لمن لا يعرف عذابات "البوسطة"، الزنزانة المتحركة لنقل الأسرى بين معتقلات الاحتلال الإسرائيلي وقاعات محاكمه، ومن لم يجربها أو يسمع بقصص القهر الذي يلاقيه الأسرى فيها، وحتى الذين سمعوا بها وبعذاباتها، فلنزر معًا قبر الشهيد محمد أبو النصر "الوحش"، ونستذكر رده على اعتداءات السجانين بـ"تشطيب" وجوههم بشفرته.
فعل "الوحش" ذلك رغم علمه المسبق بحجم الضرب الذي سيتعرض له، ما سيزيد عمق إصابته حينها. فعلها وهو يدرك أنه سيتعرض لكل أشكال القمع التي مارستها سلطات الاحتلال بحق الأسرى منذ بدء هذا الاحتلال، من العزل الانفرادي، والحرمان من الزيارة، إلى الحرمان من "الفورة" و"الكانتين"، وليس انتهاءً بالتعذيب النفسي.
أجبر الأسرى إدارة سجون الاحتلال على إنهاء القمع خلال التنقلات مقابل وقف "تشطيب" وجوه شرطة "البوسطة"
كان "الوحش" قد أخفى شفرة في ثيابه بعد أن اتخذ قرارًا لا رجعة فيه بـ"تشطيب" وجوه السجانين. وما إن فكوا قيوده حتى سحب شفرته وغرزها في وجوه الجنود، أراد أن يقول لهم بلغته الخاصة: "توقفوا عن إهانتنا، وإن لم تفعلوا فإننا سنرد".
"الوحش" لم يكن وحده. هذا ما أكدته الإجراءات الانتقامية من إدارة سجون الاحتلال، فالأسرى وقفوا جميعًا وقفة رجلٍ واحد خلفه. نصروه وهددوا بأن "شفرة" الوحش ستكون بيد كلٍ منهم، إذا تم المساس بوحشهم. لم يكن أمام إدارة سجون الاحتلال حينها سوى الرضوخ، كانت تخشى من ثورة "شفرات" في وجوه عناصرها.
عُقد الاتفاق ونجا "الوحش" بهمّة رفاقه من انتقام الاحتلال. وافقت إدارة القمع حينها بعد التفاوض مع لجنة الأسرى على وقف اعتداءات شرطة "البوسطة"، مقابل عدم "تشفير" وجوههم. رددنا يومها: "إن عدتم عدنا، وسيكون المعتقل بأكمله هو الوحش محمد أبو النصر".
* كان مطلب وقف إهانات واعتداءات حرس البوسطة مطلبًا دائمًا وحاضرًا في كل مفاوضات كان يجريها المعتقلون مع إدارة السجون، والنتيجة كانت دائما وعودًا كاذبة. ولكن "ما بجيب الرطل إلا الرطلين!"
اقرأ/ي أيضًا:
هدده المحققون بزوجته وقطع خلفه ولم يرضخ