12-يوليو-2018

للتو، وحين وصلنا كانت كريمة بشارات قد حطت رحالها عائدة من رحلة رعي قصيرة لأغنامها، تستغرق بضع ساعات في الصباح، ومثلها في المساء يوميًا، لتقوم بعملٍ أصبح عاديًا بالنسبة لها رغم مشقته، فمنه تكسب قوتها وتحافظ على مصدر دخلها الوحيد.

في قرية فروش بيت دجن شرق نابلس بالضفة الغربية، حيث تعيش كريمة، يحاصر الاحتلال الإسرائيلي بمستوطناته وحواجزه العسكرية ومعسكراته المواطنين، ويقمعهم باعتداءات تتنوع بين الهدم والتهجير والإخطار بإخلاء المنازل القائمة ومنع بناء الجديد منها.

كريمة بشارات تسكن في خيمة من نايلون على بعد أمتار من معسكر "ترتسيا" الإسرائيلي شرق نابلس، تواجه منفردة التهجير القسري

وحدها تربض كريمة عند سفح الجبل على بعد أمتار معدودة من معسكر "ترتسيا" التابع لجيش الاحتلال، تترقب أغنامها داخل المرعى وتقفز بقوة كما لو أنها فتاة عشرينية لثنيها عن الإقتراب من السياج الشائك الذي يُحيط بالمعسكر.

[[{"fid":"72602","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

معسكر جيش الاحتلال أُقيم بجوار خيمة كريمة - تصوير عاطف دغلس

شاهد/ي أيضًا: فيديو | فلسطينيون يستولون على أراضيهم!

تُشيح بعصاها صوب القطيع تارة، وبحجر تلقمه للبعيد منه تارة أخرى "فالرعي هنا يتطلب حرصًا شديدًا وإلا صرت والأغنام عرضة لاعتداء الجنود أو الحجز والتغريم" تقول كريمة وهي تروي لـ الترا فلسطين معاناتها.

[[{"fid":"72605","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

احتجزت قوات الاحتلال أغنام كريمة سابقًا وتهددها دائمًا بغرامات مالية

[[{"fid":"72606","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

تركض كريمة من مكان لآخر لمنع أغنامها من الاقتراب من معسكر الاحتلال

تمتد حكايتها تلك نحو خمسة عقود عاشتها كريمة ولا تزال، توفي والدها وظلت وحدها تصارع للبقاء فوق أرضها غير آبهة بتنغيصات الاحتلال لتهجير السكان قسرًا؛ سواء بهدم منازلهم ومنع بناء أخرى، وتدمير مزارعهم، ومصادرة أراضيهم ومنابع مياههم.

"من تلك المنطقة حتى الناحية الثانية من الجبل يحظر علينا الاقتراب" تخبرنا كريمة، بينما تشير من داخل خيمتها المبنية من بقايا النايلون وأكياس الخيش صوب المناطق التي يمنع الاقتراب منها، حددت تلك النقاط ببعض من حشائش جبلية بارزة تعرفها بـ"الربيظة".

على عينها شُيِّد المعسكر الإسرائيلي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهو الآن يُسيطر على آلاف الدونمات ويقيم عليها مستوطناته الزراعية، ويسعى لسلب المكان الذي تقطنه بالتضييق عليها شيئًا فشيئًا.

[[{"fid":"72607","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

كان ذلك واضحًا عندما احتجزها الجنود ذات مرة وحدها، وثانية احتجزوا أغنامها لاقترابها من شيك المعسكر، واقتيدت للحاجز العسكري القريب (حاجز الحمرا) لتمكث فيه عدة ساعات قبل أن يطلق سراحها بعد التهديد بإعادة اعتقالها وتغريمها ماليًا.

تُمنع كريمة أيضًا من قطف أي من النباتات البرية في المكان كالزعتر البلدي والعكوب، فذلك يعد مخالفة تستوجب العقاب.
تظل كريمة أحيانا كثيرة حبيسة خيمتها لعدة ساعات سيما خلال التدريبات العسكرية. قبل أيام قليلة شهدت المنطقة تدريبات واسعة، استخدم خلالها الجنود الذخيرة الحية والمدافع الثقيلة والدبابات العسكرية، لزمت كريمة فراشها طوال الليل ولم تبرح محيط المنزل خلال أوقات النهار "فقد كان أزيز الرصاص وشظايا القذائف تحاصر المكان".

[[{"fid":"72604","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

يرد سقف الخيمة المتهالك عن كريمة بعضًا من أشعة الشمس الحارقة، ترطب السيدة المتعبة حرَّها بمروحة كهربائية وتطفئ ظمأها ببعض الماء البارد من البراد خاصتها. من قريب تمكنت من إيصال الكهرباء لخيمتها وابتاعت لنفسها تلفازًا وغسالة.

رغم ذلك فهي لا تعيش حياة مترفة، بل تفتقد لأبسط الاحتياجات من الماء والخدمات الطبية ومحال البقالة، وهي تقصد كل من "يتمدن" (يذهب للمدينة) من جيرانها لشراء ما يلزمها.

بكل قوته يسعى الاحتلال لطرد كريمة وتهجيرها، لم يخطرها علانية بهدم خيمتها؛ لكن إجراءاته على الأرض لا تخفى، فالهدم الأخير في قرية الفروش لمنزلين وبركة مياه، ومصادرة منزلين متنقلين، وتسليم المواطنين أكثر من أربعين إخطارًا بالهدم والإخلاء ووقف البناء، وهذه كلها ليست إلا خطوة في طريق تهجير السكان الذين تراجع تعدادهم للنصف منذ العام 2000.

يقول عازم حج محمد، منسق أنشطة الإغاثة الزراعية، إن سكان هذه المناطق الغورية، كالفروش وغيرها امتدادًا من بيسان شمال فلسطين المحتلة عام 1948؛ وحتى مفترق بلدة جبع شرقي القدس، سيواجهون ظروفًا صعبة نتيجة الممارسات الإسرائيلية، وهي ما تعرف بخطة "ألون".

خطة ألون الإسرائيلية تستهدف مناطق غورية لسلب مواردها الطبيعية، وعزل أهلها، ومنع تسليمهم لأي كيان فلسطيني أو أردني

ويضيف، "تقضي الخطة بحرمان السكان من الوصول لمواردهم الطبيعية والسيطرة على ثرواتهم، وبنفس الوقت عزلهم ومنع تسليمهم لأي كيان فلسطيني أو أردني".

وتشكل الأغوار الفلسطينية ما نسبته 28% من مساحة الضفة الغربية؛ التي يسير الاحتلال على 95% من أراضيها وعلى 87% من المياه. وتعمد دولة الاحتلال لزيادة عدد المستوطنين (نحو 800 ألف مستوطن) وتقليل أعداد الفلسطينيين (أقل من 650 ألفا).

إضافة لذلك، تعمل إسرائيل لضرب النسيج الاجتماعي داخل تلك المناطق للتعجيل بتهجير أهلها، وفعليًا تشيد إسرائيل وفق الحاج محمد ثلاث مستوطنات زراعية يقطنها قلة من المستوطنين، وتسيطر على جل أراضي المواطنين، فمن نحو 14 ألف دونم هي المساحة الإجمالية للفروض، لا يصل المواطنون إلا لنحو ثلاثة آلاف دونم فقط، وتصنفها إسرائيل بمناطق "سي"، وتحيطها بثلاث حواجز عسكرية ومعسكر للجيش.

وأمام هذا تحتاج كريمة وغيرها من سكان الفروش للدعم المستمر رسميًا وشعبيًا، سيما في ظل تصعيد وسائل القمع الإسرائيلية للسكان هناك والترحيل القسري.

يقول توفيق الحج محمد رئيس المجلس القروي إنهم يجتهدون في توفير خدمات البنى التحتية من الكهرباء والماء وشق الطرق لكنه، يُلمح إلى تقصير الجهات الرسمية، ويؤكد أن ما تقدمه "ضئيل" مقارنة بحجم معاناة الأهالي.


اقرأ/ي أيضًا:

يستطيع امتلاك مليوني شيكل ويفضل بيع الذرة

أصابع بوذا ويد الاحتلال في الأغوار

خضار "ببلاش".. من يقف خلف "تطفيش" المزارعين؟