15-نوفمبر-2023
أطفال غزة

"رحلة شخصية وفكرية وفلسفية... متضمنة في لقاءات مع الأشخاص الذين يحاول من خلالهم فك الحمض النووي الجماعي لإسرائيل والصهيونية واليهودية"، على هذا النحو الموجز لخص الخبير المخضرم في الشؤون الاستخبارية الاسرائيلية والمعلق العسكري في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان، كتاب "نيران صديقة: كيف تحولت إسرائيل إلى عدوة نفسها، وعن الأمل في المستقبل"، الذي أعده الوزير السابق عامي أيلون.

وأيلون من مواليد 27 حزيران/ يونيو 1945، وهو سياسي إسرائيلي وعضو سابق في الكنيست عن حزب العمل وكان سابقًا رئيس الشين بيت، جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والقائد العام للقوات البحرية، وجاء في المركز الثاني خلف إيهود باراك في انتخابات زعامة حزب العمل في حزيران/ يونيو 2007، وعُيّن وزيرًا بلا حقيبة في أيلول/ سبتمبر 2007، وهو واحد من الحاصلين على أعلى وسام في "إسرائيل"، وسام الشجاعة.

يُقدم عامي أيلون في كتابه، مقابلة مع أحد حاخامات الصهيونية الدينية، الذي يبرر قتل الأطفال

وحصل عامي إيلون على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة بار إيلان، ودرجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد حيث تخرج عام 1992، ودرجة الماجستير في القانون الإسرائيلي من جامعة بار إيلان عام 2010.

الطرح المركزي في كتاب "نيران صديقة: كيف تحولت إسرائيل إلى عدوة نفسها وعن الأمل في المستقبل"، الصادر حديثًا والذي يمتد على مدار 270 صفحة، يحذر من تحول إسرائيل، إلى دولة تتخذ شكل وجوهر "ديستوبيا" (Dystopia)، وهذا مصطلح يعني  أدب المدينة الفاسدة  أو عالم الواقع المرير، هو مجتمع مُتخيل، فاسد مُرعب. ويُعدّ نقيضًا لأدب المدينة الفاضلة، كما يستخدم ذات المصطلح للدلالة على المجتمع غير فاضل،  تُهيمن عليه الغرائز وتسوده، وليس فيه للخير من متسع، ويحكمه الشر المطلق، بعد أن يتخلى الفرد فيه عن حسه الآدمي، ويصير فيها المجتمع قطيعًا من المسوخ المتناحرة غارقون في مستنقع  الخراب، يسوده العبودية والجهل والمرض.

مفاجأة الكتاب هي أن تحويل إسرائيل إلى "ديستوبيا"، بحسب تقدير المؤلف العليم بخفايا هذه المجتمع: "لن تحصل بفضل حفنة من اللاهوتيين ورجال الدين اليهود، الذين سيجروننا إلى الماضي المظلم. إن الأغلبية العلمانية هي التي ستقودنا إلى هناك، مدفوعين بالخوف والصمت"، ويقترح أيلون على إسرائيل تغيير روايتها للماضي حتى تحقق السلام.

عامي أيلون
إيهود باراك مع عامي أيلون (Getty)

بِحِرفية المحقق وقلق رجل الأمن الذي يرسم ملامح المستقبل وبتشخيص للواقع بدقة، يجري أيلون مقابلات مع شخصيات محورية إسرائيلية وأيضًا فلسطينية، لعل أهمها وأخطرها مع الحاخام  يتسحاق شابيرا، الذي شارك بالتعاون مع الحاخام اليستور في تأليف كتاب شريعة الملك، الذي يُجيز قتل "العرب الأبرياء".

شابيرا من كبار منظري "الصهيونية الدينية"، وهذا مصطلح يُطلق على التيارات الدينية الإسرائيلية التي تزاوج بين التطرّف القومي والديني، وتعتمد على التوراة بصفتها تُعطي الحقّ لليهود باحتلال كافة الأراضي الفلسطينية.

ويؤمن أتباع هذا التيار بـ"ضروة الفعل البشري النشط من أجل تحقيق سيادة يهودية على كامل ’أرض إسرائيل التوارتية/ فلسطين التاريخية’"، بخلاف تيارات دينية يهودية متشددة تسمى الحريدية، وترى أن قيام دولة إسرائيل يتحقق فقط من خلال إرادة إلهيّة بنزول المسيح، وأنصار التيار الأخير يرفضون تأدية الخدمة العسكرية.

ويحثّ التيّار الأوّل، أي الصهيونية الدينية، اتباعه على الانضمام للجيش، ويملك شبكة مدارس تُعدّ طلابها روحيًا وجسديًا للالتحاق بجيش الاحتلال، وقد حقق خلال العقد الماضي نجاحًا كبيرًا، فبعد أن كانت نسبة خريجي دورات الضباط من مرتدي القبعات المطرزة 2%، باتت نسبتههم خلال السنوات الأخيرة 40%، ورئيس الأركان الحالي هرتسي هليفي ينتمي لهذا التيار.

ويبدأ عامي أيلون حديثه مع الحاخام شابيرا، بالقول: "هناك بعض الأشياء التي لا أفهمها في القسم الذي تبيح فيه قتل الأطفال العرب، تسرد مبررات تبيح ارتكاب ذلك وتدعي أنه حتى لو لم يخطئوا، فقد يكبرون ويكونون أشرار مثل والديهم. يرد الحاخام شابير: ما الذي لا تدركه؟".

يجيب  أيلون: "كما جاء في قولك، كيف توفق بين شرعنة قتل الأطفال الرضع، مع النص التوراتي: لا تقتل؟، يرد الحاخام شابير: ليس ثمة ما يستدعي التوفيق. يتابع أيلون: يبدو لي أنه ثمة ما يستدعي ذلك".

ويستمر  الحاخام شابيرا: "لا، لأنه حسب التوراة والإجماع بين حكمائنا، فإن التحريم المطلق للقتل ينطبق على اليهود فقط، ولا ينطبق على الأغيار -كل من هو ليس يهوديًا-. يرد إيلون: إذن أنت تدعي أن قتل غير اليهود ليس مشكلة؟. يرد الحاخام شابيرا: حسب التوراة، لا. إن نص’لا تقتل’ ينطبق على شعب إسرائيل. ويضيف الحاخام شابيرا: إذا نهض علينا الأغيار -غير اليهود- لقتلنا، فإن واجبنا الأخلاقي هو الاستمرار في قتلهم، ليس فقط الإرهابيين أو الجنود، ولكن أيضًا النساء والرجال والمسنين والأطفال".

وتحت عنوان "شابيرا يمضي بعيدًا"، يمهد أيلون لما سيقوله الحاخام شابيرا، لشرعنة قتل الأطفال عندما يضيف المزيد من التفاصيل بالقول: "ثمة من يفسر -من الحاخامات- أنه من المباح بل من الواجب قتل الأطفال الفلسطينيون الرضع، الذي لم يزل يرضع من حليب أمه، لأنه من الواضح أنه عندما سيكبر سيكون آثمًا مثل والديه".

ويعقب أيلون على ما سمعه من الحاخام شابيرا، من إباحة قتل الأطفال الرضع والنساء والعجائز بجملة قصيرة: "تساءلت في نفسي، في أي عالم مقلوب وجنون أنا أعيش".