13-مايو-2018

صورة عامة لغزة - (gettyimages)

تعتبر مدينة غزة من أهم المدن التاريخية في العالم القديم - وفق مؤرخين عرب وأوروبيين - باعتبارها بوابة الشرق لكثير من الحضارات والجيوش الكبيرة، وقامت عليها حضارات وممالك عدة، لكن تحولت بعد النكبة إلى قطاع غزة، وهي تسمية أطلقها الحاكم المصري، نظرًا للتقسيمات القطاعية في أنظمة الدولة المصرية التي حكمت غزة بين عامي 1948، و1967.

كان سكان القطاع الأصليين آنذاك يسكنون في النقاط التالية: مدينة رفح وبعضها قبائل بدوية، ومدينة خان يونس - وفيها وسط البلد، وبني سهيلا، وخزاعة، وعبسان الكبيرة، وعبسان الجديدة -، إضافة إلى مدينة ودير البلح، وبيت لاهيا، وبيت حانون، وجباليا شمال قطاع غزة، ومدينة غزة التي تقتصر على شارع عمر المختار، ومنطقة الشجاعية، وحي الزيتون القديم، وبعض البيوت المتفرقة التي على أثرها أقيمت أحياء كبيرة بعد النكبة.

اللاجئون الذين أتوا إلى غزة أقاموا أولاً في ثكنات للجيش البريطاني، ثم أقاموا على أراضي لعائلات غزية، وأراضي حكومية، وقرب مناطق أثرية

أقام اللاجئون الذين أتوا إلى غزة بداية التهجير القسري في ثكنات عسكرية ومقرات للجيش البريطاني، أصبحت خالية بانسحابه منها في بداية شهر أيار/مايو لعام 1948. لاحقًا، أُقيمت مخيمات اللجوء في غزة على أراضي كانت تتبع لعائلات غزية، وأراضي حكومية، وبالقرب من مناطق تاريخية وأثرية.

اقرأ/ي أيضًا: صور | عن "الناس الطيبة" في فلسطين قبل النكبة

وكان أول مخيم أُقيم في قطاع غزة هو مخيم الشوا، في منطقة السرايا وسط مدينة غزة وشارع عمر المختار. أتت تسمية المخيم من أرض كانت تعود لعائلة الشوا، وهي أراضي سوافي رملية، أطلق عليها منطقة الرمال لهذا السبب أيضًا.

كيف تأسست المخيمات الثمانية في قطاع غزة إذن؟ أجابنا على هذا السؤال، الباحث في القضية الفلسطينية واللاجئين ناهض زقوت، مبينًا أنها بدأت تظهر أوائل الخمسينات، عندما اجتاحت عاصفة ثلجية مدينة غزة، وهدّمت عشرات آلاف الخيام، تحديدًا في مخيم الشوا، فقررت "الأونروا" بناء مخيمات للاجئين، واتفقت مع الحاكم المصري على تخصيص أراضي حكومية لبناء منازل صغيرة بدلاً من الخيام، وكذلك الحصول على أراضي لعائلات غزية، مقابل منح أصحابها امتيازات وظيفية مع الحاكم المصري.

بدأ تنفيذ الخطة في المخيمات الثمانية عام 1954، وتم تقسيم البيوت حسب أفراد الأسرة، وكان أصغرها بيت مكون من غرفتين، وهي إجمالاً مبنية من ألواح "اسبست" وقرميد أحمر.

ووفق وثائق مركز "عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق" الذي يترأسه زقوت، فإن اللاجئين لم يدقوا مسمارًا واحدًا من أجل تعديل منازلهم أو الإضافة إليها آنذاك، بسبب اعتقادهم أنهم سيعودون للبلاد خلال وقت قصير، بل إن بعضهم ممن يملكون المال أصبحوا يشترون أراضي في الأراضي المحتلة من لاجئين آخرين، وهم على ثقة بالعودة، فيما كان كبار في السن يوصون أولادهم بدفنهم في الأراضي المحتلة بعد وفاتهم.

في السنوات الأولى بعد النكبة، لم يدق اللاجئون مسمارًا واحدًا لتعديل منازلهم أو إضافة شيء عليها، وكبار السن أوصوا بدفنهم في أراضيهم

أُقيم مخيم النصيرات بالاتفاق مع الحاكم المصري على أراضي تعود لقبائل النصيرات البدوية، وعائلات أخرى من أصول بدوية أيضًا، وكانت أغلبها أراضي فارغة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تجمّلت نساء فلسطين قبل النكبة؟

 أما مخيم الشاطئ، فقد أُقيم على أراضي حكومية، وكذلك على أراضي تعود لعائلة بكر، وهي أكثر العائلات المشهورة بالصيد. أقامت في المخيم عائلات تُمارس الصيد أيضًا أتت من قريتي حمامة وجورة المهجرتين، واستمرت في مهنتها الأساسية وهي الصيد، وقد نص الاتفاق مع الحاكم المصري على عودة الأراضي والأبنية التي فوقها إلى العائلات التي كانت تملك الأراضي.

يذكر زقوت أن بعض العائلات المالكة لأراضي المخيمات - تحديدًا في وسط قطاع غزة - طالبت بأراضيها لاحقًا، لكن في بداية عهد السلطة الفلسطينية أمر الرئيس الراحل ياسر عرفات المجلس التشريعي الفلسطيني بإصدار قرار يمنع أحدًا بالمطالبة بالأراضي التي تقوم عليها المخيمات في قطاع غزة، إلى أن يعود اللاجئون لأراضيهم.

يُبيّن المؤرخ طلعت النواس، أن كثيرًا من أراضي المخيمات ومناطق أخرى في غزة قامت على أراضي كانت فيها حضارات كبيرة. فأرض مخيم جباليا شمال قطاع غزة - مثلاً - كانت تحتوي على تحف فنية من الموازييك البيزنطية، وهي بلدة كنعانية كانت تسمى "ازالية".

ويوضح النواس أن مناطق شرق قطاع غزة كانت مناطق هامة جدًا وفيها غابات كثيفة، ومن هنا جاءت تسمية حي الزيتون نسبة لأشجار الزيتون الكثيرة فيه، إلا أن جيوش الدولة العثمانية قطعت الكثير من الأشجار لاستخدامه وقودًا.

ووفق خبير الآثار المصري عبد الرحمن ريحان، وهو مدير البحوث والدراسات الأثرية في سيناء، فإن الاحتلال الإسرائيلية كان يسعى لاحتلال غزة بالكامل وتهجير جميع من فيها إلى سيناء، وهو مخطط قديم باء بالفشل إثر معركة "يادمر دخاي" مع الجيش المصري بتاريخ 19 أيار/مايو 1948، على حدود غزة والنقب، وإثر ذلك تم تجميع اللاجئين في مناطق متفرقة حسب الجهة التي قدموا منها.

في كتابه "سيناء ملتقى الأديان والحضارات"، ألمح ريحان إلى أن بعض المخيمات في قطاع غزة أُقيمت بصورة خاطئة وفي مواقع أثرية وهامة، تحديدًا في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي يقول ريحان إنه يقع على حدود منطقة الإبلاخية، التي كانت شاهدة على حضارتين. ويضيف، "في جنوب غزة وجدنا آثار تؤكد على وجود حياة بشرية هامة منذ 3300 عام قبل الميلاد. تقع الآثار الرومانية والبيزنطية في غزة بمنطقة الإبلاخية شمال غرب المدينة حيث يوجد ميناء غزة في العصرين اليونانى والرومانى".


اقرأ/ي أيضًا:

هجّرتهن النكبة والتقين بعد 70 عامًا

وأنت.. ما رأيك بتسمية عرب إسرائيل؟

شاهد القبر الفلسطيني الذي تجاوز ثلاثة حدود!