في عام 2015، أعرب شبانٌ عن رفضهم لسياسة بَيع الأوقاف الكَنسية الأرثذوكسية من قبل البطريرك ثيوفيلوس الثالث، من خلال رفع علم فلسطين فوق كنيسة المهد في مدينة بيت لحم. كانت هذه هي المرة الثانية التي يرفرف فيها العلم الفلسطيني فوق الكنيسة، إذ رُفع في الانتفاضة الأولى أوّل مَرة قبل نحو 30عاماً، ذلك أن الإجراءات تَمنعُ رفع أيّ علم إلا علم دولة اليونان التي يَنتمي لها البطاركة الذين يُسيطرون على الكنيسة الأرثدوكسية.
[[{"fid":"70250","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":400,"width":538,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
كان رفع العلم الفلسطيني على كنيسة المهد التي تُعدُّ من أهم المعالم الفلسطينية، إشارة لعروبة الكنيسة، وفلسطينية أملاكها، ووطنية أتباعها من العرب المسيحيين، فالعلم هنا هو رمز العروبة والهوية المعاصرة للنضال الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني.
رُفع علم فلسطين بشكله الحالي أول مرة في ثورة البراق 1929، لكنه تجسد على الأرض بصورة بارزة بعد عام 1967 بعد حظره من قبل الاحتلال
هذا العلم جسّد هوية النضال والكفاح الفلسطيني بدءاً من ثورة البراق 1929، إذ كانت حينها المرّة الأولى التي يُرفَعُ فيها هذا العلم للتعبير عن الهوية الفلسطينية بحدودها السياسية المعروفة: من البحر إلى النهر؛ ومن رفح حتى رأس الناقورة. ومن يومها صار العلم بألوانه الأربعة رمزاً للنضال الفلسطيني، وعلماً للدولة التي يسعى الفلسطينيون لحريتها واستقلالها.
اقرأ/ي أيضاً: انتفاضة الحجارة: أساطير ونكات لإنهاء كذبة الجيش الذي لا يقهر
لكن العلم الفلسطيني برمزيته النضالية ودوره في مجابهة المشروع الصهيوني، تجسد على الأرض بصورة بارزة بعد العام 1967، إثر قيام دولة الاحتلال بمنع رفعه وحظره في الفعاليات والأنشطة الثقافية والسياسية. ومن هُنا بدأ الإبداع الفلسطيني في إدخال العلم لساحة المعركة مع العدو الصهيوني، وأصبح أحد الأدوات النضالية التي يُمارسها الفلسطينيون بشكل يومي في الأرض المُحتلة.
لقد دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً لانتصار العلم وبقائه عالياً في سماء فلسطين، فقدموا الشهداء والأسرى وهم في مهمات نضالية، ومنهم الشهيد إياد ابو سعدي من بيت ساحور، الذي ارتقى أثناء رفعه للعلم الفلسطيني عام 1988.
ولا تزال ذاكرة الفلسطينيين تحمل حكايات وقصص كثيرة حول دور العلم ومكانته في المعركة مع الاحتلال، وتحديداً في الانتفاضة الأولى، وكيف انتقل العلم من رمز سياسي ليصبح واحداً من أقوى أدوات إزعاج الاحتلال ومقاومته، بل عنواناً للتمرد والعصيان المدني.
وكان على الأهالي في الانتفاضة الأولى صناعة أعلامهم من الأقمشة والملابس، حتى أن النّسوة الفلسطينيات كُن يُمزقن أغطية الفراش وبعض أثوابهن لأجل توفير الألوان الأساسية للعلم، ويقمن بخياطته ليلاً وتخبئته في أماكن يصعب على جيش الاحتلال الوصول إليها، ذلك أن العثور على علم فلسطيني في أحد البيوت كان مُبرراً كافياً لجيش الاحتلال للاعتداء الوحشي على أهل البيت، واعتقال شبابه.
في انتفاضة الحجارة، كانت النساء يمزقن أغطية الفراش وبعض أثوابهن لأجل توفير الألوان الأساسية للعلم، ويقمن بخياطته ليلاً وتخبئته
ولا تزال قوات الاحتلال تلاحق من يحملون علم فلسطين في الوقفات الاحتجاجية، وفي أماكن المواجهة، ويزداد ذلك في مدينة القدس، والمدن المحتلة عام 1948، وهنا يُمكن الإشارة إلى قتل الشهيد إبراهيم أبو ثريا خلال "انتفاضة العاصمة"، رغم أنه مقعد ولم يكن يفعل أكثر من حمل العلم خلال المواجهات.
