لا يمر مشهد جلوس عروسٍ تعاني من إعاقة ما على "اللوج"، إلى جوار عريس سليم، دون أن تتخله أو تسبقه وتتبعه أيضًا تعليقاتٌ وتساؤلاتٌ من الحضور، بل وممن سمعوا بالقصة ولم يحضروا المشهد، في حين يمر الأمر عاديًا لو كان المشهد عكسيًا، عريس من ذوي الإعاقة وعروس سليمة.
تشكو شاباتٌ ذوات إعاقة من نظرة شفقة وتقزيم لا تختفي إلّا عند تسجيلهنّ نجاحات، أمّا حينَ الزواج فيُخيّم الاستهجان والاستنكار في أغلب الأحيان، إذ يُحكم على التجربة بالفشل أو العناء الأبدي.
أن يرتبط عريس يُعاني إعاقة، بفتاة سليمة، مشهد قد يبدو عاديًا لدى المجتمع، لكنّ العكس يثير الكثير من الأقاويل!.. لماذا؟
"ألترا فلسطين" طرق أبواب أقليّة لم ترضخ لمزاج المجتمع، ولم تستسلم للأحكام المسبقة بالفشل. أصحاب هذه التجارب فتحوا صدورهم، لكنّ بعضهم طلب عدم نشر أسمائهم لـ"خصوصية حالاتهم"، حسب تعبيرهم.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو كنت كفيفًا في فلسطين؟
إيمان عادل (27 عامًا) تعاني من بتر في أصابع يدها اليُمنى، تشتكي من لمز زميلاتٍ لها، لكنّها وجدت أُمّها دائمًا سندًا لها. تقول، إنها تابعت دراستها بشكل طبيعي، وكانت واثقة من أنّ إعاقتها لن تمنع زواجها، وهو ما تحقق حين تقدّم "مصطفى" لخطبتها، متجاهلًا كافة الاستفسارات والانتقادات، والإشارات إلى وجود شابّات أخريات لا يعانين من أي مشكلة.
لم تتردد "إيمان" في سؤال عريسها عن السبب، أجاب، "لا يخلو أحد من مشكلة ما، نفسية، جسدية، ولربما يصابُ بعد حين بأي علّة. أما أنتِ فمشكلتك واضحة، لكنّكِ استطعتِ التغلب عليها بسهولة، وهذا ما شجّعني لأن ارتبط بك".
زوجها "مصطفى" أخبرنا أنّه لم يندم يومًا على قراره، ولم يُظهر لإيمان خلال حياته معها أي شعورٍ بالنقص، مضيفًا، أنه يحثُ رفاقه دائمًا على الارتباط بزميلات إيمان، "لقوتهن في تحدي الظروف وقدرتهن على خلق حياتهن الطبيعية بشكل سلس"، حسب قوله.
يضيف، أن إعاقة إيمان لم تمنع يومًا تقديم الرعاية التامة لأطفالهما الثلاثة.
تقتصر الإعاقة في نظر إيمان على الإعاقة الفكرية التي تحجز الإنسان عن تحقيق ما يريد. تقول، إن العديد من الفتيات "رفعن الراية البيضاء بسبب من حولهن، إمّا بالضغط من قبل ذويهن على البقاء داخل بيوتهن جلبًا للمساعدات، أو السماح لهن بالخروج من البيت لإشغال وقتهن فقط، دون الإيمان بأن لديهن القدرات لأن يكُنّ شيئًا مميزًا وفريدًا".
معتصم العزازي (33 عامًا)، تعلّم لغة الإشارة ليزيل الحواجز أمام ارتباطه بابنة عمّه "الصماء" التي تقيم خارج فلسطين. يقول، إن القرار حظي بترحيب من العائلتين، ولهما الآن أربعة أبناء ليس بينهم أي مصابٍ بأي إعاقة، خلافًا للمخاوف التي تُبنى على أنّ إصابة أحد الأبوين بإعاقة ما، ستؤدي بالضرورة لإنجاب أطفال يعانون الإعاقة ذاتها.
ولا يشعر معتصم، وفق قوله، بأي عائقٍ في علاقته الزوجية بسبب الصمم، وهو ما تؤكده زوجته أيضًا، نافية أي إحساس بالنقص طوال حياتهما معًا.
اقرأ/ي أيضًا: سرطان الثدي قد يعني الطلاق بغزة
ياسمين محمد (27 عامًا) أُصيبت منذ ولادتها بخلعٍ في كتفها، ما جعل لها يدًا وقدمًا أقصر منهما في نصف جسدها الآخر، أجرت العديد من العمليات دون فائدة. تقول، إن شابًا سليمًا كان قد تقدّم لخطبتها لكن والديه رفضا الفكرة، وقطعا عليه الطريق منذ بدايتها.
خِطبة أخرى من شاب سليم أيضًا تكللت بالنجاح هذه المرة، بعد إحدى الدورات التدريبية التي اعتادت ياسمين المشاركة فيها، حيث تعرفت إلى المدرّب الذي اتخذ قرارًا بالزواج منها، ولم تقف عائلته حائلًا هذه المرة.
"انتقادات الناس السلبية ونظراتهم سلاحٌ مصوّب إلى نفوس الفتيات من ذوات الإعاقة، فإما أن يركلنها، وإما أن يستسلمن"
ياسمين تقول إنها كانت دائمًا تستمع لحديث المُحبطين من حولها ونظراتهم، لكنّها تيقّنت في جميع مراحل حياتها أنها ستتزوج وتنجب وتبني حياة سعيدة مع شريك حياتها، مضيفة أن إيمانها بذلك لم يتراجع حتى عندما سبقتها بنات جيلها إلى "عش الزوجية".
وتضيف، "انتقادات الناس السلبية ونظراتهم سلاحٌ مصوّب إلى نفوس الفتيات من ذوات الإعاقة، فإما أن يركلنها وراء ظهورهن، وإما أن يستسلمن ويرضخن لها، فيمُتن ويموت معهُنّ الأمل. من حق هؤلاء الفتيات أن يحظين بحياةٍ كمثيلاتهن، وأن يقررن ويخترن طريقهن دون التأثير على قراراتهن".
زوج "ياسمين" يقول إنه لم يُفكّر يومًا في إعاقة زوجته، ولم يندم على اختياره قط، "فهي صاحبة فكرٍ جميل وروح طيبة، وتتمتع بأخلاق عالية"، دون أن ينكر سماعه لتعليقاتٍ سلبيةٍ عديدة، لكنّه "يشعر مع زوجته بأنهما يقدّمان أفضل قدوة ونموذج للزوجين المتفاهمين".
اقرأ/ي أيضًا: طلاب يتركون دراستهم بسبب إعاقاتهم
سامية (45 عامًا) أصيبت ببتر في قدمها حينما كانت في طريقها للمدرسة مع والدها، حيث انفجر لغم بهما، أسفر عن استشهاد والدها على الفور.
تقدّم شاب لخطبتها، لكن شقيقها رفض بحُجة إعاقتها. تقول إنّ موقف شقيقها أصبح "صخرة تقطع عليها التفكير بتكوين عائلة"
تقدم لخطبتها شابٌ من حيّها، أحبها جدًا دون معرفتها، إلا أنها فوجئت برفض شقيقها الذي قال: "أنت معاقة، والزواج بحاجة للعديد من الأمور، لن تستطيعين تلبيتها، وإن قبل في بداية الأمر، فسرعان ما سيطُلقك لاحقًا". تقول إن موقف شقيقها جاء رغم أن إصابتها لم تؤثر على حياتها، إذ تابعت حياتها بقدمٍ صناعية، ليصبح حديثه صخرة تقطع عليها الطريق في التفكير بتكوين عائلة.
عاد الرجل من بعد وفاة زوجته الأولى لخطبتها مرة أخرى، قوبِل بالرفض، ثم بعد وفاة زوجته الثانية أصرّ على طلبه، ليتلقى الرفض منها هذه المرة، معللة ذلك بأن "من لم يتزوج منذ صغره لن يستطيع أن يبدأ مشواره وهو كبير"، وفق قولها.
وتشتكي شابات ذوات إعاقة من إخفاء عائلاتهن لهن عن عيون الناس، وإلزامهن الجلوس في البيوت وعدم الاختلاط بأحد، "منعًا لإحراج إخوتهن، وخشيةً من أن تُنفر الناس من الإقبال على الزواج بأخواتها".
اقرأ/ي أيضًا: