08-أكتوبر-2024
مجزرة المواصي

(Getty) من مكان مجزرة المواصي

3628 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزّة على مدار عام، وتحوّل القتل الجماعيّ لأهالي القطاع، إلى سياسة إسرائيليّة معلنة. في "شهادة على مجزرة"، نحاول عبر سلسلة موادّ، تناول أبرز المجازر الإسرائيليّة في قطاع غزّة، من خلال شهادات من عاش ساعات ودقائق هذه المجزرة، في سرد شخصيّ يعكس جزءًا ممّا حدث.


كان يوم الثالث عشر من تموز/يوليو 2024، "أول أيام الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة" بالنسبة للنازحة عزيزة أبو طير (46 عامًا) كما تصفه، رغم أنه حل مع مرور 9 أشهر فعليًا على اندلاعها، حيث نجت وأطفالها من موت محقق في مجزرة المواصي، لكنها فقدت في ذلك اليوم زوجها.

وارتكبت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في صباح ذلك اليوم، مجزرة مروعة راح ضحيتها 90 شهيدًا نصفهم من الأطفال والنساء و300 إصابة، وفقًا لإعلان وزارة الصحة، بعد قصفها بعدد من الصواريخ الثقيلة تجمعًا كبيرًا لخيام النازحين في منطقة المواصي غرب خانيونس، وهي المنطقة التي صنفها الاحتلال بأنها "آمنة"، وطلب من العائلات النازحة التوجه إليها.

تقول شاهدة على مجزرة المواصي: صعقت من هول ما شاهدته، كان الشهداء من الرجال والنساء والأطفال عبارة عن أشلاء متناثرة وبقع الدم في كل مكان

وعن ذلك اليوم، تقول أبو طير لـ "الترا فلسطين"، كنت "أتناول كأسًا من الشاي برفقة طفلي داخل خيمتي بانتظار أن يصبح العجين جاهزًا للخبز، وكان زوجي يجلس أمام خيمة جيراننا الملاصقة لنا، وفجأة سمعنا دوى صوت انفجار رهيب، واهتزت الأرض من تحتنا، ولم نعد نشاهد أي شيء بفعل سحابة الغبار السوداء التي عمت المكان".

وتضيف أبو طير، في تلك اللحظة انتشلت طفلي من الخيمة وركضت خارجها، باتجاه الشارع العام، دون أن أتمكن من وضع غطاء الرأس، وأثناء ركضي توالى سقوط الصواريخ حتى أن الأرض تشققت أمامي، وشعرت بالرعب حينما أيقنت أنها ستبتلعني مع أطفالي. 

وتابعت، وصلت إلى الشارع العام على بعد 20 مترًا فقط، وهناك صعقت من هول ما شاهدته، كان الشهداء من الرجال والنساء والأطفال عبارة عن أشلاء متناثرة وبقع الدم في كل مكان، وفي تلك اللحظة فقدت ابنتي التي كانت تجلس بجواري، وزوجي فأخذت في الصراخ والبكاء، قبل أن التقي بزوجي بعد دقائق، ومباشرة سألني "وين حبوش؟"، تتوقف شارحة "يقصد طفلي محمد"، فأخبرته: "بخير".

وتواصل أبو طير سرد اللحظات الأولى للمجزرة، قائلةً: "بعد ذلك سمعت أنا وزوجي بكاء طفلة جيراننا من عائلة الأغا، وهي تستغيث وتبحث عن والدتها وشقيقها، فأمنت أطفالي في كراج ميكانيكي وعدت أنا وزوجي إلى مكان القصف، وما أن وصلنا خيمة أم سامر الأغا، حتى وجدنا يديها قد قطعتا داخل لجن العجين وغارقة في دمائها، فيما صعقنا عندما وجد زوجي نجلها سامر قد انشطر جسده لنصفين خلال وجوده داخل الحمام المجاور للخيمة".

بدأت أنفاسي تتقطع وأشعر بالاختناق، وأنا أحاول إسعاف جارتي أم سامر التي كانت لا تزال تتنفس، تقول أبو طير، فيما انطلق زوجي باتجاه الشارع لجلب حمالة لنقلها إلى المستشفى، وبعد قرابة دقيقتين شنت طائرات الاستطلاع غارة على الشارع العام، عرفت فيما بعد أنها استهدفت طواقم الإسعاف والدفاع المدني، وقد استشهد زوجي لحظتها في ذلك القصف.

وتتابع أبو طير، بعد تأخر زوجي عدت مسرعة باتجاه الشارع أبحث عنه، فوجدت ابن شقيقتي، و"سألته وين زوجي؟"، فأخبرني بأنه أصيب في القصف، وجرى نقله إلى مستشفى ناصر، فتوجهت هرولة إلى المستشفى الذي يبعد عدة كيلومترات، وهناك كان أصعب موقف تعرضت له في حياتي، عندما فتحت سحاب الكفن الأبيض الجلدي، ووجدت بسام غارقًا في دمائه، معقبة بالقول: "يا ريتني كنت جنبه لمّا ضربوا الدفاع المدني".

وتقطن أبو طير في شرق خانيونس، قبل أن يجبرها القصف الإسرائيلي على النزوح إلى منطقة المعسكر، ثم تجبر ثانية على النزوح إلى منطقة مواصي غرب خانيونس، بزعم أنها منطقة آمنة.

وبعد مرور ثلاثة أشهر على المجزرة، ما زالت مشاهدها وتفاصيلها المرعبة حاضرة في ذهن النازحة من شرق خانيونس، خاصة حادثة فُقدان جثمان الطفل محمود ياسين، وقد أصبح الجميع يتحدث بأن الرمال ابتلعته، إذ تقول أبو طير "حولت القنابل رمال المواصي من اللون الذهبي الأصفر إلى اللون الأسود، وأحدثت حفرة كبيرة جدًا في الأرض ابتلعت عددًا من الشهداء".

كما تستذكر أبو طير بألم وحسرة مشهد انتشال الأطفال الثلاثة أنس وكريم وهارون الريفي النازحين من غزة، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و9 أعوام، من تحت الرمال والدماء تغطي وجوههم.

وعلى الرغم من المشاهد واللحظات الصادمة التي عاشتها أبو طير في منطقة المجزرة، إلا أنها عادت مضطرة لتشييد خيمة جديدة في موقع المجزرة ذاته، لعدم وجود متسع لنصب خيمة جديدة.

وتختم أبو طير، كنت أشعر بالأمان في ظل وجود زوجي، لكن الآن أصبحت أشعر بالخوف الشديد مع سماع هدير الطائرات، ولا أجرؤ على الخروج من خيمتي لدخول الحمام برفقة أطفالي في ساعات الليل المتأخرة.

وفي بيان له، حينها، قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن جيش الاحتلال ارتكب مجزرة كبيرة بقصف مخيمات النازحين في منطقة النُّص بخانيونس خلفت أكثر من 100 شهيد وجريح، بينهم أفراد وضباط من الدفاع المدني.

وبين أن المجزرة تأتي بالتزامن مع عدم وجود مستشفيات تستطيع استقبال هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى، وبالتزامن مع تدمير الاحتلال للمنظومة الصحية في قطاع غزة.

كما أعلن الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، إن القصف الذي استهدف خيام النازحين خلف حفرًا بعمق تسعة أمتار. وقال بصل إن "هناك عائلات كاملة اختفت في مجزرة المواصي بين الرمال، وأن الطواقم تجري عمليات بحث عنهم"، في وقتها.