في صبيحة السابع من تشرين الأول\أكتوبر، استيقظ الإسرائيليون، على زلزال أطاح بثقة الكثيرين بتفوق جيشهم واستخباراتهم، على نحو غير مسبوق، كما جاء على ألسنة صناع الرأي والخبراء والأشخاص العاديين، لم يكن ذلك من نصيب التجمعات السكنية المحاذية لقطاع غزة بل تخطى ليصبح شعورًا مهيمنًا على الحيز وعلى الفضاء الإعلامي وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك ساهم في تأجيج المخاوف الوجودية، وفي لحظة الذروة بدا في عيونهم أن كل ما مضى وهم تبدد.
تفاقمت هذه الحالة، مع تدفق طوفان من الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل والقنوات العربية، فغرق الجيش في حالة فقدان السيطرة والعجز عن رسم صورة ميدانية دقيقة لنطاق الهجوم فضلًا عن شن هجوم مضاد، حالة الصدمة التي صفعت الإسرائيليين شرحها البروفيسور عيران هالبرين من قسم علم النفس في الجامعة العبرية في القدس: "إن الصدمة الجماعية التي حدثت في 7 حدث مؤسس، لها تأثير نفسي كبير جدًا، يتجلى بقلق جماعي وشخصي حقيقي، ويستند إلى صدمات الماضي خصوصًا المحرقة|، مثل هذا التصور من الممكن أن يؤدي إلى "رخصة أخلاقية"، وهو الموقف الذي يتم بموجبه "في وقت التعامل مع الشر المطلق، فإن القيود الأخلاقية غير ذات صلة".
العلاج النفسي بالبوارج وحاملات الطائرات الأميركية للإسرائيليين أظهر جنرالات تل أبيب وساستها في صورة العاجزين على إدارة الأزمة.
اتسمت هذه المرحلة، بإعراب عدد كبير من الإسرائيليين، وبعضهم جنود سابقون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن اعتقادهم أن ما جرى صبيحة السابع من تشرين الأول\أكتوبر ما كان له أن يحدث بدون تقصير غير مسبوق، وبعضهم وصل حد تأكيد وجود خونة في صفوف جيشهم ومخابراتهم، ومسألة اتهام أوساط من الجيش أو المخابرات بالخيانة للمرة الأولى على الإطلاق.
وتدحرجت الاتهامات مثل كرة النار تلتهم الثقة بالجيش بوصفه صمام الأمان وشرط البقاء، وبعد أيام، بث التلفزيون الرسمي "قناة كان" حلقة من برنامج "من الجانب الآخر" كرسها لنفي تلك الادعاءات، فيما وقف المعلق العسكري للقناة 13 أمام الشاشة وناشد الإسرائيليين بالتوقف.
هائمون على وجوههم، فر الآلاف من "غلاف غزة"، ووصل بعضهم مباشرة الى مطار اللد، وتكرر المشهد في المناطق المحاذية للحدود مع لبنان، وبذلك ولدت ظاهرة "200 ألف نازح داخل إسرائيل"، بالتوازي مع ذلك، وبعد فشل الجيش والشرطة في توفير الأمن الشخصي توجه الإسرائيليين نحو التسلح الفردي، وقالت وزارة الأمن القومي إنها تلقت 236 ألف طلب جديد لتراخيص أسلحة خاصة في شهر أكتوبر، وهو نفس العدد الإجمالي للطلبات المقدمة خلال العشرين عامًا التي سبقت الحرب. وبحسب بيانات الوزارة التي نشرتها فإن أكثر من 31 ألف مواطن حصلوا على الرخصة منذ اندلاع الأعمال الحربية، 18 ألفاً منهم اشتروا سلاحًا في الشهر الماضي. ومنذ بداية نوفمبر، يتم إصدار حوالي 1700 ترخيص في المتوسط يوميًا. علمًا أن عددًا كبيرًا من الإسرائيليين يمتلكون سلاحًا شخصيًا أو لكونهم جنودًا في الخدمة الاحتياطية.
وإزاء الصدمة وفقدان الاتزان، على الصعيد المدني، وأيضاً في مستويات اتخاذ القرار العسكري وفوقه السياسي، جاءت الإعلانات الأميركية وغيرها عن إرسال حاملات الطائرات والبوارج ولاحقاً الجسر الجوي الأميركي من العتاد والذخيرة، بالإضافة إلى الخبراء، لحقن المجتمع الإسرائيلي بجرعات كبرى لإنقاذهم من حالة الانهيار، هل جاء ذلك استجابة لطلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أم لا؟ هنالك في "إسرائيل" من لا يستبعدون ذلك، وعمومًا التاريخ سيجيب في المستقبل عن هذا التساؤل.
لكن العلاج النفسي بالبوارج وحاملات الطائرات الأميركية للإسرائيليين، كان له أثر جانبي بعد مفعوله الهام في منع تفاقم حالة الانهيار، إذ أن حضور الجنرالات والمسؤولين الأميركيين في مجلس الحرب الإسرائيلي، أظهر جنرالات تل أبيب وساستها في صورة العاجزين على إدارة الأزمة، وبات يخشى الإسرائيليين فقدان الاستقلالية في إدارة الحرب.
لقد أطلق الجيش حملة نفسية لا تستهدف الفلسطينيين وإنما جمهوره، لترميم صورته المهشمة في عقول وقلوب الإسرائيليين، إذ عكف بعد أن استعاد توازنه، إلى استخدام وسائل الإعلام والصحف الغربية وتحديدًا الأميركية، وعبرها نشر "تحقيقات ومعلومات حصرية" تظهر أن قوات النخبة الحمساوية كانت تنوى ضرب أهداف عسكرية حساسة في مناطق أعمق من "غلاف غزة" وصولاً إلى الضفة الغربية، لإظهار أنه نجح بإفشال جزءًا من خطة عملية طوفان الأقصى، واختار وسائل الإعلام الأجنبية لأنه يدرك أن جمهوره لا يصدقه، وتجلى ذلك عندما خاطب المتحدث الرسمي باسم الجيش، في اليوم الأول من الحرب البرية، الإسرائيليين بالتوقف عن تداول ما وصفها بالإشاعات حول الخسائر البشرية في صفوف القوات المتوغلة، فيما علقت إذاعة جيش الاحتلال على أقواله بالإشارة إلى أن "سيل الشائعات يغمر البلاد". لاحقًا تبين أن ما وصفه بالإشاعات، حول سقوط قتلى بين صفوف الجنود، تبين أنها حقائق.
الجزء الآخر من العلاج النفسي للإسرائيليين ذا الطابع السياسي، يتولاه رئيس الحكومة الإسرائيلية شخصيًا، إذ أن المطالب الأميركية لـ"وقف إطلاق نار إنساني"، ليست مقرونة بضغوط فعلية، ولو كانت كذلك، لن يكون أمام نتنياهو بد من الاستجابة السريعة. التوصيف الإسرائيلي الرائج للمطالب الأميركية هو أنها حملة علاقات عامة، تستهدف التخفيف من الضغوط القادمة من الجناح التقدمي من الحزب الديمقراطي المناهض للحرب، وتفادي، قدر الإمكان، السلوك الانتخابي العقابي في السباق الرئاسي من جانب الأميركيين من أصول عربية وإسلامية ولاتينية، وبسرعة البرق وبمجرد صدور أي تصريح أمريكي يبادر نتنياهو الى الظهور بصورة الزعيم المستقل عن الإدارة الأميركية، وبذلك يحقق كلا الطرفين الغاية من تلك التصريحات.