هناك تراث فلسطيني كامل مُرتبط بعلاقة المقاومة برفع العلم وتحدي جيش الاحتلال، وقد شُغل جيش الاحتلال في الانتفاضة الأولى بإجبار الناس على إنزال العلم الفلسطيني من على المآذن وقمم الأشجار والبنايات العالية، حتى صار هذا المشهد شبه يومي في كل القرى والمدن والمخيمات، وولدت قصص أشبه بالأساطير تصوغ فكرة الصراع بين الاحتلال والفلسطينين على رمزية رفع العلم.
ولعلّ أكثر الحكايات التي يتم تناقلها عن الفلسطينيين وعلاقتهم مع العلم، أنهم كانوا يتعرضون للضرب المبرح لرفضهم إنزال العلم عن أعمدة الكهرباء، وأن بعضهم كان حين يُجبر تحت الضرب على الصعود لإنزال العلم، يؤثر أن يلقي بنفسه عن الشجرة فيقع مُصاباً ولا أن يحمل عار إنزال العلم الفلسطيني، فالأمر بالنسبة لهؤلاء ليس مُجرد قطعة قماش ذات ألوان، كما يَعتقد من يقول إن العلم ليس أكثر من كونه خِرقة من إفرازات سايكس بيكو.
ومن المشاهد التي لا ينساها الفلسطينيون في الانتفاضة الأولى، فعاليات يوم العلم الفلسطيني بتاريخ 6 آذار/مارس 1988، حيثُ رُفعت الأعلام في كُل فلسطين فوق الأعمدة والبيوت، واضطر الصحافيون والأجانب لرفع الأعلام على سياراتهم كتصريح مرور في المناطق الفلسطينية، وهُنا جُن جنون جيش الاحتلال وبدأ يُطارد النُشطاء لإنزال الأعلام.
في يوم العلم الفلسطيني خلال انتفاضة الحجارة، اضطر الصحافيون لرفع الأعلام على سياراتهم كتصريح مرور في المناطق الفلسطينية
كانت فعاليات السادس من آذار استجابة للبيان التاسع للقيادة الموحدة للانتفاضة، التي دعت لاعتبار هذا التاريخ يوماً للعلم الفلسطيني، يُرفع فيه في كل المواقع، وفوق كل بيت، وفي المظاهرات والفعاليات.
[[{"fid":"70251","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":400,"width":561,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
يومها أشرقت الشمس على الأعلام تُزين سماء كُل القرى والمدن والمخيمات في الضفة وغزة، وقد كُتب عليها "لتستمر الانتفاضة"، واندلعت مواجهات في العشرات من نقاط التماس دفاعاً عن العلم ولمنع إنزاله عن البيوت والأماكن العامة.
اقرأ/ي أيضاً: دولة الملثمين.. حين أُعلنت عقربا منطقة محررة
ومن لطيف تلك القصص يومها، أن جيش الاحتلال أجبر فتى على الصعود لإحدى البنايات لإنزال العلم، فلما صعد وقف أمام العلم وأدى له التحية، قبل أن يُنزله ويطويه، ثم يتقدم نحو الجنود ويُقبّل العلم ثم يسلمه لهم، فانهالوا عليه بالضرب. يقول شهود على هذه الأحداث، إن هناك من قَبَّل العلم ولاذ بالفرار دون أن يُسلمه للجيش.
وفي رواية أخرى، استوقف جنود الاحتلال طفلاً وأجبروه على الصعود على عامود كهرباء لإنزال العلم، فلما صعد لأعلى العامود حمل العلم وبدأ يلوح به ويغني بأعلى صوته.
ومن طريف ما يُروى أيضاً في هذا السياق، أن شباناً علقوا علماً صغيراً بقدم حمامه وأطلقوها في الهواء، فأطلق الجيش عليها الرصاص وأسقطها مُخَضِّبَة العلم بدمها. فيما قيل إن آخرين ربطوا علم الاحتلال الإسرائيلي على ذنب الحمار، وعلقوا فوق رأسه علم فلسطين، وبدأ الحمار يمشي في الطرقات قبل أن يلاحقة الجيش ويُطلقوا عليه النار.
واليوم، بعد 70 عاماً على إعلان تأسيس دولة الاحتلال، ورغم كُل وسائل البطش والإرهاب، لا يزال العلم الفلسطيني حاضراً في أحداث "انتفاضة العاصمة"، وتحديداً داخل القدس عند باب العمود وغيره من مواقع الاحتجاجات، وفي كل مواجهة ونقطة اشتباك في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اقرأ/ي أيضاً: