18-أكتوبر-2022
MAHMUD HAMS/ Getty

منذ بدء الحديث عن "عرين الأسود" في وسائل الإعلام العبرية، واظب المعلّقون العسكريون ومراسلو الشؤون الفلسطينية، وكذلك الضباط السابقين، والأكاديميين الإسرائيليين على عدم التطرق إلى عدد المنتمين لهذه المجموعة،  وعدم نسبتها لقطاع غزة، لكن في نهاية الأسبوع الماضي بادر وزير جيش الاحتلال بيني غانتس على تحطيم هذه القاعدة مع الإبقاء على الثانية، وتم الانتقال من مرحلة أنّها تشكّل خطرًا كبيرًا داهمًا على "إسرائيل" إلى مرحلة "30 مسلّحًا".

"مبدأ دق الإسفين"، الذي تفتّقت عنه عقول مُنظّري الحرب في "إسرائيل" لمواجهة المنظمات، يهدف لـ "تركيع العدو" الذي يعيش في وسط المدنيين

ولاحقًا، بعد حديث غانتس، وصف ضابط إسرائيلي رفيع مجموعة "عرين الأسود" بأنهم مجموعة صبية يجيدون استخدام تطبيق "تيك توك" ولا يزيد عددهم عن ثلاثين. الخلاصات التي قُدّمت في الحديث عن هذه المجموعة المسلّحة سواء في حديث غانتس، أو الضابط الإسرائيلي، ومن تحدّث بعدهما في الإعلام العبري أجمعت على "اقتراب نهاية هذه الظاهرة". 

وحتى الآن، تبقي "إسرائيل" على القاعدة الثانية بشأن "عرين الأسود" دون تغيير، وهذا ليس عفويًا لأنّ حقن الجمهور الإسرائيلي بالادّعاء أن حماس تقف خلف الظاهرة، يعني أن المستوى السياسي والعسكري في تل أبيب سيجد نفسه أمام ضغوط كبرى لشنِّ عملية عسكرية في غزة، وذلك في حال أوقعت عملية محتملة ينفذها "عرين الأسود" قتلى في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه.

التدرّج في توصيف الظاهرة، ليس عبثيًا، ويجرى حاليًا تهيئة الرأي العام الإسرائيلي للحلول المقترحة 

التدرّج في توصيف الظاهرة، ليس عبثيًا، ويجرى حاليًا تهيئة الرأي العام الإسرائيلي للحلول المقترحة. غانتس كان واضحًا؛ إذ "تعهّد" بإنهاء "عرين الأسود" بطريقة أو بأخرى.

وليس سرًّا أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية لجيش الاحتلال غير محدّثة ولا تتطرق أصلًا لمثل ظاهرة "عرين الأسود" كما يرى عوفر شيلح، رئيس اللجنة الفرعية للعقيدة الأمنية في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، في كتابه "الشجاعة اللازمة لإحراز النصر". إذ يقول إن العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي صاغها ديفيد بن غوريون بعد إقامة "إسرائيل" مباشرة، لم يتم تحديثها رغم التغييرات العسكرية والسياسية الجوهرية التي طرأت على محيط "إسرائيل". 

تلك العقيدة تقوم على تصنيف التهديدات طبقًا لاحتمالات حدوثها وخطورتها: اجتياح جيوش نظامية تهدف للاحتلال أو الإبادة، أو "عمليات إرهابية" ينفّذها متسللون، ولمجابهة هذه التحديات، بُني الجيش. فحدد بن غوريون ثلاثة مركّبات حيوية للعقيدة الأمنية الرامية لمواجهة تلك التهديدات: "الردع" عبر إلغاء أو إضعاف إرادة العدو، و"الإنذار" لمعرفة نوايا العدو، و"الحسم" بإحراز نصر واضح وسريع.

الانتقاد الرئيس الذي يوجهه شيلح في كتابه، هو أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية الحالية، لا تتطرّق لجوهر العدو الذي يواجه "إسرائيل" حاليًا، فالتهديدات التي يفترض مجابهتها اليوم، باتت تختلف جوهريًا عن التهديدات التي كانت تفرضها الجيوش العربية التي خرجت من دائرة الصراع. 

ويقترح الكتاب والذي هو خلاصة نقاش معمّق في اللجنة الفرعية للعقيدة الأمنية في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست امتد على مدار 87 جلسة نقاش جديّة وسريّة، بلورة سياسة للتعامل مع المنظمات التي باتت تشكل التهديد  على "إسرائيل"، وقد انقضت عدة سنوات منذ صدور كتاب شيلح، وظهر تهديد جديد، هو "عرين الأسود"، ليس تنظيمًا ولا حركة.

الإعلام العبري يجترّ رسالة موحدة منذ أيام: "إنهم ثلاثين شخصًا فقط"، وذلك لتهيئة الميدان للخطط الفعلية المستقبلية 

لكن ما اقترحته جلسات لجنة العقيدة الأمنية في لجنة الخارجية والكنيست كحلٍّ ناجع في مواجهة المنظمات، في تلك الجلسات، بالإمكان الافتراض بناءً على تجربة الماضي التي شارك فيها قادة الأجهزة الاستخبارية وكبار المتخصصين في الساحة الفلسطينية واللبنانية، واقترحت أن تكون الحرب قصيرة، ومن أجل "تركيع العدو" الذي يعيش في وسط المدنيين، يجب "دقُّ إسفين" أي بمعنى إيجاد فرق في المصلحة بين الجانبين.

و"مبدأ دق الإسفين"، الذي تفتّقت عنه عقول مُنظّري الحرب في "إسرائيل" لمواجهة المنظمات، يشير سلوك جيش الاحتلال ومخابراته أنه بات الخيار المتاح والمعتمد حاليًا في مواجهة "عرين الأسود". فقد أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس عن حرمان أقارب عناصر التنظيم من تصاريح العمل داخل الخط الأخضر، كما تم فرض المزيد من الحواجز في محيط نابلس ومحاصرتها، ما دفع أحد كبار ضباط جيش الاحتلال للزعم بأن ذلك أدى لانخفاض عدد الهجمات المسلحة والإنذارات الساخنة.