06-أكتوبر-2024
مجزرة المعمداني

(Getty) من مجزرة المستشفى المعمداني

3628 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزّة على مدار عام، وتحوّل القتل الجماعيّ لأهالي القطاع، إلى سياسة إسرائيليّة معلنة. في "شهادة على مجزرة"، نحاول عبر سلسلة موادّ، تناول أبرز المجازر الإسرائيليّة في قطاع غزّة، من خلال شهادات من عاش ساعات ودقائق هذه المجزرة، في سرد شخصيّ يعكس جزءًا ممّا حدث.


"انتشلتُ جثامين قرابة 50 شهيدًا، ولكن عندما وصلت إلى جثامين أربعة أطفال كانوا ملتفين مع عائلتهم حول مائدة الطعام، وشاهدت أشلاءهم ودماءهم التي اختلطت بقطع الخبز، ولم أجرؤ على انتشالهم"، كان هذا أحد أصعب المواقف التي عاشها الخمسيني محمد النديم لحظة ارتكاب الاحتلال لمجزرة مستشفى المعمداني، في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. 

ويقول النديم لـ "الترا فلسطين"، بعد مرور قرابة عام على مجزرة "المعمداني"، التي راح ضحيتها أكثر من 300 شهيد وسط مدينة غزة، إن ممرات المستشفى وساحته كانت مليئة عن بكرة أبيها بالنازحين خاصة من أحياء الزيتون والشجاعية، الذين احتموا فيه بعد تهديد قوات الاحتلال للسكان بالإخلاء وترك منازلهم.

شهادة على مجزرة المعمداني: "في تلك اللحظة صُعقتُ من هول المشهد، جميع منّ في السّاحة غارقون في دمائهم، بعضهم بُترت أطرافهم وشاهدت شهداءً بدون رؤوس"

وأشار النديم إلى أن الليلة التي وقعت فيها المجزرة، كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تحوم في الأجواء بصورة مكثّفة ومنخفضة جدًا، ويستذكر قوله لحظتها لقريبه المصاب الذي يرافقه في المستشفى: "محمد هذه الطائرات تبحث عن هدف وقد تقصف في أيّ لحظة"، لكن لم أكن أتوقع بالمطلق أن يكون المستشفى هو المستهدف.

ويضيف النديم، أنه أحضر بعض الطعام وصعد للدور الثاني حيث يرقد شقيق زوجته على سرير المرض، وما أن تناولوا "أول لقمة حتى سمعوا صوت انفجار لم يكنّ قويًا جدًا"، لكن صاحبه حالة "شفط رهيبة للهواء خارج الغرفة"، وسقط معها سقف الغرفة المصنوع من الفلّين والمثبت بإحكام. 

ويتابع: "أدركت أن الانفجار قريب جدًا، فتوجهت سريعًا باتجاه السلّم للنزول لساحة المستشفى، فإذا بالممرضين ينتشلون الجرحى ويصعدون بهم للطابق الأول من المستشفى، وهم يناشدون المواطنين لمساعدتهم في انتشال المصابين والشهداء".

وأردف أنه وصل الطابق الأول قبل خروجه للساحة، فإذا بشابٍ مصاب بجروحٍ غائرة في وجهه، والدماء قد انفجرت من أنفه وأذنيه، يرمي بنفسه في ذراعيه ويحتضنه، وهو يصرخ: "من شان الله يا عمي أسعفني"، سريعًا طلب النديم منه النوم على الأرض، وتناول قطعًا من القماش الأبيض، وبدأ بتضميد جراحه، ثم سلّمه لأحد الطواقم الطبيّة.

ومن ثم توجه إلى ساحة المستشفى، "في تلك اللحظة صُعقتُ من هول المشهد، جميع منّ في السّاحة غارقون في دمائهم، بعضهم بُترت أطرافهم وشاهدت شهداءً بدون رؤوس، كانت الأرض غارقة بالدماء، وبينما أنا واقع تحت تأثير الصدمة، فإذا بجريح يتشبث بأقدامي طالبًا النجدة، فحملته برفقة شاب آخر وتوجهنا به إلى قسم الاستقبال".

ويضيف النديم، "استمريت أنا وشاب من عائلة عاشور في إجلاء الجرحى والشهداء في السيارات العامة، وسيارات الإسعاف، من لحظة وقوع المجزرة بعد الساعة السابعة مساءً حتى قبيل منتصف الليل بقليل، وقد أجليت أنا وهذا الشاب نحو خمسين شهيدًا، بينهم قرابة ثلاثين شهيدًا من جيراني من عائلة طوطح".

وعن أصعب موقف مرّ به النديم أثناء عمليّة إجلاء الشهداء والجرحى، مشاهدته لجثامين أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسابعة، كانوا جالسين مع عائلتهم حول مائدة الطعام، لحظة وقوع الانفجار، وقد تحولت أجسادهم إلى أشلاء، فيما اختلط دمهم بقطع الخبز، "توقف الدم في عروقي، ولم أجرؤ على انتشالهم بسبب فظاعة المشهد، وابتعدت عن المكان بعد أن طلبت من الطواقم الطبيّة انتشالهم". 

على الرغم من مرور قرابة عام على المجزرة، إلا أن النديم لا يزال يستحضر تفاصيلها ومشاهدها المفزعة مع سماعه لدويّ انفجار القذائف والصواريخ التي تُلقيها طائرات الاحتلال على مدينة غزة

ويروي النديم مشهدًا آخر لشابٍ كان يبحث بين جثامين الشهداء، وما أن مررت بجانبه أخذ يستنجد بي ويصرخ: "من شان الله يا عمي بدي أمي، دوّر معي على أمي، كانت معي قبل شوية"، ويضيف: "بدأت بالبحث عنها معه، لكن للأسف لم نجدها، وبعد عدة أيام صادفته وسألته عن والدته، فأخبرنا بأنها كانت مصابة وتم نقلها لمستشفى الشفاء بحالة خطيرة، وهناك أُعلن استشهادها".

ويتابع النديم، أنه بعد انتهاء عملية انتشال الشهداء والمصابين صعد مجددًا إلى الطابق الثاني لمرافقة قريبه المصاب، مؤكدًا: "ما عرفنا ننام من هول المشاهد، وكانت أعصابنا تعبانة، وجميع المصابين بمن فيهم الطاقم الطبي كانوا مصدومين من هول المجزرة".

وعلى الرغم من مرور قرابة عام على المجزرة، إلا أن النديم لا يزال يستحضر تفاصيلها ومشاهدها المفزعة مع سماعه لدويّ انفجار القذائف والصواريخ التي تُلقيها طائرات الاحتلال على مدينة غزة، قائلًا: "كل ما أسمع صوت إطلاق قذيفة أتذكر المجزرة لا إراديًا، ولا زلت على تواصل مع محمد النازح للجنوب وفي كل اتصال لا بدّ وأن نتحدث عن تفاصيل تلك الليلة الصعبة".

وعن زعم الاحتلال بأنّ المجزرة سببها سقوط صاروخ أطلقته الفصائل الفلسطينية، نفى النديم بشدة رواية الاحتلال، مؤكدًا بأنّه لم يُطلق في تلك اللحظة أيّة صواريخ، في حين أنّ طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت تحلّق بصورة مكثفة جدًا في أجواء المستشفى. 

من جانبها، أوضحت وزارة الصحة الفلسطينية بعد وقوع المجزرة أن قوات الاحتلال الإسرائيلي هددت مستشفى المعمداني عدة مرات كباقي المستشفيات، كما أنّها استهدفت المستشفى قبل يومين كرسالة أوليّة، قبل أن ينفذ الاحتلال تهديده بارتكاب مجزرة داخل المستشفى أسفرت عن مئات الضحايا.


وقال المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة إنّ مجزرة مستشفى المعمداني لا مثيل لها ولا يمكن وصفها، مبينًا أن مئات الضحايا وصلوا إلى المستشفى، ومعظمهم من الأطفال والنساء، قد غابت ملامحهم، وبعضهم وصل كأشلاء ممزقة وأحشائهم خارج أجسادهم وبعضهم بلا رؤوس.

وأشار القدرة إلى أن سيل الضحايا ونوعية الإصابات فاق قدرات الطواقم الطبيّة وسيارات الإسعاف، وأن الاطباء كانوا يجرون عمليات جراحية على الأرض وفي الممرات وجزء منهم بلا تخدير.

وبعد وقوع المجزرة عمّت مظاهرات غاضبة في عدة ميادين وساحات عربية وعالمية طوال الساعات التي تلت المجزرة، فيما طلبت إسرائيل من رعاياها مغادرة تركيا على الفور بعد الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في محيطِ السفارة الإسرائيليّة، وفي الأردن حاول متظاهرون غاضبون اقتحام سفارة الاحتلال في العاصمة عمان، قبل أن تمنعهم الشرطة الأردنية.