"بيتي حتى لو حجارة مدمّرة أفضل من خيمة في مواصي تعبث بها الحشرات والنفايات وقد تحوّلت إلى فرن جراء الحرارة الشديدة"، بهذه الكلمات يبرر محمد قديح مغادرته الخيمة في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة والعودة إلى منزله المدمر في بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة.
رغم التدمير الهائل يعود النازحون لمنازلهم ومناطقهم التي نزحوا منها إلى المواصي غرب خانيونس، ويعيدون لها الحياة من جديد
يقول قديح لـ "الترا فلسطين": "إضافة إلى كل هذه المعاناة، لم يتركنا الاحتلال وشأننا، ولاحقتنا قذائفه وصواريخه، وسقط شهداء وجرحى داخل الخيام، وطالما لم تعد هناك منطقة آمنة، فلماذا نبقى في هذه الخيام التي تنبعث منها الأمراض وتضيق معها أرواحنا وصدورنا؟".
وتكررت في الآونة الأخيرة عمليات الاستهداف الإسرائيلي بالغارات الجوية وقذائف المدفعية لخيام النازحين في منطقة المواصي، وأدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، وحرق الخيام على من فيها من نازحين، وبينهم أطفال ونساء.
ودفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بزهاء مليون و400 ألف نسمة من سكان مدينة رفح والنازحين فيها قسرًا إلى منطقة المواصي الممتدة من غرب المدينة بمحاذاة ساحل البحر حتى مدينة دير البلح في وسط القطاع مرورًا بمدينة خان يونس.
وقديح نفسه كان نازحًا مع أسرته (5 أفراد) في حي البرازيل في مدينة رفح منذ اضطراره إلى مغادرة منزله في بلدة عبسان الكبيرة ولجوئه أولًا إلى غرب مدينة خانيونس، قبل أن يضطر لمغادرتها هربًا من مخاطر العملية العسكرية البرية التي بدأتها قوات الاحتلال ضد مدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي واستمرت لنحو أربعة شهور.
وعلى وقع عملية عسكرية برية مماثلة اضطر قديح إلى مغادرة الخيمة التي يقيم بها في حي البرازيل بمدينة رفح، والتوجه بأسرته نحو خيمة مماثلة في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس في الأسبوع الثاني من مايو / أيار الماضي.
حياة على الأنقاض
بدافع من كل ذلك، وبعد تفكير لم يدم طويلًا قرر قديح العودة إلى منزله في عبسان الكبيرة، ويقول إنه اتخذ قراره وعاد قبل نحو أسبوع، وقد وجد أن الغالبية من سكان بلدته والبلدات المجاورة في بني سهيلا وعبسان الصغيرة وغيرها من المناطق قد عادت، حتى أولئك الذين دمرت الحرب منازلهم عادوا ونصبوا الخيام فوق أنقاضها.
استصلح قديح غرفة في الطبقة الأرضية من بناية سكنية لعائلته مكونة من 4 طبقات، ويمتلك بها شقة بالطبقة الثالثة، وقد تسببت غارة جوية إسرائيلية على مسجد مجاور في إلحاق أضرار مادية جسيمة بالبناية ووفقًا له فإنها لم تعد صالحة للسكن.
ونصب هذا الرجل الثلاثيني خيمة إلى جانب هذه الغرفة شبه المدمرة، ويقول: "أنا أفضل حالًا من غيري بكثير، فلدي هذه الغرفة أنام بها، ونصبت خيمة وضعت بها ما تبقى لدي من أدوات منزلية واستخدمها كمطبخ".
ولا يعاني قديح في توفير المياه مثل السكان الذين عادوا إلى مدينة خانيونس التي تصنفها الجهات الرسمية المختصة في قطاع غزة كمنطقة منكوبة، ويقول: "تأتيني المياه البلدية العامة يومًا بعد يوم عبر خطوط أعادت البلدية إصلاحها إثر العودة الملحوظة للسكان لمنازلهم وأراضيهم في البلدة".
بقايا منزل
وفوق منزلهما المدمر في بلدة بني سهيلا أحاط الشقيقان ولاء وحمزة أبو جامع بقايا غرفة بالأغطية وبدت كخيمة فوق الركام، حيث دمرت غارات جوية إسرائيلية منزلهما المكون من طبقتين وتسكنه أسرتهما المكونة من 7 أفراد، وبحسب ولاء في حديثها لـ "الترا فلسطين" فإن والدها قام ببناء هذا المنزل الجديد وسكنته الأسرة قبل اندلاع الحرب بثلاثة شهور، وقد حولته قوات الاحتلال إلى ثكنة عسكرية أثناء توغلها في المنطقة قبل أن تدمره كلياً.
عندما عادت ولاء إلى هذا المنزل الذي يبعد نحو ثلاثة كيلو مترات عن السياج الأمني الإسرائيلي الذي يحيط بالقطاع من الناحية الشرقية، وجدته أنقاضًا، ورغم الحزن الذي اعتصر قلبها إلا أنها تجاوزت حزنها وصدمتها وقررت مع شقيقها حمزة إعادة الحياة للحجارة المتناثرة، ومغادرة الخيمة التي كانا يقيمان بها مع أسرتهما منذ 4 شهور في منطقة المواصي.
تصف ولاء تجربة الشهور الأربعة في الخيمة بأنها "قاسية" وترى في الحياة على أنقاض منزلها أفضل من خيمة في المواصي، بلا خدمات أو مرافق، وتغزوها الأمراض والنفايات والحر الشديد.
أزمات مركبة
وتراكمت أطنان من النفايات في منطقة المواصي، حتى أنها باتت ملاصقة لخيام النازحين ومراكز الإيواء، وتفوح منها روائح كريهة وتنتشر بسببها الحشرات الضارة، في وقت تشكو فيه البلدات من قلة الإمكانيات لمعالجتها، ومن عدم قدرتها على نقلها إلى مكبات النفايات المركزية لوجودها في مناطق خطرة متاخمة للسياج الأمني.
ولم يأبه الشقيقان ولاء وحمزة بتحذيرات والدهما الذي رفض مع باقي أفراد الأسرة العودة إلى بني سهيلا خشية من توغل إسرائيلي مفاجئ، خاصة وأن المنزل قريب من السياج الأمني، ووفقاً لولاء فإنها وشقيقها نفذ صبرهما في خيمة المواصي، ورغم إدركهما للمخاطر قررا العودة لمنزلهما المدمر.
تقول ولاء إن عودة السكان والجيران لبني سهيلا وغيرها من البلدات المجاورة في شرق خان يونس شجعت الكثيرين على العودة أيضًا، ورغم أنها غير نادمة على قرار العودة وشقيقها لمنزلهما، إلا أنها تقر بصعوبة الحياة وخطورتها في الوقت نفسه.
وإضافة إلى صعوبات توفير المياه سواء للشرب أو النظافة والاستخدامات المنزلية الأخرى، فإن الليل يبدو بحسب وصف ولاء "مرعبا" حيث الانفجارات تهز أرجاء المنطقة، نتيجة الغارات الجوية والقصف المدفعي، ويزداد تحليق الطائرات في سماء المنطقة.