فتح إعلان كتائب القسام عن جائزة المليون دولار لكل عميلٍ ينجح في استدراج قواتٍ إسرائيليةٍ أو ضباط مخابرات، الباب أمام الكثير من التساؤلات عن مدى واقعية تطبيق مثل هذه الفكرة، ومدى النجاح الممكن تحقيقه.
الترا فلسطين رصد مجموعة من عمليات الاستدراج التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الأخيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونجحت خلالها في الإيقاع بعددٍ من ضباط "الشاباك" وقواتٍ خاصة، وذلك عبر توجيهها لعدد من عناصرها في اختراق أجهزة مخابرات الاحتلال كعملاء افتراضيين.
الترا فلسطين رصد مجموعة من عمليات الاستدراج التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الأخيرة
العملية الأولى: نفذها الشهيد القسامي ماهر أبو سرور عام 1993، إذ أوهم المخابرات الإسرائيلية بأنه مستعد للعمل معها، وبعد ذلك نجح في استدراج ضابط المخابرت حاييم نحماني إلى منزلٍ في مدينة القدس، وأجهز عليه، واغتنم مسدسه الشخصي وحقيبته المليئة بالمعلومات، فأصبح المطارد رقم واحد حتى قضى نحبه في عملية اختطاف الحافلة رقم (25) بالقدس، وهي العملية التي كان الهدف منها إجراء عملية تبادل لإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين وعشرات الأسرى.
اقرأ/ي أيضًا: مُطاردون سابقون يحكون عن التخفي ومراوغة الاحتلال
العملية الثانية: نفذها الشهيد عبد المنعم أبو حميد الملقب بصائد "الشاباك" عام 1994، إذ أوهم المخابرات الإسرائيلية باستعداده للعمل معها، ونجح بعد ذلك في استدراج ثلاثة ضباط من "الشاباك" إلى المنطقة الصناعية جنوب رام الله، بينهم الضابط الكبير نوعام كوهين، وفور وصولهم إلى المكان بادر أبو حميد لإطلاق النار عليهم، بمساعدة الشهيد عبد الرحمن حمدان، والأسير المحرر علي العامودي، فقُتل كوهين وأصيب الآخران، ثم بعد مطاردةٍ لأشهر، تمكن "الشاباك" من اغتيال أبو حميد عبر قواتٍ خاصةٍ بالقرب من مدينة القدس المحتلة.
العملية الثالثة: وهي "عملية السهم الثاقب" عام 2004، إذ وجهت كتائب القسام أحد عناصرها لاختراق صفوف "الشاباك"، وبعد ذلك أرسل رسالة للاحتلال بأن أحد قادة كتائب القسام موجودٌ في المنطقة الحدودية بالقرب من معبر كارني شرق مدينة غزة، حيث كانت القسام قد أعدت كمينًا محكمًا وزرعت عددًا من العبوات الناسفة في المكان؛ وفور قدوم القوة الخاصة فجرت العبوات الناسفة بالجنود، ثم ترجل الشهيدان مؤمن رجب وأدهم حجيلة عبر نفقٍ أرضيٍ للإجهاز على مَن تبقى من جرحى القوة الخاصة. اكتفى الاحتلال آنذاك بالإعلان عن مقتل جندي واحد وإصابة أربعة آخرين.
العملية الرابعة: نجحت خليةٌ تابعةٌ لكتائب القسام في استدراج إسرائيلي يعمل لصالح جهاز "الشاباك"؛ ويدعى ساسون لوريال من مدينة القدس المحتلة إلى رام الله، حيث تمت تصفيته بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2005.
اختيار ساسون هدفًا لهذه العملية جاء بعد أن تأكد عبد الله عرار -أحد أفراد الخلية- بأنه يعمل لصالح "الشاباك"، عندما عرض عليه وعلى العديد من عمال مصنع حلويات -كان ساسون يديره- التخابر مع "الشاباك".
بعد عملية تخطيط دقيقة، أغرى عبد الله عرار وعلي القاضي، نوريئيل، بالسفر معهما إلى الرام قرب القدس من أجل شراء ماكنة لإعداد القهوة، وخلال السفر جرى خطفه ونقله إلى رام الله، وهناك تم تصويره وإجباره على التصريح بأنه خُطف من قبل حركة حماس، وأن إطلاق سراحه مرهون بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
منذ تسعينات القرن العشرين، أسفرت عمليات الاستدراج التي نفذتها كتائب القسام عن مقتل ضابطين وجندي وعميل لـ"الشاباك"
حاول أعضاء الخلية الاحتفاظ بساسون حيًا، إلا أن الخوف من كشف أمرهم بعد حملة اعتقالاتٍ ومداهماتٍ واسعةٍ دفعهم إلى قتله وإخفاء جثته في بيتونيا، بعد خمسة أيام من عملية الاختطاف.
اقرأ/ي أيضًا: 3 فدائيين من "زمن نابلس الجميل"
فور انتشار خبر مقتل ساسون، أنكر الاحتلال أي علاقة تربطه بجهاز "الشاباك"، وادعى بأنه تاجر حلويات، إلا أنه عاد واعترف بعلاقته مع "الشاباك" بعد أن أرسلت عائلته رسالة إلى مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية مفادها: "ماذا كان يعمل ساسون؟ وهل هو ضابط شاباك أم بائع حلويات؟"، فردت على العائلة برسالة جاء فيها: "نشكر ساسون على الخدمات التي قدمها للأمن الإسرائيلي، وقتله الفلسطينيون لأنه يهودي وقد أرادوا أن يفرجوا عن الأسرى فقتلوه".
بعد العملية بأسبوع، تمكن الاحتلال من اكتشاف مكان جثة ساسون، ثم نجح في اعتقال الخلية القسامية المكونة من علي القاضي، وعبد الله عرار، وسعيد عرار، وسعيد شلالدة، ومحمد الرمحي، وقد تم الإفراج عنهم -باستثناء الأسير عرار- في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011.
الجهد الفردي ممنوع
الخبير الأمني محمد أبو هربيد، أكد أن محاولة اختراق أجهزة مخابرات الاحتلال بجهدٍ فرديٍ هي عملية خطيرة غير مسموح بها ويعاقب عليها القانون، وقد تنتج عنها آثارٌ كارثيةٌ عكسيةٌ على الشخص الذي يخطط لها.
محاولة اختراق مخابرات الاحتلال بجهدٍ فرديٍ هي عملية خطيرة وغير مسموح بها ويعاقب عليها القانون
وأوضح أبو هربيد لـ الترا فلسطين أن مثل هذه العمليات يجب أن تدار من قبل الجهات المختصة فقط، "لأن العميل المزدوج يجب أن يحظى بنفسٍ طويلٍ وبفريقٍ كاملٍ من المرشدين والموجهين المختصين بهذا الشأن، حتى ينجح في أداء مهمته".
وأشار إلى أن ضباط الاحتلال على قدرٍ عالٍ من الخبرة والتدريب ولا يمكن خداعهم بسهولة، مبينًا أن بعض الأشخاص تورطوا في مستنقع العمالة بعد اتصالهم بضباط مخابرات بغرض التذاكي عليهم والسخرية منهم.
ورأى أبو هربيد، أن رسالة القسام "لم يكن الهدف منها رفع ثمن العميل إلى مليون دولار، أو أن يجعل التخابر مع الاحتلال هو أفخم الوظائف، إنما هدفت إلى ضرب الثقة بين العملاء ومشغليهم"، مؤكدًا أن قيمة المكافأة تدلل على أهمية الفعل المراد تنفيذه، لما سيكون له من نتائج وآثارٍ كبيرةٍ في الحرب الأمنية الدائرة.
اقرأ/ي أيضًا:
معركة واد القلط.. الثورة تصطاد أحد "أبطال إسرائيل"