29-مايو-2024
الطائرات الورقية

غير بعيد عن مكان مجزرة سلبت أرواح معظم أفراد عائلته، وخرج جسده الصغير منها ملطخًا بالدماء، يلهو الطفل طه أبو ناصر (9 أعوام) بطائرته الورقية التي صنعها على شكل علم فلسطين.

 الطائرات الورقية منتشرة بشكل كبير، وتعد من أساليب الترفيه القليلة المتاحة للأطفال في غزة، فلا ملاعب أو مساحات فارغة للعب كرة القدم والرياضات الأخرى، ولا كهرباء لألعاب الكومبيوتر، والبحر يغزوه التلوث ورصاص الزوارق الحربية. 

في هذا الوقت من العام، باتت الطائرات الورقية -أو المعروفة فلسطينيًا باسم (الطبق)-  منتشرة بشكل كبير، وتعد من أساليب الترفيه القليلة المتاحة للأطفال في غزة، فلا ملاعب أو مساحات فارغة للعب كرة القدم والرياضات الأخرى، ولا كهرباء لألعاب الكومبيوتر، والبحر يغزوه التلوث ورصاص الزوارق الحربية. 

الطائرات الورقية

تماثل طه مؤخرًا للشفاء من إصابته ليلة 24 كانون أول/ديسمبر الماضي، عندما ارتكب جيش الاحتلال مجزرة بقصف منزلين متجاورين لعائلة أبو ناصر وعائلة أبو حامدة في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، راح ضحيتها قرابة 150 شهيدًا، بعضهم يسكنون في منازل بعيدة قليلاً عن المنطقة المستهدفة، نتيجة ضخامة القنابل المستخدمة.

فقد طه أبو ناصر في هذه المجزرة والده وأفرادًا من عائلته، إضافة إلى جميع أعمامه ومعظم أبنائهم، بعد أن أحال الاحتلال المنزل المكون من 5 طوابق، ويؤوي عشرات النازحين إلى جانب سكانه،  إلى ركام متناثر، وبينما خرج طه ووالدته المصابة من تحت الركام بإصابة خطيرة وغير مستقرة حتى اللحظة.

طه ابو ناصر

يقول طه أبو ناصر إنه اعتاد في كل صيف أن يصنع مع أبناء عمومته الطائرات الورقية، ويطيرونها في إحدى الأراضي المعروفة باسم بالحصيدة، بعد موسم حصاد القمح في منطقة بركة الوز، غرب المغازي ولكن هذا العام كان مختلفًا.

ويضيف طه أبو ناصر لـ الترا فلسطين: "كنا نخرج سويًا وبالعادة نكون أكثر من 12 طفلاً، نذهب للحصيدة ونستمتع بالإجازة الصيفية، في الصباح نلعب كرة القدم، وفي المساء نطير الطائرات الورقية، وأسبوعيًا نذهب للبحر، ولكن جميعهم ارتقوا شهداء، وبقيت وحيدًا".

وتكثر الطائرات الورقية في مناطق تجمع الخيام، حيث العدد الأكبر من النازحين، ويتبارى الأطفال من الذي يجعل طائرته الورقية تحلق أعلى، ومن هي الطائرة الأكبر حجمًا، والأجمل من حيث الشكل واللون.

الطائرات الورقية

السيدة "أم إبراهيم مجدي"، تقول إنها تروح عن نفسها عندما تخرج مع أطفالها أثناء لعبهم بالطائرات الورقية، وهو الوقت الوحيد الذي تقضيه العائلة خارج الخيمة كترفيه لها.

وأضافت في حديث لـ الترا فلسطين: "نقضي يومنا في الطهو والغسيل وأعمال الخيمة، وفي الليل نواجه صعوبات في النوم مع الظروف الصعبة والحرارة المرتفعة، فنحاول أن نقضي وقتًا بعيدًا عن الخيمة، ويتسلى فيه الأطفال".

