11-أكتوبر-2024
مجزرة مخيم النصيرات

(Getty) من مكان النصيرات في شهر حزيران/يونيو الماضي

3628 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزّة على مدار عام، وتحوّل القتل الجماعيّ لأهالي القطاع، إلى سياسة إسرائيليّة معلنة. في "شهادة على مجزرة"، نحاول عبر سلسلة موادّ، تناول أبرز المجازر الإسرائيليّة في قطاع غزّة، من خلال شهادات من عاش ساعات ودقائق هذه المجزرة، في سرد شخصيّ يعكس جزءًا ممّا حدث.


لا يزال ركام منزل عائلة الجمل المدمر في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يستدعي لحظات صادمة وصعبة عاشها المسن خليل الطهراوي (60 عامًا) قبل أربعة أشهر، حيث نجا وعائلته من الموت المحقق، إثر ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة مروعة في المخيم راح ضحيتها 274 شهيدًا و700 جريح، في أثناء عملية استعادة 4 محتجزين من قطاع غزة.

ويقع منزل عائلة الجمل، مكان العملية الإسرائيلية، على بعد ثمانية أمتار في الجهة المقابلة لمنزل عائلة الطهراوي، وقد طال القصف أجزاءً منه في أثناء العملية، إلا أن العائلة نجت من الموت.

شاهد على مجزرة النصيرات: كان الرصاص يتطاير في كل مكان، ويرتطم بالحائط فوق رؤوسنا، وكان صوت تحليق الطائرات يجعلك تتخيلها كأنها تمشي على الأرض، وهي تطلق قذائفها، وبقينا على هذه الحالة من الرعب والفزع قرابة 35 دقيقة

ويروي الطهراوي لـ "الترا فلسطين" تفاصيل المجزرة الإسرائيلية، في 8 حزيران/يونيو الماضي، حيث كان في لحظة بدايتها يستعد لتناول طعام الإفطار في الطابق الثاني من محله التجاري الواقع أسفل منزله، حيث لاحظ مرور شاحنة مغلقة تحمل أمتعة، أعتقد أنها لعائلة نازحة، قبل توقف الشاحنة أمام منزل عائلة الجمل.

ويضيف الطهراوي أخذت أتابع الشاحنة من النافذة الصغيرة للسدة، وما هي إلا لحظات، حتى خرج سلم معدني طويل من فتحة في سقف الشاحنة، حتى وصل إلى شرفة منزل عائلة الجمل، وبدأ عدد من الأشخاص المسلحين بتسلقه، لم أعرف للوهلة الأولى ما يحصل. 

ويتابع الطهراوي، لم يستغرق تفكيري للحظات قليلة، حتى قطعه حضور سيارة مدنية بسرعة فائقة للمكان، ترجل منها قرابة أربعة أشخاص مسلحين أحدهم يرتدي زي سيدة منقبة طرقت على باب منزل عائلة الجمل، فيما شرع الأشخاص الآخرون بإطلاق النار باتجاه أي شخص وُجد في الشارع، لحظتها أدركت أن هذه قوة إسرائيلية، فانبطحت على الأرض مباشرة.

ويردف الطهراوي، أطلق الجنود ثلاث رصاصات على شاب كان يهم بدخول محلي، وكانت هذه أول ثلاث رصاصات تطلق في العملية، فقام ابني بسحبه إلى داخل المحل وأخذ يصرخ: "يابا يابا الشاب استشهد"، فرددت عليه بالقول: "الله يرحمه، خليك نايم على الأرض، وأوعك تطلع من الباب، قوة إسرائيلية خاصة، إذا طلعت بتموت".

ويواصل الطهراوي شهادته، استمر إطلاق النار والقذائف قرابة 35 دقيقة، كنت فيها أنا وأحد الجيران على الأرض نردد الشهادة، فيما كنت أسمع صوت ترديد الشاب المصاب برفقة ابني في الأسفل للشهادة، ويسود صوت الرصاص والانفجارات.

ويضيف المسن الطهراوي، كان الرصاص يتطاير في كل مكان، ويرتطم بالحائط فوق رؤوسنا، وكان صوت تحليق الطائرات يجعلك تتخيلها كأنها تمشي على الأرض، وهي تطلق قذائفها، وبقينا على هذه الحالة من الرعب والفزع قرابة 35 دقيقة، حتى سمعت صوت الجيران وهم يصرخون: "انسحبوا.. انسحبوا".

ويتابع الطهراوي، أول شيء قمت به بعد ذلك هو استدعاء نجلي الطبيب من منزله بالأعلى لإسعاف الشاب المصاب داخل المحل، وقدم له الإسعافات الأولية قبل أن يُنقل للمستشفى في حالة حرجة جدًا، بعد فقدانه لكمية كبيرة من الدم.

لم تتوقف العملية الإسرائيلية، يتابع الطهراوي، إذ جرى قصف منزل عائلة الجمل بعد انسحاب القوة بعدة دقائق، وفي هذه اللحظة خرجت أنا وعائلتي من المنزل هربًا باتجاه الجنوب، وبعد خمسين مترًا فقط، أغارت الطائرات الحربية بثلاثة صواريخ على منزل عائلة الجمل، ودمرته بالكامل.

ويختم الطهراوي، كان ذلك اليوم يشبه أهوال يوم القيامة، وما زلت أذكر لحظات انتشال جثمان جاري الطبيب أحمد الجمل من تحت الأنقاض أشلاءً مقطعة، وجثمان نجله عبد الله، لقد كانت الأرض في ذلك اليوم مصبوغة بالدماء والشهداء والجرحى على الطرقات، فيما فر أصحاب البسطات من سوق النصيرات تاركين بضائعهم في الشارع.

الشاب إياد خضر (32 عامًا) كان شاهدًا هو الآخر على المجزرة الإسرائيلية، ويقول خضر لـ "الترا فلسطين"، كنت أقف كالمعتاد على بسطتي التي أبيع عليها المنظفات وسط سوق النصيرات، قبل أن أسمع صوت دوي إطلاق نار كثيف تبعه دوي انفجار قوي في الشارع المجاور.

يضيف خضر، توجهت مسرعًا إلى الشارع الذي وقع فيه الانفجار، فصدمت عندما شاهدت طائرة مسيرة من طراز "كواد كابتر" تحلق مقابلي تمامًا على ارتفاع منخفض، كان مظهرها مرعبًا، وهي تطلق النار، وأصبت لحظتها بالذعر إلى درجة أني كنت أصرخ "وين أروح.. وين أروح".

ويتابع خضر، كان أمامي مسن يرتدي جلابية بيضاء، فأطلقت الطائرة النار على رأسه مباشرة، كما أنها قتلت شابين آخرين كانا على مقربة مني، قبل أن أهرب من الشارع و"أنا لا أدري ماذا يحدث، وإلى أين أهرب".

ويواصل خضر شهادته، بدأت الطائرات بالقصف في الشوارع والمنازل المحيطة بالمنزل المستهدف، وكانت الطائرات المروحية تطلق النار بكثافة، فيما كانت الطائرات المُسيّرة هي الأخرى تطلق الصواريخ، وطائرات "الكواد كابتر" تلاحق المواطنين في الشوارع، وتطلق عليهم النار.

ويردف خضر، وأنا هارب من المنطقة، شاهدت طفلًا صغيرًا مصابًا ببتر في يده اليمنى، وكان يصرخ من شدة الألم، وقد نجح أحد الشبان بإسعافه رغم الخطر الشديد، أما عن أصعب موقف مررت به فهو صرخات أحد الشبان الذي كان مصابًا وسط الشارع و"لم يكن أنا أو أي أحد يجرؤ على التقدم لإنقاذه بسبب كثافة إطلاق النار".

ويستذكر الشاب الثلاثيني بألم مشهد تناثر جثامين عشرات الشهداء والجرحى على جانبي شارع السوق الذي يبعد ثلاثين مترًا عن المنزل المستهدف، والذي كان يعجّ بآلاف النازحين قبل العملية بلحظات.

ويختم خضر، من شدة الصدمة تركت بضاعتي وأغراضي، وصرخت على صديقي بالهروب، واستمريت في الركض دون توقف لمسافة طويلة جدًا عن موقع الحدث. 

أدت المجزرة الإسرائيلية في مخيم النصيرات، إلى سقوط 274 شهيدًا، بينهم 64 طفلًا و57 امرأة، وإلى 700 إصابة، غالبيتها إصابات حرجة.