21-أكتوبر-2024
تجسس إيران على إسرائيل

تجسس إيران على إسرائيل

منذ السابع من أكتوبر، لم تعد الحصانة التقليدية التي تنفي عن الإسرائيلي تهمة التجسس لصالح حماس أو حزب الله أو إيران قائمة. بل بلغ الأمر أن يُردِّد أعضاء كنيست وضباط سابقون تهم التجسس ليس فقط لأشخاص عاديين، بل لمسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي والمخابرات.

استهداف المخابرات الإيرانية للشبان الحريديم بالتجنيد كان اختيارًا موفقًا، حيث أظهرت إيران معرفة بطبيعة عقائدهم المعادية لإسرائيل والصهيونية

قبل أيام، أشار العقيد احتياط يعقوب سفغ، المختص في الشؤون العربية، إلى مستوى المعلومات التي كانت بحوزة حماس عشية عملية السابع من أكتوبر، مؤكدًا أن هذه المعلومات لم تكن عادية، بل كانت تتجاوز بكثير ما يمكن الحصول عليه من مصادر عادية داخل إسرائيل.

وقال يعقوب سفغ: "لقد كان لدى أفراد حماس عشية السابع من أكتوبر معلومات لا يمكن الحصول عليها من عمال عملوا هنا في إسرائيل. لقد كان عناصر حماس يعلمون إلى أين هم ذاهبون، والمعلومات التي كانت لديهم تتجاوز حتى ما لديَّ كضابط سابق في الجيش، وليس لي فقط، بل للكثير من الضباط".

وأضاف، أن هذه المعلومات الحساسة كان مصدرها أشخاصٌ على دراية بالأسرار العسكرية الإسرائيلية.

وأوضح يعقوب سفغ، أن حماس كانت تمتلك معلومات تتعلق بمواضيع لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال أشخاص يشاركونهم هذه الأسرار، مبينًا أن "شريك السر قد يكون بدرجة عميد، أو حتى جندي، لكنه قادر على الوصول إليها."

حتى الآن، لم يعلن جهاز "الشاباك"، الذي يتولى مسؤولية "مكافحة التجسس والتآمر" داخل "إسرائيل"، عن اعتقال أي شبكة مكونة من يهود إسرائيليين يعملون لصالح حماس. لكن في نهاية عام 2020، أعلن الشاباك أنه اعتقل شبانًا فلسطينيين من داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الإسرائيلية، بينهم مهندس في شركة سيلكوم للاتصالات، زاعمًا أنهم يجمعون معلومات حيوية عن بنية الشركة تمهيدًا لاختراق حواسيبها.

وأعلن "الشاباك"، يوم الإثنين 21 تشرين أول/أكتوبر، أنه اكتشف شبكة تجسس مكونة من 7 أشخاص يهود يعملون لصالح إيران وليس حماس.

وعند البحث في شبكات التجسس، والجواسيس المنفردين اليهود، الذين عملوا لصالح إيران في إسرائيل وتم الكشف عنهم مؤخرًا، سيكون بالإمكان تلخيص دوافهم في النقاط التالية:

1. الدافع الأيديولوجي: شاب حريدي متشددٌ دينيًا، ينتمي إلى طائفة متطرفة ترى في إسرائيل تمردًا على الرب، تواصل معه مُجند الجواسيس الإيراني باللغة الإنجليزية عبر تطبيق تلغرام، وكما يحدث في عالم تجنيد الجواسيس، بدأت المهام صغيرة ثم تدرجت إلى المهام الخطيرة ببطء.

في البداية، طُلب من الشاب الحريدي إثارة النعرات الداخلية ضد أهالي الجنود الأسرى، لكن الأيديولوجيا وحدها لا تكفي لاستمرار العمل لصالح إيران، لذا تم تزويده بالمال وطلبوا منه وضع أموال في نقاط ميتة (أماكن بعيدة لا تلفت الانتباه) ليأتي جواسيس آخرون ويحصلوا على مكافآتهم المالية. هذه الطريقة استخدمتها إسرائيل مع جواسيسها في لبنان وقطاع غزة سابقًا.

استهداف المخابرات الإيرانية للشبان الحريديم بالتجنيد كان اختيارًا موفقًا، حيث أظهرت إيران معرفة بطبيعة عقائدهم المعادية لإسرائيل والصهيونية. كما فهمت حقيقة أن الشبان الحريديم لا يتعرضون للإعلام الإسرائيلي ولا لمؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تعج بالتحذيرات من التعامل مع الجهات الإيرانية.

واستغلَّت إيران، في تجنيدها للشبان الحريديين، حسُّهم الأمني المنخفض مقارنة ببقية الإسرائيليين، فهم لا يؤدون الخدمة العسكرية الإجبارية التي يتخللها الخضوع للحد الأدنى من التأهيل الأمني.

 أيضًا، ينتمي الشبان الحريديون إلى طبقة فقيرة تبحث عن المال والملذات سرًا، بعيدًا عن سطوة الحاخامات الذين يحظرون عليهم اقتناء الهواتف الذكية، إلا أن قسمًا كبيرًا منهم يمتلكها سرًا، ما يفتح لهم باب الوصول إلى الواقع الافتراضي حيث يكون ضباط إيرانيون خبراء في التجنيد في انتظارهم.

2. الدافع المالي: آخر شبكتين اعتقلهما جهاز "الشاباك" كان عناصرهما على علم مسبق بأنهم يعملون لصالح إيران. الشبكة الأولى تكونت من جندي يهودي من أصل روسي وصديقته، جمعا معلومات عن عالم إسرائيلي في مجال الذرة وطُلب منهما اغتياله مقابل المال، وقد وافقا على ذلك، وقطعا شوطاً طويلاً قبل التنفيذ، أبرز خطواته كان شراء سلاح لتنفيذ الاغتيال، لكن تم اعتقالهما قبل تنفيذ المهمة.

تدرك المخابرات الإيرانية أن الكثير من الإسرائيليين المهاجرين من روسيا يعانون من عنصرية المجتمع الإسرائيلي، ما يوفر بيئة مثالية لضابط التجنيد الإيراني الذي يستغل الفقر والغبن والبحث عن حياة رغدة.

أما بخصوص طرق تجنيد الجواسيس داخل إسرائيل، فيمكن تلخيصها في التالي:

1. التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي: كما حدث في تجنيد الشاب الحريدي، حيث لم يتم اكتشافه عبر طريقة التواصل، بل بسبب تكليفه بمهام خارج بيئته الطبيعية التي يجيد التصرف فيها دون إثارة الشبهات. فقد قام بتشويه ملصقات تطالب بإطلاق سراح الجنود الأسرى، وهو ما أدى إلى اعتقاله.

كما تم تجنيد يهوديات من بيت شيمش بالطريقة نفسها، حيث استغل ضابط التجنيد الإيراني كونهن من أصول إيرانية.

2. التجنيد عبر السفارات الإيرانية في الخارج: كما فعل إسرائيلي حريدي قبل نحو عقد من الزمان، حيث تواصل مع السفارة الإيرانية في الخارج وتم اعتقاله لاحقًا بعد عودته إلى إسرائيل.

إيران تقوم بتجنيد جواسيسها  عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر سفاراتها ووسطاء في الخارج، وبشكل مباشر من قبل ضابط تجنيد إيراني

3. التجنيد عبر وسطاء في الخارج: يتم عبر وسطاء يقدمون أنفسهم على أنهم رجال أعمال، كما حدث مع شخصية إجرامية معروفة في منطقة عسقلان، إذ تم تجنيده في تركيا بعد أن عرض عليه وسيط تركيٌ العمل لصالح إيران مقابل المال.

سافر الجاسوس إلى إيران سرًا ووافق على تنفيذ عملية اغتيال مقابل المال. هذا العميل كان مثاليًا لتنفيذ عمليات القتل، فهو تاجر مخدرات سابق، متزوج من امرأة تصغره بكثير، ويحتاج إلى المال للحفاظ عليها كزوجة، كما أنه سجين سابق يعرف كيف يتجنب الوقوع في الفخ، لكن تم اكتشافه واعتقاله.

4. التجنيد المباشر من قبل ضابط تجنيد إيراني: حدث هذا مع شبكة التجسس الأخيرة التي وصفها الخبراء الإسرائيليون بأنها من أخطر الشبكات التي جندتها إيران. قائد هذه الشبكة تم تجنيده في الخارج، في بلده الأصلي أذربيجان. وتبين أن هذه الشبكة نقلت معلومات حساسة وصورت منشآت عسكرية وأمنية كانت أهدافًا في الحرب الحالية.

وبحسب ما تم نشره، فقد نفذت الشبكة 700 مهمة تجسس خلال عامين، شملت تصوير قواعد عسكرية مثل قواعد القوات الجوية في نبطيم ورمات ديفيد، بالإضافة إلى مواقع حساسة أخرى تشمل وزارة الجيش ومحطات الطاقة وبطاريات القبة الحديدية. كما قدموا خرائط لمواقع استراتيجية، مثل معسكر لواء جولاني.