وأوضحت السيدة أن أطفالها لم يحصلوا على ألعاب منذ نزوحهم من شمال قطاع غزة في تشرين أول/أكتوبر 2023، "فهذه الفترة أثرت عليهم نفسيًا، إذ أنهم لا يعيشون طفولة طبيعية؛ لهذا تحاول جاهدة أن يحصلوا على وقت خالي من التوتر والخوف عن طريق اللعب.

هذه الطائرات الورقية ذاتها، أصبحت في حياة أطفال آخرين، مصدرًا للدخل، مع الأوضاع الاقتصادية السيئة، وفقدان غالبية سكان قطاع غزة مصادر دخلهم، إذ بات الأطفال يصنعون هذه الطائرات ويبيعونها لإعالة ذويهم.

الأخوان يزن (10 أعوام) وعمرو (8 أعوام)، يشتركان في صناعة الطائرات الورقية وبيعها في أنحاء مخيم المغازي الذي نزحوا إليه أثناء الحرب، ومن خلال هذه الطائرات يعيل الطفلان عائلة من 8 أفراد، ويقضيان طيلة اليوم في هذا العمل.

أصيب والد الطفلين يزن وعمرو في ظهره إثر قصف مدفعي إسرائيلي، ما منعه من السعي لإيجاد قوت يوم عائلته، فباتا يحملان على عاتقهما هذه المسؤولية.

يقول يزن إنه تعلم صناعة الطائرات الورقية من مخيم صيفي، أقيم العام الماضي قريبًا من منطقة سكنه، وفي بداية عمله كان يجد صعوبة في تذكر ما تعلمه وتطبيقه، ولكن مع الممارسة أصبح ماهرًا في صناعتها.

ويضيف يزن لـ الترا فلسطين: "نبذل جهدًا كبيرًا لتوفير المواد الأساسية لصناعة الطائرات الورقية بأسعار معقولة، ونستخدم خشب (البوص)، حيث نذهب لمناطق تواجد هذه الأشجار، ونأخذ أخشابها، لأن الأخشاب المتاحة في السوق غالية الثمن، ونوفر أيضًا الخيوط والورق الملون".

وتابع، "لا أقوم بصناعة الطائرات الورقية فحسب، بل أقوم بتصليحها أيضًا، مثلا إن اختل ميزان الطائرة، أو تمزق ورقها، أو فشلت بالإقلاع رغم قوة الرياح، أو لو حصل أي خلل بها، أقوم بتصليحها، والأطفال يأتوني للخيمة في حال حصلت معهم مشكلة".

وبيّن يزن، أن كلفة صناعة الطائرة الورقية متوسطة الحجم تتراوح من 8 لـ 10 شواكل، ويبيعها بـ 15 شيكل، لكنه يجد صعوبة في بيع هذه الطائرات في منطقة نزوحه، فيذهب للمخيمات الأخرى، إلا أن العثور على زبائن ليس سهلاً رغم سعرها المنخفض، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

بيّن يزن، أن كلفة صناعة الطائرة الورقية متوسطة الحجم تتراوح من 8 لـ 10 شواكل، ويبيعها بـ 15 شيكل

من جانبه، "أبو محمد الشاويش"، معلمٌ يصنع طائرات ورقية بسيطة من ورق الدفاتر لأطفاله ليلعبوا بها، فهو لا يملك مصدر دخل بعدما توقف راتبه على أثر الحرب، كما فقد منزله وأصبح نازحًا في خيمة في محيط مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط القطاع.

طائرات مراقية

وأوضح، أن الطائرات التي يصنعها لأطفاله من ورق الدفاتر لا يوجد بها أخشاب، وتطير لمسافة محدودة، لكن الأطفال يقضون وقتًا ممتعًا بها، ورغم مشاهدتهم الطائرات الأكبر حجمًا، إلا أنهم يتفهمون ما نمر به.