ماذا يعني أو يجب أن يعني، تداول سيرة وسمعة مناضل وطني من طراز شحيح، تصريحًا أو تلميحًا، بالتشويه من طرف المؤسسة الإسرائيلية وإعلامها، وحتى الإعلام الإسرائيلي الخصوصي؟ يفترض بمثل هذا التساؤل أن يحضر في مثل هذه الساعات التي كثر فيها استحضار اسم الشيخ حسن يوسف، المعتقل حاليًا، كما أغلب فترات حياته العامرة بمآثر حقيقية في ردهات أقبية التحقيق وسراديب السجون وخيامها.
ماذا يريد الشاباك من أي معتقل؟ لا إجابة سحرية خارج بديهية ثنائية التحصل على مفاتيح ملفات "أمنية"، وتحييد المستهدف عن أي مهمّة نضالية ممكنة
ربما تشكّل الرجعة قليلًا إلى زمان مضى، هامشًا للاسترشاد والاستدلال على منهجية مجربة وغير ناجعة في حالات شاسعة، ينتهجها رجالات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من استخبارات الجيش وصولًا إلى الشاباك وما بينهما. في ضوء معطى أساسي يتعلق بفهم ما ترمي إليه هذه المؤسسة من استهدافها لأي كان. ماذا يريد الشاباك من أي معتقل؟ لا إجابة سحرية خارج بديهية ثنائية التحصل على مفاتيح ملفات "أمنية" ومعلومات تسهم في اعتقال آخرين، وتحضير أطول سنوات اعتقال يمكن للادّعاء العسكري الإسرائيلي أن يطالب بها كعقوبة.
في المقلب الموازي، يكون المطلوب على الأقل إيجاد منافذ ضغط لتحييد المستهدف عن أي مهمّة نضالية ممكنة، ولهذا طرائق متشابكة لا تخرج إجمالًا عن دوائر المسّ بالكرامة والشرف وتهديد المستقبل والسلامة الشخصية وحتى مستقبل العائلة ومصير الأحبّة.
يعيد ملف محاولة استهداف سمعة الشيخ حسن يوسف الشريط إلى عشرات، بل يمكن مئات الحالات التي شابتها ظروف مقاربة أو شبيهة. من بين هذه الحالات الملف الكبير الذي لم تتعافى منه مخابرات الجيش حتى اليوم، وهو ملف الشيخ مصطفى الديراني "أبو علي"، المنشق عن حركة أمل والمقرّب من حزب الله اللبناني، والذي تم اختطافه منتصف التسعينات من قريته في جنوب لبنان لغاية التحقيق معه في مصير الطيار الإسرائيلي المختطف رون آراد.
أساليب همجية ورخيصة تعمد إليها أجهزة الأمن الإسرائيلية في حربها المفتوحة على الممكنات النضالية للفلسطينيين ومن والاهم
ما حصل في الأسابيع الخمسة من التحقيق المتواصل مع "أبو علي الديراني"، بما تضمنه من تعرية قسرية وإساءات جنسية الطابع، وتهديدات بتلفيق فضائح وإيصال صوره عاريًا إلى عائلته، تم كشفه لاحقًا بعيد تحرر الديراني ضمن صفقة التبادل الشهيرة برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر آنذاك، بين حزب الله وإسرائيل في العام 2000، وإصراره على فضح أساليب مخابرات الاحتلال عبر إيكاله الملف لمحام إسرائيلي كي يثبت الجرائم التي وقعت بحقّه، ليس أقلها انتهاك كل ما يتعلق باتفاقيات جنيف الأربعة.
يبدو أن خيطًا آخر جمع الشيخان المناضلان يوسف والديراني خلاف قضية محاولة استهداف اسميهما وسيرتهما، إذ جاء الكشف عن بعض مجريات الجرائم بحق الديراني عبر استقصاء صحفي ادّعت وقتها القناة الإسرائيلية الثانية عبر ساعة البث الاستقصائي الأسبوعية "عوفداه" أنه سريّ وغير مسيّس، متلحفة بالبراءة الصحفية ما استطاعت. لكن ومن حيث احتسبت جيدًا القناة الثانية حققت عبر هذا الاستقصاء ما سبق "للكابتن جورج" والوحدة 1391 ورئيس الأمن السياسي في وزارة الجيش الإسرائيلي وقتها عاموس غلعاد أن هددوا الديراني بتحقيقه، أي كشف صوره عاريًا وصور الاعتداء عليه لعلمهم بأثر مثل هذا السلوك على نفس الديراني. وكان قوام التحقيق المزعوم مجرّد مقاطع مصوّرة مجتزأة من البثّ المباشر الذي كان ينقل مجريات التحقيق مع الديراني إلى غرفة الكابينت الوزارية ومكتب رئيس وزراء إسرائيل.
ألعاب "الشاباك" وأقرانه تمتد إلى الإعلام بسهولة
حالة أخرى غير شهيرة بالمرة، لكن من شأن ذكرها موثقة أن يلقي بعض الضوء على الأساليب الهمجية والرخيصة التي تعمد إليها أجهزة الأمن الإسرائيلية في حربها المفتوحة على الممكنات النضالية للفلسطينيين ومن والاهم، تتمثل فيما كشفته خمس وثائق أمريكية مسرّبة عبر منصة ويكيليكس بشأن ما تعرض له الراحل إبراهيم صالح أبو حارثية في 17 شباط/ فبراير 1976، إذ كان يعمل وقتها سائقًا لصالح القنصلية الأمريكية في القدس، ويتنقّل بسيارة عمله بين ضفتي نهر الأردن من حين لآخر، ليتم اعتقاله بتهمة تهريب أسلحة لصالح خلايا مقاومة في الضفة الغربية، وعندما لم تتوفر أي أدلة إدانة، بما فيها اعتراف المتهم، لجأ ضابط الشاباك في مركز المسكوبية إلى الضغط على المعتقل ومطالبته بالتعاون بتهديد حياة إحدى بناته، وهي مصابة بمرض عضال وبحاجة لجراحات متعددة في القلب، وما كان ردّ ذلك الأب، إلا "الأعمار بيد الله" ليجد بعد الإفراج عنه أن بعض التمتمات وإثارة الشكوك حوله قد وجدت طريقها إلى محيطه الاجتماعي دون أن تلقى تصديقًا حقيقيًا، ولتأت الوثائق المسرّبة بعد عشرات السنين بأدلة إضافية على صلابة الإرادة ووضوح الموقف لدى إنسان مخلص لم يساوم حتى مقابل حياة طفلته.
مجددًا، القناة الثانية، التي غيرت حلتها واسمها لتصبح القناة 12، لذات المالكين والإدارة وبذات زخم العلاقة مع المؤسسة الأمنية العميقة، وبأسلوب مراسلها متوسط القدرات، الذي لم يعرف له استقصاء رصين أو تغطية مميزة سابقًا، أوهاد حمو، إلا إذا كان تقرير مسائي سمج عن حيّ النخبة الفلسطينية المفتعلة، وأسعار الملبوسات والترفيه في مشروع روابي جوار رام الله، يعدّ جهدًا صحفيًا يؤسس لسيرة مهنية تحاول افتعال فانتازيا صحفية متعلقة بأفراد من أسرة الشيخ حسن يوسف.
بصرف النظر عن المحتوى الذي سينشر هذه المرة عن أحد أبناء الشيخ، وعمّا نُشر سابقًا بخصوص ابنه الآخر، ودون الذهاب إلى مساحة توخي حقيقية المحتوى من عدمه، إذ لا تهم إلا فيما يتعلق بأصحاب السيرة أنفسهم، لا بوالدهم أو أي من أفراد العائلة، إذ على الأقل يجب "أن لا تزر وازرة وزر أخرى".
ليس للديراني ويوسف وأمثالهما إلّا السكينة العميقة استنادًا إلى انتصاراتهما الجليلة في وجه أعتى مافيات العصر الحديث
الواضح دون تنميق أن ألعاب "الشاباك" وأقرانه تمتد إلى الإعلام بسهولة وكذلك حظائر السوشال ميديا إذا ما ارتأت التقديرات الأمنية أن فائدة ما يُمكن جنيها، وإن لم ترتئ فمن باب الانتقام ممّن أمكن لهم بسلاح الإرادة فقط أن يكسروا شوكة كذبة الجيش "الأسطورة" وأجهزته الاستخبارية. فمن يؤمن بمهنية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا بد أن فرصةً لم تتح له في شريط حياته لاختبار مستويات الانتقام الممكنة لديها. وليس للديراني ويوسف وأمثالهما إلّا السكينة العميقة استنادًا إلى انتصاراتهما الجليلة في وجه أعتى مافيات العصر الحديث.
اقرأ/ي أيضًا: