"لم يكن الطب مجرد علم ندرسه أبدًا... الطب بعضٌ منا، الطب روحنا، الطب نحن" هكذا عنونت سماح صفحتها الشخصية على الفيسبوك، ووقفت أمام المئات من الحاضرين على منصة التخرج تُعلن أنها "مجنونة الطب". لحظةٌ تضاهي سنوات العمر بالنسبة لسماح، اختفت فيها كل معالم التعب، ومضت كأنها لم تُرى، وكأن السعادة تبعثها بميلادٍ جديد للحياة التي ترغبها.
الشابة سماح عفانة (28 عامًا)، تخرجت صيف هذا العام (2017) من كلية الطب بالجامعة الإسلامية في غزة، بعد إعادة "الثانوية العامة" ثلاث مرات، ودراسة تخصصين جامعين مختلفين، ورحلة معاناة استمرت عشر سنوات.
سماح عفانة من غزة أعادت الثانوية العامة 3 مرات، ودرست تخصصين في الجامعة، من أجل الوصول إلى حلمها بدراسة الطب، ونجحت
ارتداء "روب الطبيب" كان حلمًا يراودها مذ كانت طفلة صغيرة، فسَقتُه عملاً وأملاً حتى حان موعد اختبارات الثانوية العامة لعام 2007، حصلت فيه على درجة الامتياز بمعدل 93.3، معدلٌ لا يسمح لها بدخول عالم الطب الذي تُحبه.
اقرأ/ي أيضًا: صور | جدران غزة.. حُب وغضب وأشياء أخرى
لم تركن سماح لليأس، وأقسمت على المُضي حتى الوصول، فالتحقت بدبلوم التمريض علّه يكون مدخلاً لعالمها التي رغبت. في عام 2008، أعادت تقديم اختبارات الثانوية العامة بالتوازي مع اختبارات كلية التمريض، لتحصل على معدل 89.2%، لكنه جاء أقل من توقعاتها؛ نظرًا لتعارض الاختبارات معًا، ولم يُثنها ذلك مطلقًا.
وفي المحاولة الثالثة تقول سماح لــ"ألترا فلسطين": "قررتُ التركيز على تخصصي الجامعي، لأتخرج عام 2010 بالمرتبة الأولى على كلية التمريض، وبتقدير امتياز، بعدها عملتُ في الأونروا والتحقت إلى جانبه ببكالوريوس التمريض في الجامعة الإسلامية".
لم يمضِ الفصل الأول بحصولها درجة "الامتياز"، إلا وحلم الطِب عاد يكزُ عقلها، فقررت تأجيل الفصل الثاني والتفرّغ لإعادة اختبارات الثانوية العامة من جديد.
ومنعاً للإحراج، أبقت على محاولتها هذه المرة سرًا سوى من معرفة الأهل فقط، وطلبت إجازة من عملها، ثم عكفت على الدراسة شهرًا كاملاً، واعتمدت على ذاتها بفهم الإضافات الجديدة على المنهاج، في محاولة تكللت بمعدلٍ يفوق المرات السابقة 94.7%، لكنه أيضًا لم يبلّغها تحقيق حلمها هذه المرة رغم المعاناة الكبيرة.
تقول: "كانَ أمرًا صعبًا للغاية بالنسبة لي، لكن أملاً بسيطاً لوحّ لي من خلال سماح الجامعة الإسلامية بدخول الطلبة الذين يقل معدلهم بـ 3 درجات مئوية عن معدل الطب، مسابقة سنوية لدراسة عام كامل في كلية العلوم والحصول على معدل امتياز، بعد ذلك يتم السماح لهم بدخول كلية الطب".
ظروف صعبة مرّت بها سماح لم تدعها قادرة على تصدر المراتب المتقدمة خلال الفصل الأول بكلية العلوم، لكنها حاربت ضعفها ومثبطات الحياة لتتصدر قائمة الامتياز خلال الفصل الثاني، وتُعلن لحظة حريتها بالانطلاق إلى كلية الطب.
لم تكن طريق سماح ممهدة، فرَفْضُ من حولها كان أول العقبات في بادئ الأمر، لكن بعد إقناع الجميع ورؤيتهم لإصرارها، تُركت لأن تُحاول وتمضي في سبيل هدفها.
زارها الضعف كثيرًا ونهش اليأس أوقاتًا طويلةً من حياتها، وحلّت الحيرة على كثيرٍ من إجابتها حينما كان التساؤل يداهم ذاكرتها "هل سأكررها لو فشلت؟"، إلا أنّها كانت تكابد وتحاول حتى تنتصر في نهاية المطاف.
صُدم حلمها بالمعابر المغلقة، وشُح الكتب، وضياع فرص كثيرة للتدريب بالخارج، لكنّها تعتبر أن هذا الطريق يستحق العناء والعذاب لمن أحبّ الطب بصدق، والأمل يحذوها لأن يرى أهل قطاع غزة النور، ويسمح لهم بالانتقال ونهل العلم من كل مكان.
سماح ترى أن الدور الكبير في نجاح الأبناء يقع على عاتق الآباء، وعليهم أن يتجنبوا العنف مع أبنائهم الفاشلين، وأن لا يكونوا معولاً لهدمهم وبث اليأس في حياتهم، بل عليهم تقديم الدعم لهم ودفعهم لتكرار المحاولة مرة بعد أخرى، حتى يصلوا لمبتغاهم ويحققوا أحلامهم.
وترى سماح أن إجبار الأهالي لأبنائهم على الالتحاق بتخصص ما، من أكبر الأخطاء، خاصة الحاصلين على معدلات مرتفعة، فطريق الطب مشوارٌ طويل ولا بد أن تكون لدى الشخص رغبة كبيرة واقتناع تام كي يتميز وينجح" وفق قولها.
اقرأ/ي أيضًا:
صور | سهرات طربية بالعود والكمنجة في غزة
صور | رستو كافيه في غزة.. كيف دخلت رغم الحصار؟