03-أبريل-2017

الطفلة منة الله خلال أحد التدريبات - تصوير: مجدي فتحي

طلب مدرب الكاراتيه حسن الراعي؛ الهدوء من المتواجدين في قاعة نادي المشتل الرياضي وسط مدينة غزة، لتوفير الأجواء المناسبة للطفلة الكفيفة منة الله البيطار (13 عامًا) التي تقف في منتصف القاعة مرتدية "زيّ" الكاراتيه ويلف خصرها الحزام الأبيض.

طلبُ الهدوء من المدرب لم يكن عبثا، إذ أن برنامج تدريب أول طفلةٍ كفيفةٍ تلعب الكاراتيه في الوطن العربي يقوم على فكرة استشعار الهواء والإدراك الحسّي؛ باعتبارهما أبرز وسائل الفنون القتالية التي تعتمد على الصوت وحفظ الاتجاهات والحركات، وفقا لما أفادنا به مدرّب المنتخب الفلسطيني للكاراتيه، ومدير عام أكاديمية نادي المشتل للألعاب القتالية.

تصوير مجدي فتحي

يقول حسن الراعي: "فريق المكفوفين مكونٌ من 8 أشبالٍ وفتاة واحدة، وهي منة الله البيطار، وتدريب المكفوفين يعتمد على برنامج الإدراك الحسي، كما أنه بشكل أساسي يركز على اتّباع مصدر الصوت واللمس والحركة أثناء التدريب"، مشيرًا إلى أنّ هذه التدريبات تحتاج لكثيرٍ من الجهد من قبل المدرب، ولإيمانه بهذه الفئة والإمكانيات التي بداخلها.

الطفلة منة الله البيطار من غزة، أوّل رياضيّة تلعب الكاراتيه في الوطن العربي، وشقيقها المكفوف مؤمن حاز على برونزية بمسابقة دولية 

ويوضح الراعي في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، أن منّة الله أول لاعبة كاراتيه على مستوى الوطن العربي تمارس رياضة قتالية، وقد حصل شقيقها اللاعب مؤمن البيطار، وهو أيضًا كفيفٌ، على المركز الثالث في مسابقة دبي الدولية، التي أقيمت في إمارة دبي عام 2016.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال مرضى بالسرطان يجمعهم فريق كرة قدم

إنجاز مؤمن شجّع شقيقته منة الله على دخول هذا المجال، أملاً منها بتكوين كيانٍ لها في المجتمع والاندماج به أكثر، لكنها لا تنكر تخوفها في بداية رحلتها التدريبية من عدم معرفة المكان، مستدركة بأنها استطاعت سريعًا كسر الحواجز وتعدت مرحلة الخوف.

تقول الطفلة منة الله لـ"ألترا فلسطين": "كنت رافضة الفكرة تمامًا والخجل مسيطر علي، كيف ممكن بنت تُمارس هذه الرياضة؟ لكن تشجيعٍ أبي وأخي مؤمن الذي حصل على المركز الثالث في مسابقةٍ بدبي، زاد إصراري على الالتحاق برياضة الكاراتية".

تصوير مجدي فتحي

وتعرب منة عن أملها بالوصول إلى أعلى المستويات في رياضة الكارتية قائلة: "أحب الكاراتيه ولا رغبة لي بممارسة غيرها، وأملي أن أصل إلى أعلى المستويات، وأن أخوض مسابقات عالمية وأن أمثل بلادي فلسطين.. كل حلم يبدأ صغيرًا ويكبر".

ولا يجد ذوو الإعاقات البصرية في قطاع غزة الرعاية التي يحتاجونها، حتى بتوفير المواصلات لتأمين ذهابهم إلى النادي وعودتهم منه، في حين تحظى فرقٌ في رياضاتٍ مختلفةٍ لرعايةٍ كبيرةٍ ويُصرف عليها مبالغ طائلة، حسب المدرب الراعي.

وللشقيقين منة ومؤمن شقيقٌ ثالثٌ كفيفٌ أيضًا، وهو معتصم الذي لم يجد نفسه في رياضة الكاراتية، لكنه حصل على معدل 85% في الفرع العلمي بالثانوية العامة، ما يجعل عائلة منة حالة نادرة بوجود ثلاثة مكفوفين بين أفرادها لم تمنع إعاقاتهم تفوقهم.

يؤكد أحمد البيطار والد منة الله، أنه لم يعارض أبدًا التحاقها بتدريبات الكاراتية، بل شجعها على ذلك، مضيفًا، "أحب أن أرى أبنائي منخرطين بالمجتمع، وأن لا يشعروا بأي نقص".

ويبين البيطار لـ"ألترا فلسطين"، أن التعامل مع أبنائه الثلاثة المكفوفين ليس سهلاً، وأن الصعوبة تكمن في الأمور الحياتية، إذ يجد نفسه مضطرًا لمرافقتهم عند خروجهم إلى الجامعة والمدرسة، وإلى التدريب أيضًا، غير أنه يعرب عن فخره الشديد بإنجازاتهم، وتحديدًا بعد إنجاز مؤمن، وهو يعلق آماله الآن على إنجازٍ آخر تحققه منة الله هذه المرة.

تصوير مجدي فتحي

وتقوم تدريبات المكفوفين في الكاراتية على الإدراك الحسي، الذي يعتمد على مصدر الصوت واللمس أثناء الحركة. يبين المدرب الراعي، أن الأمر يبدأ بتعليم اللاعب على صالة التدريب وعدد خطواتها، ثم يناديه من عدة اتجاهات مختلفة ليتبع مصدر الصوت، ويعلمه على أداء كل حركةٍ على حدة، برفع اليد وإنزالها، والاتجاه إلى اليسار أو اليمين.

تصوير مجدي فتحي

ويشير الراعي إلى أن منة الله أنجزت خلال شهرٍ واحدٍ فقط متطلبات الحزام الأصفر، التي يحتاج الأشخاص الأسوياء مدة شهرين ونصف للتدريب عليها، مضيفًا، "لدى منة رغبة كبيرة في التعلم، وستشارك في المسابقات المقبلة وفي أول بطولةٍ دولية".

الطفلة الكفيفة منة الله من غزة أنجزت خلال شهرٍ فقط متطلبات الحزام الأصفر التي يحتاج الأسوياء لأكثر من شهرين لإنجازها

واحتاجت منة الله إلى جلسات تفريغٍ نفسيٍ قبل بدء التدريب، إذ كانت تعتقد أن رياضة الكاراتية صعبة جدًا، وممارستها لها ستخلف نظرة مجتمعية سلبية لها كفتاة، وهو ما تم كسره بعد جلسات التفريغ النفسي التي تخللها استعراض نجاحات أشخاصٍ مكفوفين.

ويتحدث الراعي عن مشاركة منة الله في عرضٍ فنيٍ خلال حفل تخريج لاعبين أسوياء وذوي إعاقة، يتناول منع سلطات الاحتلال مشاركة لاعبين من قطاع غزة في بطولة القدس، ورفضها منحهم التصاريح اللازمة لدخول الضفة الغربية، إذ مثّلت منة الله دور الشخصية التي تمنح رفاقها الأمل بعدم التوقف عن ممارسة هذه الرياضة.

تصوير مجدي فتحي

ولم يكن حرمان سلطات الاحتلال للاعبي الكاراتية في غزة من المشاركة في بطولة القدس، الجريمة الوحيدة في هذا السياق، إذ اعتقلت سلطات الاحتلال المدرب الراعي بعد إنجاز مؤمن البيطار في مسابقة دبي الدولية، ووجهت له تهمة "تدريب إرهابيين"، قبل أن يُفاجأ بأن اعتقاله جاء على خلفية تدريب رياضيين ذوي إعاقة.

ويشير المدرب الراعي إلى تشكيل اتحادٍ فلسطينيٍ للدفاع النفسي للأشخاص ذوي الإعاقة، وقد باشروا بتدريب أشخاصٍ من الجنسين من ذوي الإعاقة الحركية، وإعاقة متلازمة داون، وتشكيل نواة منتخب فلسطين في هذه الرياضة لكل الإعاقات.


اقرأ/ي أيضًا: 

"نون" النسوة تصدح لتشجيع لاعبات الكرة بغزة

"بيسبول غزة": قفاز يتيم وكرة تنس وتطلعات للعالمية

فيديو | "سبايدر مان" فلسطيني!