01-أغسطس-2019

"فرح، إيمان، نور، ديما، سلمى، بيان، رشا، مِنّة، دعاء، صابرين.." كانت تلك أسماء لاعباتٍ في مباراةٍ نادرةٍ لكرة القدم، وهُن يُنادين عاليًا لأعضاء فريقهنّ لتمرير الكرة لإحراز هدفٍ في مرمى الحارس "ريما"، في أحد أندية رفح جنوب قطاع غزة.

فتيات رياضيّات من رفح يُشاركن بماراثون في عدة مدن بريطانية للضغط على الحكومة البريطانية لوقف تسليح إسرائيل

وعلى الرغم من طبيعة المجتمع المحافظ في تلك المدينة ومُخيّماتها التي تُعدّ الأقل حظًا في الرفاهية مقارنةً ببقية المدن الفلسطينية؛ إلا أن أولئك الفتيات التي تراوحت أعمارهنّ ما بين (13-17) أظهرن مهاراتٍ كانت طيّ الكتمان كتمرير الكرة برؤوسهن أو ركلها بالكعب، بحكم استحالة ممارسة الفتيات للرياضة على الملأ والظروف المعيشية بالغة السوء لتلك المدينة الحدودية التي تبعد كيلومترين عن مصر.

"النساء الصغيرات" -كما وصفت بعض اللاعبات أنفسهنّ- يُشاركن في هذا التمرين الرياضي منذ شهرٍ تقريبًا، استعدادًا لماراثونٍ مماثلٍ سينطلق مطلع آب/أغسطس في عدة مُدنٍ بريطانيةٍ بهدف الضغط على حكومة تلك البلاد لوقف دعمها لإسرائيل بطائرات الاستطلاع التي تُسمّى محليًا بـ"الزنّانة"، والتي ساهمت بقتل 184 طفلاً في غزة على مدار 10 سنوات (2004-2014) بحسب تقريرٍ للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | فتيات غزة.. الطريق في كرة السلة شائك

وكانت جماعة حقوقية في بريطانيا، ذكرت في تقريرٍ لها في يونيو الماضي، أن إنجلترا صادقت على مبيعات أسلحة لإسرائيل بنحو 17 مليون دولار في العام الماضي، بالتزامن مع مسيرات العودة التي أطلق فيها جنود الجيش الإسرائيلي النار بشكل مباشر، على المتظاهرين السلميين على حدودها مع غزة بطول 50 كيلومترًا.

في خارج الملعب المكتظّ بنادي "الزعيم"، كان ضجيجٌ أُنثويٌ آخر لفتياتٍ على دراجاتٍ هوائية استعرنها من أشقائهن لتأدية استعراضاتٍ تظل حبيسة النادي، وقد غمرتهن حريةٌ وسعادةٌ قُلْنَ إنهنّ "لن يشعرنّ فيها إلا في هذا النادي المغلق".

لكن لحظات تلك الفرحة كانت مؤقتة، فحين استئنافت "الزنانات" رحلاتها الجوية التي يُطلقها الجيش الإسرائيلي في سماء المدينة، شخصت رؤوس بعضهنّ عاليًا نحوها، فيما أوْمأتْ أخريات أنه حدثٌ عادي.

بيان أبو جزر (14 عامًا) لديها تجربةُ أليمةٌ في حرب 2014 مع تلك الطائرات المُحلّقة ترويها لـ الترا فلسطين. "كانت ليلةً لا يُسمع في عتمتها سوى التفجيرات، وتلقّى شقيقي اتصالاً من الجيران بوجوب إخلاء المنزل. لم نحمل سوى حقيبةً مدرسية كانت تحتوي على أوراقنا الثبوتية ودُميتي (ميمي) وركضنا بخوفٍ شديد على بعد أمتار، حتى سمعنا دويّا هائلاً وغبارًا رماديًّا استمر لساعة لينكشف لاحقًا أنه لبيتنا الذي تحول إلى حُفرة كبيرة".

بيان أبو جزر

وعن تجربتها الرياضية في النادي تقول: "لا أعرف إن كان العالم يُدرك حقّنا في العيش الطبيعي وركوب الدراجة ولعب كرة القدم كما تفعل بقيّة الفتيات خارج غزة، فلا زنّانات تُفسد لحظات الفرح هناك إلا هنا في غزة. قريبًا سأكون أمًا ولن أجد ما أُحدّث به أطفالي كما تفعل أمي عن طفولتها".

قريبًا سأكون أمًا ولن أجد ما أُحدّث به أطفالي كما تفعل أمي عن طفولتها

أما ندى أبو حسون (13 عامًا) فكانت في الثامنة حين اندلاع تلك الحرب التي أسفرت عن استشهاد شقيقها بصاروخ طائرة استطلاع، ولم تعلم عائلتها بفقدانه بعد أن تكوّموا جميعًا أسفل أغطية فراش النوم في المطبخ الذي اعتقدوا أنه الجزء الأكثر أمانًا، لكن أسطوانات غاز الطهي هناك ربما كانت ستُحول المكان إلى مجزرة إذا لامست شظية إحداها. "لا أعلم لم كان عليّ أن أعيش تلك التجربة، فأنا وزميلاتي في النادي لن نكون يومًا إرهابيّات، فنحن مجرد فتيات لم يعشن لحظاتٍ سعيدة في حياتهنّ إلا قليلاً" قالت ندى.

ندى أبو حسون

حنين الشامي (16عامًا) التي تطمح بأن تكون مهندسةً، قالت إن "هذا المكان يُشعرني بحريّتي، فكل شيء كبير هنا، وهذا يمنحني المزيد من الحريّة في الهتاف والصراخ والضحك، حتى بحضور الزنّانات التي لن تُفلح يومًا بمنعنا من اللعب، فقريبًا سنتزوّج وربما لن نركب الدرّاجات أن نمرّر الكرة بصدورنا ورؤوسنا حينها".

حنين الشامي

في المدينة التي تمتد على مساحة 55 كيلومترًا مربعًا، يبدو كلّ شيءِ بلا حياة، فعبر نظرةٍ من الأعلى، حوّل اللون الرماديّ تلك المدينة الفقيرة إلى كتلٍ إسمنتية مُسمطة، حيث يندر أن يكسو سكانها منازلهم بالطلاء لسوء أوضاعهم المادية، عدا عن نُدرة المقاهي والمطاعم العائلية، سوى من شاطئ البحر الذي حظرت سلطة البيئة مؤخرًا السباحة فيه، نظرًا لارتفاع نسبة التلوث الناجم عن ضخ ملايين اللترات من المياه العادِمة.


اقرأ/ي أيضًا: 

"أميرة الإعلام الرياضي".. منار يونس: وحده من يقاتل يصل

 فيديو | فتيات الملاكمة لأول مرة في غزة

بيسبول غزة: قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية