنوان عودتها وجمع شمل العائلة مرّة أخرى.

بعد 3 سنوات أمضتها (ميسرة.أ) في بيت والدها تحت مسمى "مطلقة"، بعيدًا عن أبنائها وبيتها عقب سنوات زواجها التي أثمرت عن 4 أبناء، تحرّك الأبناء لاستعادة والدتهم مرات عدة، إلا أن رأي الوالدين وإصرار الأهل على الفراق كان يقف حائلًا في كل مرة، فلم تنجح دموع الأبناء في إنهاء الخلاف خلال السنوات الماضية، لكنهم لم يستسلموا هذه المرّة.

رجال إصلاح في غزة نجحوا في منع وقوع العشرات من حالات الطلاق، مستخدمين "رمضان شهر الخير" سبيلًا لذلك

تقول ميسرة إنها لم تتوقع أن يكون رمضان هذا العام جامعًا لها مع أبنائها وزوجها بعد هذه السنوات، "لكن رمضان لا يكسر قلبًا وهو بكل ما فيه من الخيرات، يأبى أن يأتي وفي قلب أحدهم كسر لم يجبر بعد".

اقرأ/ي أيضًا: زوجات مغتربين بين تضييق الأهل ونار الشوق

وتضيف، "دقّ رجال الإصلاح باب أهلي بعد محادثات عابرة مع أخوتي وأبي، وجلسوا بعد اتفاقٍ بحضور زوجي، ليعاودوا طلبي من أهلي كما لو أنني بنت بِكر تتزوج للمرة الأولى".

من خلف باب غرفة الضيوف جاء صوت رجال الإصلاح، "وين البنت؟ نادوها نسمع رأيها". حضرت ميسرة فسألوها إن كانت موافقة على الرجوع لزوجها وأولادها، فوافقت.

"تحدثت مع زوجي وتلقيت وعودًا وقدمت مثلها أيضًا، أن يحتوينا رمضان ويفتح لنا صفحة جديدة لحياة لا نكرر فيها أخطاء الأمس، ولا نسمح للخلافات أن تفرّق بيننا مرة أخرى. لقد عدتُ عروسًا جديدة وبمهرٍ جديد أيضًا، لكن أولادي كانوا الشَبْكة هذه المرة"، قالت ضاحكة.

اقرأ/ي أيضًا: الزواج المسيحي: سر الكنيسة وإكليل الانتصار

"حسام. ر" من حي الشجاعية بمدينة غزّة، زوجٌ آخر رأى في رمضان فرصة للحل، بعد أن سعى جاهدًا لاستعادة زوجته التي تركت بيتها وهجرته، فلم يترك أحدًا من رجال الإصلاح إلا دقّ بابه يطلب منه الوساطة بإرجاعها، لكنها وأهلها لم يستجيبوا لمحاولاته.

حصل حسام على وعدٍ من رجال الإصلاح بعودتها خلال شهر رمضان، "حيث تصفو النفوس ويتهيأ الناس لاستقبال شهر الخير بمزيد من التسامح والتجاوب مع دعوات الصلح، والاستجابة للواجهات الإصلاحية بدون عناد وبأجواء إيمانية أفضل".

حسام الذي هدّد بقتل نفسه إذا لم يعيدوا إليه زوجته، يقول: "ما تخيلت ييجي رمضان بدونها، الحب بيننا موجود والكل يشهد، ولا أتخيل أن أجلس على سحور وإفطار بدون حسّها في البيت"، مضيفًا، "غير منطقي أن تتسبب الخلافات وبعض المشاكل بابتعادها عن بيتها".

يتابع، "كنتُ قلقًا من حضور رمضان بدونها، وقد مرّ اليوم الأول عصيبًا عليّ حينما لم أجدها توقظني للسحور، وتسألني ماذا سنفطر اليوم. لكن اليوم الثاني كانت الهلال لديّ عندما أعادوها للبيت وجلسنا سويًا على سفرة الإفطار والأطفال حولنا. عرفت حينها معنى كلمة رمضان يجمعنا".

منذ 10 شهور التزمت "سهام. ح" بيت والدها بالرغم من محاولات الإصلاح والضغط عليها بطفلها الصغير، إلا أنها لم تكن مقتنعة بالرجوع و"كبرّت راسها" حسب قولها. فسهام لم تكن تريد العودة لزوجها إلا إذ أمّن لها بيتًا مستقلاً، وهو ما تعذر عليه تأمينه، كما يقول.

تقول سهام، إنها كانت تظن عند اتخاذها قرار "الحرد" (مصطلح شعبي يعني مغادرة المرأة منزلها لبيت أهلها غاضبة من زوجها) أنّ زوجها سيغيّر الحال سريعًا، لكن شهورًا مرت وكافة الجهات متعنتة.

اقترح مختاران من العائلتين أن يحاولا إصلاح الأمور، والعمل على إرجاع سهام لأجل شهر رمضان، "فالأفضل لها أن تكون في بيتها وبرفقة زوجها وطفلها، وتستعد معهما لاستقبال العيد في بيت زوجها وليس عند أهلها".

اقرأ/ي أيضًا: أزواج في البيت.. زملاء في مهنة المتاعب

تقول سهام: "حضر إلينا مختار العائلة وعدد من الرجال وقالوا إن رمضان فرصة للتصافي وتجاوز الخلافات، وشاوروني بعد محاولات من الإقناع إن كنت موافقة على العودة والتفاهم على بقية الأمور لاحقًا دون ضياع حقي، فوافقت".

وتضيف، "لا أريد أن يمضي رمضان وأنا غير مرتاحة أو شاعرة بذنب البعد عن زوجي وطفلي. في النهاية بدنا نلتم سوا، وكان هذا الخيار الأفضل".

عشرات الحالات الأخرى، التي اعتبرت شهر رمضان فرصة للتسامح وإعادة اللبنة الأسرية لأصلها وجمالها الأوّل، فهناك "كنائن تصالحن مع حماواتهن وسلفاتهن ليكونوا سويّة على سفرة الإفطار".

المُختار عوني فروانة من مدينة غزّة، يقول إنّه يعمل دائمًا على التدخل في قضايا الإصلاح بين المرأة وزوجها من الدرجة الأولى، مؤكدًا "أن حل مشكلة زوجة وإعادتها لبيتها ورجلها أعظم لديه من حل قضيّة دم بين العائلات".

يعتقد رجال إصلاح في غزة أن ردّ زوجة إلى بيتها وزوجها أهم من الدخول في قضية دم بين عائلتين

ويبين فروانة لـ"ألترا فلسطين"، أنّ هناك مواسم يكثر فيها عملهم كرجال إصلاح، ويتناسب فيها مع رغبتهم بإتمام الأمور على نحو أفضل دون فراق، مشيرًا إلى أن موسمي رمضان والأعياد يكونان من أكثر أوقات السنة تسهيلًا لإعادة ترابط العلاقات ورد الزوجات إلى أزواجهن.

ويقول: "هناك العديد من الخلافات التي نستطيع التدخل في حلها إذا ما لمسنا تراضٍ بين الطرفين وإمكانية للتجاوب، كما أننا نبذل جهدنا لتحري الصدق بالسماع من الطرفين وجهة محايدة أو شهود والعمل على إحقاق الحق، والصلح سيد الأحوال".

واستعرض فروانة قصتي سيدتين تحفظ على ذكر أسمائهما، موضحًا أن إحداهما سيدة تسكن بيت أهلها منذ عام تقريبًا باختيارها، لكن مقربون منها أقنعوها بأنها إن أرادت العودة فعليها طلب تدخل المختار لمساعدتها. يؤكد فراونة، أن السيدة جاءت بدافع عاطفتها وشوقها لأبنائها ورغبتها بالتواجد معهم أثناء رمضان، وقد تم ذلك بنجاح.

سيدة أخرى رأت في تدخل رجال الإصلاح إسقاطًا لحقها من زوجها، فكان الحل بإلزام زوجها على توقيع تعهد مكتوب بحضور شاهدين، مشبهًا التعهد بعقد القران.

"من أصعب الأمور أن يتم التفريق في شهر رمضان الممتلئ بالخير والتسامح، كما أنه بالمقابل قد يكون ذريعة لافتعال المشكلات بحجة الصيام والتوتر والتسبب بمشكلات كبيرة في البيوت" يقول المختار فروانة، مثنيًا على قرار قاضي القضاة بالتوقف عن النظر في قضايا الطلاق أمام المحاكم الشرعية الفلسطينية حتى انتهاء شهر رمضان.


اقرأ/ي أيضًا: 

العريس سليم والعروس ذات إعاقة.. معقول؟ 

مطلوب عريس بدون شروط والعروس موظفة

غزة وبديهيات الحب في حارة العبيد