"نتنياهو مدرسةٌ للحياة، ومدرسةٌ في الإعلام، ومدرسةٌ في السياسة، تعلمت منه أهمية إطلاق الرسائل عبر الإعلام، وأن الرسالة يجب أن تكون بسيطة وواضحة، ويجب إعادتها مرارًا وتكرارًا". بهذه الكلمات لخصت ذات مرة إيليت شاكيد، وزيرة القضاء الإسرائيلي سابقًا، أيامها الأولى في السياسة، عندما انضمت لحزب "الليكود" عام 2006 تحت قيادة نتنياهو، رئيس المعارضة الإسرائيلية الذي كان مكسور الجناح آنذاك، ويبحث عن مديرة مكتبٍ تكون له عونًا في الطريق نحو منصب رئيس الحكومة.
إيليت شاكيد، عراقية الأصل، تتلمذت على يد نتنياهو، واقتربت من الصهيونية الدينية خلال خدمتها العسكرية
أثناء خدمتها العسكرية الإلزامية في صفوف لواء "غولاني"، اقتربت شاكيد من فكر تيار الصهيونية الدينية القومية، رغم أنها من بيتٍ علماني، فأمها أشكنازية كانت من مصوتي حزب العمل، وأبوها من أصولٍ عراقيةٍ، ومن مواليد بغداد تحديدًا، عمل محاسبًا، ثم بعد تسرحها من جيش الاحتلال درست شاكيد الهندسة الكهربائية، وبالتوزاي مع ذلك عملت في شركات "هايتك"، من بينها شركةٌ أمريكيةٌ عملت فيها في مجال التسويق.
اقرأ/ي أيضًا: إيليت "غوبلز" شاكيد.. البروباغندا مستمرة!
انضمام شاكيد إلى فريق نتنياهو وترأس مكتبه كان بعد أن تقدمت لشغل تلك الوظيفة، نالت قدراتها ثقة نتنياهو بعد أن خضعت شأنها شأن غالبية المتقدمين للوظيفة إلى مقابلةٍ شخصيةٍ أجراها نتنياهو بنفسه. أداؤها الدعائي تحت إمرة ننتياهو عزز ثقته بها، فأوكل لها مهمة البحث عن شخصٍ مؤهلٍ للعمل في المجال الإعلامي، فأجرت مقابلاتٍ مع المرشحين واختارت لذلك الموقع نفتالي بينيت الذي دخل حديثًا إلى الحياة السياسية، وأصبح لاحقًا معها زعيمًا لحزب "البيت اليهودي" المشتدد قوميًا ودينيًا.
الثنائي إيليت شاكيد ونفتالي بينيت، تألقا تحت إمرة نتنياهو الذي فجر ملكاتهما في التحريض على الفلسطينيين وخصومه السياسيين بعد وصوله لسدة الحكم، لكن ذلك لم يرق لسارا زوجة نتياهو التي تعمل دائمًا لإبعاد النساء عن مكتب زوجها، كما قالت وسائل إعلام عبرية في أكثر من مناسبة.
غادر الاثنان المشهد السياسي، ولكن بعد أن أتقنا جزءًا من مهارات أستاذهما نتنياهو في مجال الإعلام والدعاية وحشد الإسرائيليين باستخدام غرائزهم. بعد فترة وجيزة، أسست شاكيد حركة "إسرائيل خاصتي"، وانضم إليها بينيت، وجاء ذلك بعد نجاحٍ منقطع النظير لحملةٍ دعائية عنصرية استهدفت منع أحد البنوك الإسرائيلية من بيع جزءٍ من استثماراتها في مجال العقار لشركةٍ يعود جزءٌ من ملكيتها لرجال أعمال فلسطينيين.
أسست شاكيد جيشًا إلكترونيًا عمِلَ على التحريض ضد شركاتٍ إسرائيليةٍ وضد الفلسطينيين
كل ما تعلمته شاكيد من نتنياهو -التي تواظب على وصفه بالمدرسة- طبقته بمهارةٍ في حركة "إسرائيل خاصتي"، فشكلت ما اعتبرته صحيفة عبرية "الجنود الرقميين لليمين"، التي مارست نشاطًا بالغ القسوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي -خصوصًا "فيسبوك"- شارك فيه أكثر من 40 ألف شخصٍ تصرفوا كجيشٍ إلكتروني، مارسوا التهديد بفرض مقاطعةٍ تجاريةٍ على شركاتٍ إسرائيليةٍ لم تنصع لهم، حتى بات الوزراء وأعضاء الكنيست يحسبون لشاكيد وجيشها الإلكتروني ألف حساب.
اقرأ/ي أيضًا: برغيمان يُحاول تنظيف "رافي القذر"
وضعت شاكيد وجيشها نصب عيونهم التحريض على الفلسطينيين، وقد بررت في حديث صحافيٍ نشر صورة مستوطنين قُتلوا خلال هجوم فلسطيني قائلة: "لقد نشرت صورهم على حسابي في فيسبوك، الصورة أكثر تأثيرًا من الكلمات، والفلسطينيون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، لقد آن الاون أن نرد عليهم بالنار".
شاكيد وبينت، انضما لحزب "البيت اليهودي" الذي حقق تحت قيادتهما إنجازًا بتحوله في انتخابات 2012، إلى الحزب الثالث من حيث الحجم في الكنيست، بعد أن حصد 12 مقعدًا.
صار بينت وزيرًا للمعارف، وخلال ولايته أدخل المزيد من المضامين الدينية لمناهج التعليم، وحقق إنجازاتٍ في التخصصات العلمية الأخرى خصوصًا الرياضيات واللغة الإنجليزية. أما شاكيد، فشغلت منصب وزيرة القضاء، وأدخلت تغييراتٍ جدية خصوصًا في المحكمة العليا وطريقة تعيين القضاة، وأنهت نسبيًا ما يوصف بهيمنة اليسار على القضاء في إسرائيل.
في ساحة الكنيست رفعت شاكيد لواء تشريع القوانين العنصرية التي تستهدف الفلسطينيين، خصوصًا قانون يهودية الدولة الذي بادرت إليه، وقانونًا آخر يفرض عقوبة السجن لعشر سنواتٍ على من يرشق قوات الاحتلال بالحجارة، وقوانين أخرى تستهدف الأسرى وتمنع تحريرهم. كما صاغت قانونًا يتيح للمستوطنين الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بملكيةٍ خاصة، إضافة إلى تأييدها لمقترح القانون الذي يهدف لبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
شاكيد تطبق قاعدة أن التحريض على الفلسطينيين هي البوابة إلى عقول وقلوب الناخبين في إسرائيل، ولذلك دعت إلى قتل الأمهات الفلسطينيات، ووصفت الأطفال الفلسطينيين بأنهم "ثعابين صغيرة"، ودعت لتدمير منازلهم.
بعد إعلان نتنياهو حل حكومته والتوجه لانتخاباتٍ مبكرة، انشقت شاكيد وبينت عن حزب "البيت اليهودي"، وشكلا حزب اليمين الجديد، فكان الفشل من نصيبهما ولم يصلا إلى الكنيست، لكن الحظ منحهما فرصة إضافية عندما اضطر حاخامات الصهيونية إلى قبول عودة شاكيد -صاحبة الكاريزما- لترأس قائمتهم الانتخابية، رغم أن زعيم ائتلاف أحزاب اليمين رافي بيرتس، الحاخام السابق لجيش الاحتلال، معروفٌ برفضه لتبوأ النساء المناصب القيادية، لتكون بذلك الأربعينية شاكيد -ذات الميول العلمانية- أول زعيمةٍ للأحزاب المتشددة دينيًا وقوميًا في إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: