05-مايو-2018

علاء الدالي في منزله برفح - عدسة: سعيد خطيب (Getty)

"لكِ أن تتخيلي كم ركضنا سويًا، حتى أُصبنا بالإنهاك، تبادلنا الأهداف، حققنا انتصارًا جميلاً يُذهب عناء وقت اللعب الطويل، فجأة، استيقظتُ على خيبة حُلمي المبتور، قدمي لم تعد صالحة للعب بعد اليوم". حالٌ يختصر الحلم الممزق للشاب عطا أبو الحسن، أحد جرحى مسيرات العودة.

على الحدود الشرقية لمدينة جباليا، في الجمعة الثانية من مسيرات العودة، ينادي لاعب الوسط في نادي النماء الرياضي عطا أبو الحسن (27عامًا) من مخيم جباليا المتظاهرين لشراء بعض من الكعك والمعمول من على عربته، عله يحصد مالاً زهيدًا يقيت به عائلته إلى أن يحين الوقت، وتصبح كرة القدم كُل عالمه ومصدر رزقه.

رصاص الاحتلال المتفجر يُجبر رياضيين فلسطينيين على اعتزال الرياضة بعد إصابتهم في مسيرات العودة

لكن، حتى الأحلام المؤجلة محكومٌ عليها بالقتل في غزة. رصاصة متفجرة أبادت كُل أحلام أبو الحسن عندما اخترقت قدمه ومزقت أوردته وكسرت عظمه، ثلاثُ عمليات أجريتْ لإعادة ربط أوعية قدمه الدموية، وما زال بحاجة لعمليات أخرى لاحقًا.

اقرأ/ي أيضًا: زقاق المخيم لن يضج بـ"فطبول" محمد أيوب بعد اليوم

سلمية مشاركته لم تُنحّيه من دائرة الاستهداف، ولا ابتعاده عن الحدود مسافة 200 متر، فقد شعر بصعقة في جسده ثم سقط على الأرض. صوته يختنق ثم يُجاهد دموعه، "أقسم بالله بقدرش أستغني عن الكورة، بدمي بتجري، بعد ما كنت طول النهار ألعب، أرتمي اليوم عالسرير، حاجة وحدة بتمناها من ربنا: إني أرجع عالملاعب بس".

[[{"fid":"71783","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

كانت عودته من زيارة الطبيب بعد أوّل مرة، ومصادفته لمجموعة شبان يلعبون كرة القدم، درسًا في قمة القهر، بكى كثيرًا، وشعر بمدى ضعفه وهو العاجز عن ممارسة أبسط أحلامه بعدما كانَت الكرة صديقته في كل حالاته ومزاجاته، كما يُبين لـ الترا فلسطين.

لكنه يُصّر على أن يقاوم الحياة، ويبعث الروح في حلمه من جديد، يُقاتل كل مثبطات الهدم، آملاً العودة إلى مصدر بهجته  - الملاعب - ويسير ثابتًا نحو تحقيق شغفه حتى يرفع علم فلسطين في المسابقات المحلية والدولية.

"الحمد لله على حالي، بضّل أحسن من غيري". الجملة الأشهر في أحاديث الغزييّن، وهي تختزل أشواطًا طويلة من الوجع، لكنّها تُنطَق في محاولة لإيجاد متنفسٍ من الرضا يُبقيهم على أمل بأن القادم أفضل. وهكذا كان حديث اللاعب الظهير في فريق الصلاح الرياضي محمد عبيد (23 عامًا) من مدينة دير البلح، رغم إصابته خلال مشاركته في الجمعة الأولى لمسيرات العودة على الحدود الشرقية من مخيمه، للمطالبة في حق عودته إلى بلدته الأصلية "بيت داراس" المحتلة.

[[{"fid":"71784","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":407,"width":514,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

لم يعلمْ عبيد أنّ إمساكه بهاتفه ومحاولة التقاط فيديو سلفي لمشاركته، سيكون نفسه الذي يوثق لحظة إصابته حينما اخترقت ساقه الأيسر رصاصة متفجرة من قبل قناص إسرائيلي، أدت لتمزق الأوردة، وتفتُّت "الصابونة"، وأحدثت انفكاكًا في المفصل.

 استقر الحال بالشاب عبيد أسيرًا لسريره الذي يقضي كل وقته عليه، بعد القضاء على حلم طفولته، الذي لطالما رافق والده "الحكم الرياضي" في جميع مبارياته، أملاً في أن يصبح "هداف فلسطين" حين يكبر، الأمر الذي جعله مميزًا عن غيره منذ صغره، ومنحه أداء فريدًا.

الجميع يُخبر عبيد عن معنوياته العالية، لكن في لحظة صراحة وواقعية يخبرنا، "أنا بكذب على نفسي، ما حد بحس بالوجع إلا صاحبه". لم يكتفِ الاحتلال بمنع الرياضيين الغزيين من المشاركة في المباريات الخارجية، حتى قرر القضاء على أي أملٍ في المحاولة بعد ذلك، كما يقول لـ الترا فلسطين.

علاء الدالي (21 عامًا)، اللاعب في نادي خدمات رفح، قصة أخرى أكثر وجعًا، إذ أُصيب على مسافة أربعة أشهر عن مشاركة آسيوية هامة. بزيّه الرياضي وعلى دراجته الهوائية، انطلق علاء في أول جمعة من مسيرات العودة، من بيته إلى الحدود الشرقية لمدينة "رفح"، اختار مكانًا يبعد أكثر من 200 متر من الحدود، يراقب من خلاله الثوار المتقدمين أمامه، كما يوضح لـ الترا فلسطين.

[[{"fid":"71785","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

لم يُطل وقفته تلك، حتى اخترقت قدمه اليمنى رصاصة متفجرة، وقتلتْ حلمه بالسفر إلى جمهورية إندونيسيا خلال شهر آب/أغسطس المقبل، للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية التي تضم 40 رياضة، بعد حصوله على العديد من الجوائز في المسابقات المحلية.

محاولات الأطبّاء لإنقاذ قدم الدالي استمرت لتسع عملياتْ باءت جميعها بالفشل، حتى اضطروا في نهاية الأمر إلى بتر القدم، خشيةً من حدوث مضاعفات قد تتلف بعض المناطق الأخرى في ساقه، ليعيش الدالي بواقعٍ لم يتوقع حدوثه مطلقًا وهو يقف على بعد بضعُ خطواتٍ عن تحقيقه الحلم الذي راوده منذ صغره، فلا الحلمُ بقي ولا العلم الفلسطيني ارتفع.

[[{"fid":"71786","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":399,"width":594,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

"يعتبر الاحتلال الإسرائيلي الرياضة الفلسطينية شكلاً من أشكال المقاومة التي يجب التخلص منها، ولذلك يتعمد قتل أي محاولة من خلالها يستطيع الرياضيين إيصال رسالتهم للعالم، أو يتم فيها رفع العلم الفلسطيني"، كما يقول وكيل وزارة الشباب والرياضة  أحمد محيسن لـ الترا فلسطين.

يقول محيسن إن المشاركين لم يشكلوا أي خطر على أمن الاحتلال، ولم يخرجوا إلا ليعبروا عن انتمائهم لوطنهم وأرضهم كباقي أبناء الشعب الفلسطيني بشكل سلمي، لكن تم استهدافهم من أجل إرهابهم وتخويفهم للتراجع عن مطالبتهم في حق العودة إلى بلدانهم المحتلة، وسط تخاذل المؤسسات الرياضية الدولية وحقوق الإنسان عن واجباتها ضد الانتهاكات الإسرائيلية التي تمس الحركة الرياضية في قطاع غزة.

وكانت وزارة الشباب والرياضة أفادت نهاية شهر نيسان/إبريل، بأنه خلال الشهر الأول من مسيرات العودة، قتل رصاص الاحتلال الطفل الرياضي حسين ماضي، وأصاب 30 رياضيًا شابًا وناشئًا من قطاع غزة، بعضهم كانت إصاباتهم في الرأس، وآخرون تم بتر أطراف لهم، وأبرزهم بطل الدراجات الهوائية علاء الدالي.


اقرأ/ي أيضًا:

مسنون على الحدود.. دليل الثوارة لطريق العودة

صور | أعلام فوق السياج الفاصل.. صناع الحدث يتحدثون

مسعفةٌ بقدمٍ مكسورة وضغط مزمن و"هيموفيليا"!